مُطْلَقَ الْمِلْكِ فَإِنَّ لَفْظَ لَهُ لَيْسَ مِنْ صِيَغِ الْعُمُومِ بَلْ ذَلِكَ عَلَى أَصْلِ ثُبُوتِ الْمِلْكِ، وَنَحْنُ حِينَئِذٍ نَقُولُ بِمُوجِبِهِ فَإِنَّا نُثْبِتُ مُطْلَقَ الْمِلْكِ مِنْ الْإِحْيَاءِ.
وَإِنَّمَا يَحْصُلُ مَقْصُودًا أَنْ لَوْ اقْتَضَى الْحَدِيثُ الْمِلْكَ بِوَصْفِ الْعُمُومِ عَلَى وَجْهِ الدَّوَامِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ، وَعَنْ الثَّانِي الْفَرْقُ بِأَنَّ الْإِحْيَاءَ سَبَبٌ فِعْلِيٌّ تُمْلَكُ بِهِ الْمُبَاحَاتُ مِنْ الْأَرْضِ، وَأَسْبَابُ تِلْكَ الْمُبَاحَاتِ الْفِعْلِيَّةِ ضَعِيفَةٌ لِوُرُودِهَا عَلَى غَيْرِ مِلْكٍ سَابِقٍ بِخِلَافِ أَسْبَابِ الْمِلْكِ الْقَوْلِيَّةِ لَا يَبْطُلُ الْمِلْكُ بِبُطْلَانِ أَصْوَاتِهَا وَانْقِطَاعِهَا لِأَنَّهَا تَرِدُ عَلَى مَمْلُوكٍ غَالِبًا فَلِتَأَصُّلِ الْمِلْكِ قَبْلَهَا قَوِيَتْ إفَادَتُهَا لِلْمِلْكِ لِاجْتِمَاعِ إفَادَتِهَا مَعَ إفَادَةِ مَا قَبْلَهَا، وَكَذَلِكَ إذَا وَرَدَ الْبَيْعُ عَلَى الْإِحْيَاءِ لَمْ يُنْتَقَضْ الْمِلْكُ بَعْدَ ذَلِكَ لِتَظَاهُرِ الْأَسْبَابِ فَلِهَذَا الْمَعْنَى قُلْنَا إذَا تَمَلَّكَ الصَّيْدَ بِالِاصْطِيَادِ ثُمَّ تَوَحَّشَ بَطَلَ الْمِلْكُ فِيهِ، وَالسَّمَكُ إذَا انْفَلَتَ فِي النَّهْرِ يَبْطُلُ مِلْكُهُ، وَالْمَاءُ إذَا حِيرَ ثُمَّ اخْتَلَطَ بِالنَّهْرِ أَوْ الطَّيْرُ أَوْ النَّحْلُ أَبْيَنُ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ إذَا انْفَلَتَ وَتَوَحَّشَ بَطَلَ الْمِلْكُ فِيهِ نَظَرًا لِهَذِهِ الْعِلَّةِ فَإِنْ قُلْت الْإِقْطَاعُ سَبَبٌ قَوْلِيٌّ وَارِدٌ عَلَى مَمْلُوكٍ لِلْمُسْلِمِينَ، وَمَعَ ذَلِكَ لَا يُمْلَكُ بَيْعُهُ قُلْت هَذَا سُؤَالُ عَكْسٍ لِأَنَّا ادَّعَيْنَا قُصُورَ الْإِحْيَاءِ، وَأَنْتُمْ أَبْدَيْتُمْ حُكْمَ الْقُصُورِ بِدُونِ الْإِحْيَاءِ، وَإِبْدَاءُ الْحُكْمِ بِدُونِ سَبَبٍ أَوْ عِلَّةٍ عَكْسٌ، وَهُوَ عَكْسُ النَّقِيضِ، وَهُوَ إبْدَاءُ الْعِلَّةِ بِدُونِ حُكْمِهَا
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
مُطْلَقَ الْمِلْكِ إلَى آخِرِ قَوْلِهِ بِوَصْفِ الْعُمُومِ عَلَى وَجْهِ الدَّوَامِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ)
قُلْت مَا قَالَهُ مِنْ أَنَّ الْحَدِيثَ لَا يَقْتَضِي الْمِلْكَ بِوَصْفِ الدَّوَامِ صَحِيحٌ، وَلَكِنْ هُنَا قَاعِدَةٌ شَرْعِيَّةٌ، وَهِيَ أَنَّ الْمِلْكَ يَدُومُ بَعْدَ ثُبُوتِ سَبَبِهِ إلَّا أَنْ يَلْزَمَهُ مَا يُنَاقِضُهُ قَالَ (وَعَنْ الثَّانِي الْفَرْقُ بِأَنَّ الْإِحْيَاءَ سَبَبٌ فِعْلِيٌّ تُمْلَكُ بِهِ الْمُبَاحَاتُ مِنْ الْأَرْضِ، وَأَسْبَابُ تَمَلُّكِ الْمُبَاحَاتِ الْفِعْلِيَّةِ ضَعِيفَةٌ لِوُرُودِهَا عَلَى غَيْرِ مِلْكٍ سَابِقٍ)
