للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالشَّرْعُ لَهُ قَاعِدَةٌ، وَهُوَ أَنَّهُ إنَّمَا يُمْلَكُ لِأَجْلِ الْحَاجَةِ، وَمَا لَا حَاجَةَ فِيهِ لَا يُشْرَعُ فِيهِ الْمِلْكُ فَلِذَلِكَ لَمْ يُمْلَكْ مَا تَحْتَ الْأَبْنِيَةِ مِنْ تُخُومِ الْأَرْضِ بِخِلَافِ الْهَوَاءِ إلَى عَنَانِ السَّمَاءِ فَهَذَا هُوَ الْفَرْقُ، وَالْمَسَاجِدُ وَالْكَعْبَةُ لَمَّا كَانَتْ بُيُوتًا كَانَتْ الْمَقَاصِدُ فِيهَا لِمَنْ يَدْخُلُهَا مُتَعَلِّقَةً بِهَوَائِهَا دُونَ مَا تَحْتَ بِنَائِهَا كَالْمَمْلُوكَاتِ فَإِنْ قُلْت وَرَدَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «مَنْ غَصَبَ شِبْرًا مِنْ أَرْضٍ طُوِّقَهُ مِنْ سَبْعِ أَرَضِينَ» ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى مِلْكِ مَا تَحْتَ ذَلِكَ الشِّبْرِ إلَى الْأَرْضِ السَّابِعَةِ قُلْت تَطْوِيقَةُ ذَلِكَ إنَّمَا كَانَ عُقُوبَةً لَا لِأَجْلِ مِلْكِ صَاحِبِ الشِّبْرِ إلَى الْأَرْضِ السَّابِعَةِ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ الْعُقُوبَةِ بِالشَّيْءِ أَنْ يَكُونَ مَمْلُوكًا لِغَيْرِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ

ــ

[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]

الدَّوَاعِي فِي بَطْنِ الْأَرْضِ عَلَى أَكْثَرَ مِمَّا يَتَمَسَّكُ بِهِ الْبِنَاءُ مِنْ الْأَسَاسَاتِ لَيْسَ بِصَحِيحٍ كَيْفَ وَقَدْ تَوَفَّرَتْ عَلَيْهِ دَوَاعِي كَثِيرٍ مِنْ النَّاسِ كَحَفْرِ الْأَرْضِ لِلْجُبُوبِ وَالْمَصَانِعِ وَالْآبَارِ الْعَمِيقَةِ هَذِهِ غَفْلَةٌ مِنْهُ شَدِيدَةٌ، وَاَلَّذِي يَقْتَضِيهِ النَّظَرُ الصَّحِيحُ أَنَّ حُكْمَ مَا تَحْتَ الْأَبْنِيَةِ كَحُكْمِ الْأَهْوِيَةِ، وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ مَنْ أَرَادَ أَنْ يَحْفِرَ مَطْمُورَةً تَحْتَ مِلْكِ غَيْرِهِ يَتَوَصَّلُ إلَيْهَا مِنْ مِلْكِ نَفْسِهِ يُمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ بِلَا رَيْبٍ وَلَا خِلَافَ فَلَوْ كَانَ مَا تَحْتَ الْأَبْنِيَةِ لَيْسَ لَهُ حُكْمُ الْأَبْنِيَةِ بَلْ هُوَ بَاقٍ عَلَى حُكْمِ قَبُولِهِ لِلْإِحْيَاءِ لَمَا مُنِعَ مِنْ ذَلِكَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