قُلْت مَا قَالَهُ دَعْوَى يُقَابَلُ بِمِثْلِهَا بِأَنْ يُقَالَ بِأَنَّ الْأَسْبَابَ الْقَوْلِيَّةَ هِيَ الضَّعِيفَةُ لِوُرُودِهَا عَلَى مِلْكٍ سَابِقٍ فَيُعَارَضُ الْمِلْكَانِ السَّابِقُ وَاللَّاحِقُ وَأَمَّا الْمَمْلُوكُ بِالْإِحْيَاءِ فَلَمْ يَسْبِقْهُ مَا يُعَارِضُهُ فَهُوَ أَقْوَى قَالَ (بِخِلَافِ أَسْبَابِ الْمِلْكِ الْقَوْلِيَّةِ لَا يَبْطُلُ الْمِلْكُ بِبُطْلَانِ أَصْوَاتِهَا وَانْقِطَاعِهَا لِأَنَّهَا تَرِدُ عَلَى مَمْلُوكٍ غَالِبًا إلَى مُنْتَهَى قَوْلِهِ نَظَرًا لِهَذِهِ الْعِلَّةِ) قُلْت كُلُّ ذَلِكَ دَعْوَى، وَهُوَ عَيْنُ الْمَذْهَبِ أَوْ مُرَتَّبَةً عَلَيْهِ، وَقَدْ سَبَقَ جَوَابُهُ.
قَالَ (فَإِنْ قُلْتَ الْإِقْطَاعُ سَبَبٌ قَوْلِيٌّ وَارِدٌ عَلَى مَمْلُوكٍ لِلْمُسْلِمِينَ، وَمَعَ ذَلِكَ لَا يُمْلَكُ بَيْعُهُ) قَالَ (قُلْت هَذَا سُؤَالُ عَكْسٍ إلَى قَوْلِهِ وَهُوَ إبْدَاءُ الْعِلَّةِ بِدُونِ حُكْمِهَا) قُلْت إذَا كَانَ سُؤَالَ عَكْسٍ فَلِمَ لَا يَكُونُ وَارِدًا وَقَادِحًا
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
السَّابِعُ) أَنْ تَحْصُلَ لِلْمُسْتَأْجِرِ احْتِرَازًا مِنْ الْعِبَادَاتِ كَالصَّوْمِ وَنَحْوِهِ أَيْ مِمَّا لَا يَقْبَلُ النِّيَابَةَ سَوَاءٌ كَانَ وَاجِبًا عَيْنًا كَصَلَاةِ الْفَرْضِ أَوْ كِفَائِيًّا كَصَلَاةِ الْجِنَازَةِ أَوْ كَانَ سُنَّةً كَصَلَاةِ الْوِتْرِ أَوْ رَغِيبَةً كَرَكْعَتَيْ الْفَجْرِ أَوْ نَفْلًا كَأَرْبَعٍ قَبْلَ الظُّهْرِ، وَبَعْدَهُ.
وَقَبْلَ الْعَصْرِ قَالَ الْبُنَانِيُّ وَأَمَّا الصَّلَاةُ وَالصَّوْمُ مِنْ سَائِرِ الْمَنْدُوبَاتِ كَقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ وَسَائِرِ الْأَذْكَارِ فَتَجُوزُ الْإِجَارَةُ عَلَيْهَا قَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ فِي شَرْحِ ابْنِ الْحَاجِبِ بَعْدَ ذِكْرِ قَوْلِ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ تَعَيُّنِ الْعِبَادَةِ وُجُوبُهَا لِأَنَّ أَكْثَرَ مَنْدُوبَاتِ الصَّلَاةِ أَيْ وَالصَّوْمِ مُتَعَيِّنَةٌ كَصَلَاةِ الْفَجْرِ وَالْوِتْرِ وَصِيَامِ عَاشُورَاءَ وَعَرَفَةَ فَهَذِهِ يُمْنَعُ الِاسْتِئْجَارُ عَلَيْهَا، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ وَاجِبَةً عَلَى الْمُكَلَّفِ، وَمَعْنَى تَعَيُّنِهَا عَلَى الْمُكَلَّفِ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ وُقُوعُهَا مِنْ غَيْرِ مَنْ خُوطِبَ بِهَا فَلَوْ أُجِيزَ الِاسْتِئْجَارُ عَلَيْهَا لَأَدَّى ذَلِكَ إلَى أَكْلِ الْمَالِ بِالْبَاطِلِ اهـ.