قَالَ (وَالشَّرْعُ لَهُ قَاعِدَةٌ، وَهُوَ أَنَّهُ إنَّمَا يُمْلَكُ لِأَجْلِ الْحَاجَةِ، وَمَا لَا حَاجَةَ فِيهِ لَا يُشْرَعُ فِيهِ الْمِلْكُ فَلِذَلِكَ لَمْ يُمْلَكْ مَا تَحْتَ الْأَبْنِيَةِ مِنْ تُخُومِ الْأَرْضِ بِخِلَافِ الْهَوَاءِ إلَى عَنَانِ السَّمَاءِ) قُلْت إذَا كَانَتْ الْقَاعِدَةُ الشَّرْعِيَّةُ أَنْ لَا يُمْلَكَ إلَّا مَا فِيهِ الْحَاجَةُ، وَأَيُّ حَاجَةٍ فِي الْبُلُوغِ إلَى عَنَانِ السَّمَاءِ، وَإِذَا كَانَتْ الْقَاعِدَةُ أَنَّهُ يُمْلَكُ مِمَّا فِيهِ الْحَاجَةُ فَمَا الْمَانِعُ مِنْ مِلْكِ مَا تَحْتَ الْبِنَاءِ لِحَفْرِ بِئْرٍ يُعَمِّقُهَا حَافِرُهَا مَا شَاءَ فَمَا ذُكِرَ مِنْ سِرِّ الْفَرْقِ لَمْ يَظْهَرْ، وَبَقِيَ سِرًّا كَمَا كَانَ فَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ، وَمِنْ الدَّلِيلِ عَلَى ذَلِكَ مَا هُوَ مَعْلُومٌ لَا شَكَّ فِيهِ مِنْ أَنَّ مَنْ مَلَكَ مَوْضِعًا لَهُ أَنْ يَبْنِيَ فِيهِ، وَيَرْفَعَ فِيهِ الْبِنَاءَ مَا شَاءَ مَا لَمْ يَضُرَّ بِغَيْرِهِ، وَأَنَّ لَهُ أَنْ يَحْفِرَ فِيهِ مَا شَاءَ، وَيُعَمِّقَ مَا شَاءَ مَا لَمْ يَضُرَّ بِغَيْرِهِ قَالَ (فَإِنْ قُلْت وَرَدَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «مَنْ غَصَبَ شِبْرًا مِنْ أَرْضٍ طُوِّقَهُ مِنْ سَبْعِ أَرَضِينَ» إلَى آخِرِ مَا قَالَهُ فِي الْجَوَابِ) قُلْت لَا شَكَّ أَنَّ فِي الْحَدِيثِ إشْعَارًا بِمِلْكِ مَا تَحْتَ الشِّبْرِ مِنْ الْأَرَضِينَ مِنْ جِهَةِ أَنَّ الْقَاعِدَةَ أَنَّ الْعُقُوبَةَ تَكُونُ بِقَدْرِ الْجِنَايَةِ، وَمَا قَالَهُ مِنْ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ الْعُقُوبَةِ بِأَنْ يَكُونَ مَمْلُوكًا لِغَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى لَا يَدْفَعُ ذَلِكَ الْإِشْعَارَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

ــ

[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]

مَكَّةَ، وَكِرَاءَ مَنَازِلِهَا مِنْهُمْ طَاوُسٌ وَعَمْرُو بْنُ دِينَارٍ، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ ثُمَّ ذَكَرَ حُجَجَ كُلِّ قَوْلٍ، وَقَالَ وَالدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ قَوْلِ مَالِكٍ، وَمَنْ قَالَ بِقَوْلِهِ قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ {الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ} [الحشر: ٨] وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَوْمَ الْفَتْحِ «مَنْ دَخَلَ دَارَ أَبِي سُفْيَانَ فَهُوَ آمِنٌ، وَمَنْ دَخَلَ دَارِهِ فَهُوَ آمِنٌ» فَأَثْبَتَ لِأَبِي سُفْيَانَ مِلْكَ دَارِهِ، وَأَثْبَتَ لَهُمْ أَمْلَاكَهُمْ عَلَى دُورِهِمْ.

وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ «هَلْ تَرَكَ لَنَا عَقِيلٌ مَنْزِلًا» يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا مِلْكٌ لِأَرْبَابِهَا، وَأَنَّ عُمَرَ ابْتَاعَ دَارًا بِأَرْبَعَةِ آلَافِ دِرْهَمٍ، وَأَنَّ دُورَ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِأَيْدِي أَعْقَابِهِمْ مِنْهُمْ أَبُو بَكْرٍ وَالزُّبَيْرُ بْنُ الْعَوَّامِ وَحَكِيمُ بْنُ حِزَامٍ وَعَمْرُو بْنُ الْعَاصِ وَغَيْرُهُمْ، وَقَدْ بِيعَ بَعْضُهَا، وَتُصُدِّقَ بِبَعْضِهَا، وَلَمْ يَكُونُوا يَفْعَلُونَ ذَلِكَ إلَّا فِي أَمْلَاكِهِمْ، وَهُمْ أَعْلَمُ بِاَللَّهِ وَرَسُولِهِ مِمَّنْ بَعْدَهُمْ اهـ.