قَالُوا هَذَا حُكْمُ الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ الْوَاجِبِ مِنْ ذَلِكَ وَالْمَنْدُوبِ، وَأَمَّا قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ فَالْإِجَارَةُ عَلَيْهَا مَبْنِيَّةٌ عَلَى وُصُولِ ثَوَابِ الْقِرَاءَةِ لِلْمَيِّتِ ثُمَّ اسْتَدَلَّ عَلَى أَنَّ الرَّاجِحَ وُصُولُ ذَلِكَ لَهُ بِكَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ، وَغَيْرِهِ اُنْظُرْ مُصْطَفَى الرَّمَاصِيَّ اهـ.
كَلَامُ الْبُنَانِيِّ قَالَ وَقَدْ نَصَّ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ، وَغَيْرُهُ عَلَى مَنْعِ الِاسْتِئْجَارِ عَلَى صَلَاةِ الْجِنَازَةِ قَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ فَإِنْ قُلْت صَلَاةُ الْجِنَازَةِ عِبَادَةٌ لَا يَتَعَيَّنُ فِعْلُهَا عَلَى أَحَدٍ، وَلَا يَجُوزُ الِاسْتِئْجَارُ عَلَيْهَا قُلْت لَمَّا كَانَتْ عِبَادَةً مِنْ جِنْسِ الصَّلَاةِ الْمُتَمَيِّزَةِ بِصُورَتِهَا لِلْعِبَادَةِ وَالصَّلَاةِ لَا تُفْعَلُ لِغَيْرِ الْعِبَادَةِ مُنِعَ الِاسْتِئْجَارُ عَلَيْهَا.
وَأَمَّا الْغُسْلُ فَيَكُونُ لِلْعِبَادَةِ وَالنَّظَافَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَكَذَا الْحَمْلُ لِلْمَيِّتِ شَارَكَهُ فِي الصُّورَةِ أَشْيَاءُ كَثِيرَةٌ فَلَمْ يَتَمَحَّضْ بِصُورَتِهِ لِلْعِبَادَةِ فِي جَمِيعِ أَنْوَاعِهِ بِخِلَافِ صَلَاةِ الْجِنَازَةِ فَأُلْحِقَتْ بِمَا أَشْبَهَتْهُ اهـ.
اُنْظُرْ مُصْطَفَى الرَّمَاصِيَّ. اهـ.
قَالَ الْعَدَوِيُّ عَلَى الْخَرَشِيِّ، وَكَذَلِكَ الْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ، وَالنَّهْيُ عَنْ الْمُنْكَرِ لَا يُمْكِنُ الِاسْتِئْجَارُ فِيهِ كَمَا أَفَادَهُ فِي حَاشِيَةِ اللَّقَانِيِّ اهـ.
أَيْ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا لَمَّا لَمْ يُفْعَلْ لِغَيْرِ الْعِبَادَةِ مُنِعَ الِاسْتِئْجَارُ عَلَيْهِ، وَفِي بِدَايَةِ الْحَفِيدِ وَاتَّفَقُوا عَلَى إبْطَالِ كُلِّ مَنْفَعَةٍ كَانَتْ فَرْضَ عَيْنٍ عَلَى الْإِنْسَانِ بِالشَّرْعِ مِثْلُ الصَّلَاةِ، وَغَيْرِهَا، وَاخْتَلَفُوا فِي إجَارَةِ الْمُؤَذِّنِ عَلَى الْأَذَانِ فَقَوْمٌ لَمْ يَرَوْا فِيهِ بَأْسًا، وَقَوْمٌ كَرِهُوا ذَلِكَ مُحْتَجِّينَ بِمَا رُوِيَ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي الْعَاصِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «اتَّخِذُوا مُؤَذِّنًا لَا يَتَّخِذُ عَلَى أَذَانِهِ أَجْرًا» وَالْمُبِيحُونَ قَاسُوهُ عَلَى الْأَفْعَالِ غَيْرِ الْوَاجِبَةِ، وَهَذَا هُوَ سَبَبُ الِاخْتِلَافِ فِي أَنَّهُ هَلْ هُوَ وَاجِبٌ أَمْ لَيْسَ بِوَاجِبٍ، وَاخْتَلَفُوا أَيْضًا فِي الِاسْتِئْجَارِ عَلَى تَعْلِيمِ الْقُرْآنِ فَأَجَازَهُ قَوْمٌ مُحْتَجِّينَ بِمَا رُوِيَ عَنْ «خَارِجَةَ بْنِ الصَّامِتِ عَنْ عَمِّهِ قَالَ أَقْبَلْنَا مِنْ عِنْدِ رَسُولِ اللَّهِ