(وَأَمَّا) عَنْ قَوْله تَعَالَى {وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ} [الحج: ٢٥] الْآيَةَ فَهُوَ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْمَسْجِدِ الْمَسْجِدُ الَّذِي يَكُونُ فِيهِ النُّسُكُ وَالصَّلَاةُ لَا سَائِرُ دُورِ مَكَّةَ قَالَ ابْنُ خُزَيْمَةَ إذْ لَوْ كَانَ الْمَسْجِدُ الْحَرَامُ وَاقِعًا عَلَى جَمِيعِ الْحَرَمِ لَمَا جَازَ حَفْرُ بِئْرٍ وَلَا قَبْرٍ، وَلَا التَّغَوُّطُ، وَلَا الْبَوْلُ، وَلَا إلْقَاءُ الْجِيَفِ وَالنَّتْنِ، وَلَا دُخُولُ الْجُنُبِ وَالْحَائِضِ الْحَرَمَ، وَالْجِمَاعُ فِيهِ، وَلَا نَعْلَمُ عَالِمًا مَنَعَ مِنْ ذَلِكَ، وَلَا كَرِهَ لِجُنُبٍ وَحَائِضٍ دُخُولَ الْحَرَمِ وَلَا الْجِمَاعَ فِيهِ، وَلَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَجَازَ الِاعْتِكَافُ فِي دُورِ مَكَّةَ، وَحَوَانِيتِهَا، وَلَا يَقُولُ بِذَلِكَ أَحَدٌ كَمَا فِي الْقَسْطَلَّانِيِّ

(وَأَمَّا) عَنْ حَدِيثِ عَلْقَمَةَ بْنِ فَضْلَةَ الْكِنَانِيِّ الَّذِي أَخْرَجَهُ الطَّحَاوِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ فَهُوَ أَنَّهُ مُنْقَطِعٌ لِأَنَّ عَلْقَمَةَ لَيْسَ بِصَحَابِيٍّ، وَالْمُنْقَطِعُ لَا تَقُومُ بِهِ حُجَّةٌ كَمَا قَامَتْ بِحَدِيثِ أُسَامَةَ الْمُسْنَدِ الصَّحِيحِ

(وَأَمَّا) عَنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ فَهُوَ أَنَّهُ مَوْقُوفٌ عَلَى ابْنِ عُمَرَ، وَالْمَوْقُوفُ لَا يُقَاوِمُ حَدِيثَ أُسَامَةَ الْمَرْفُوعَ

(وَأَمَّا) عَمَّا رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ مُجَاهِدٍ وَالطَّحَاوِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - فَهُوَ أَنَّ الْمُرَادَ مِنْهُمَا كَرَاهَةُ الْكِرَاءِ رِفْقًا بِالْوُفُودِ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ مَنْعُ الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ وَالْإِجَارَةِ فِيهَا أَلَا تَرَى أَنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - اشْتَرَى مِنْ صَفْوَانَ بْنِ أُمَيَّةَ دَارِهِ بِأَرْبَعَةِ آلَافِ دِرْهَمٍ كَمَا تَقَدَّمَ فَلَوْ كَانَ بَيْعُ دُورِ مَكَّةَ حَرَامًا لَمَا اشْتَرَاهَا مِنْهُ فَدَلَّ شِرَاؤُهُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَلَى الْجَوَازِ اهـ.

كَلَامُ الشَّيْخِ مُحَمَّدٍ الْبُنَانِيِّ الْمَكِّيِّ فِي تُحْفَةِ الْمُرِيدِ بِتَصَرُّفٍ وَزِيَادَةٍ مَا

(تَنْبِيهٌ) فِي الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ أَكْرَهُ الْبُنْيَانَ الَّذِي أَحْدَثَهُ النَّاسُ بِمِنًى قَالَ سَنَدٌ، وَجُمْلَةُ ذَلِكَ أَنَّ مِنًى لَا مِلْكَ لِأَحَدٍ فِيهَا، وَلَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَحْجُرَ فِيهَا مَوْضِعًا يَحُوزُهُ لَهُ إلَّا أَنْ يُنَزِّلَ مِنْهَا مَنْزِلًا فَيَخْتَصَّ بِهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>