للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَإِنْ قُلْت فَإِذَا أَحْيَا فِي الْإِقْطَاعِ لِمَ لَا يَبْطُلُ مِلْكُهُ بِبُطْلَانِ إحْيَائِهِ قُلْت ذَلِكَ لِسَبَبٍ غَيْرِ الْإِحْيَاءِ، وَهُوَ أَنَّ الْإِقْطَاعَ حُكْمٌ مِنْ أَحْكَامِ الْأَئِمَّةِ لَا يُنْقَضُ، وَتُصَانُ أَحْكَامُ الْأَئِمَّةِ عَنْ النَّقْضِ، وَعَنْ الثَّالِثِ أَنَّ تَمَلُّكَ الْمُلْتَقَطِ وَرَدَ عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِيهِ الْمِلْكُ، وَتَقَرَّرَ فَكَانَ تَأْثِيرُ السَّبَبِ فِيهِ أَقْوَى لِمَا تَقَدَّمَ، وَيُؤَكِّدُهُ أَنَّ الْأَسْبَابَ الْقَوْلِيَّةَ وَنَحْوَهَا تَرْفَعُ مِلْكَ الْغَيْرِ كَالْبَيْعِ وَنَحْوِهِ فَهِيَ فِي غَايَةِ الْقُوَّةِ، وَأَمَّا الْفِعْلُ بِمُجَرَّدِهِ فَلَيْسَ لَهُ قُوَّةُ رَفْعِ مِلْكِ الْغَيْرِ بَلْ يَبْطُلُ ذَلِكَ الْفِعْلُ كَمَنْ بَنَى فِي مِلْكِ غَيْرِهِ فَلِذَلِكَ ذَهَبَ أَثَرُهُ بِذَهَابِهِ.

وَهَذَا فِقْهٌ حَسَنٌ عَلَى الْقَوَاعِدِ فَلْيُتَأَمَّلْ، وَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي بَادِئِ الرَّأْيِ أَقْوَى وَأَظْهَرُ، وَبِهَذِهِ الْمَبَاحِثِ ظَهَرَ الْفَرْقُ بَيْنَ الْقَاعِدَتَيْنِ مِنْ جِهَةِ الْقُوَّةِ وَالضَّعْفِ كَمَا تَقَدَّمَ بَسْطُهُ وَتَقْرِيرُهُ.

(الْفَرْقُ الرَّابِعَ عَشَرَ وَالْمِائَتَانِ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْكَذِبِ وَقَاعِدَةِ الْوَعْدِ وَمَا يَجِبُ الْوَفَاءُ بِهِ مِنْهُ وَمَا لَا يَجِبُ)

قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ} [الصف: ٢] {كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ} [الصف: ٣] وَالْوَعْدُ إذَا أُخْلِفَ قَوْلٌ لَمْ يُفْعَلْ فَيَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ كَذِبًا مُحَرَّمًا، وَأَنْ يَحْرُمَ إخْلَافُ الْوَعْدِ مُطْلَقًا.

وَقَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مِنْ «عَلَامَةِ الْمُنَافِقِ ثَلَاثٌ إذَا اُؤْتُمِنَ خَانَ وَإِذَا حَدَّثَ كَذَبَ وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ» فَذِكْرُهُ فِي سِيَاقِ الذَّمِّ دَلِيلٌ عَلَى التَّحْرِيمِ، وَيُرْوَى عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ، وَعْدُ الْمُؤْمِنِ وَاجِبٌ أَيْ وَعْدُهُ وَاجِبُ الْوَفَاءِ بِهِ

ــ

[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]

قَالَ (فَإِنْ قُلْت فَإِذَا أَحْيَا فِي الْإِقْطَاعِ لِمَ لَا يَبْطُلُ مِلْكُهُ بِبُطْلَانِ إحْيَائِهِ قُلْت ذَلِكَ لِسَبَبٍ غَيْرِ الْإِحْيَاءِ إلَى آخِرِ جَوَابِهِ) قُلْت جَوَابُهُ هُنَا صَحِيحٌ قَالَ (وَعَنْ الثَّالِثِ أَنَّ تَمَلُّكَ الْمُلْتَقِطِ وَرَدَ عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِيهِ الْمِلْكُ) إلَى آخِرِ قَوْلِهِ، وَهَذَا فِقْهٌ حَسَنٌ عَلَى الْقَوَاعِدِ فَلْيُتَأَمَّلْ قُلْت جَوَابُهُ هُنَا مَبْنِيٌّ عَلَى دَعْوَاهُ قُوَّةَ الْأَسْبَابِ الْقَوْلِيَّةِ فَجَوَابُهُ مَا سَبَقَ قَالَ (وَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي بَادِئِ الرَّأْيِ أَقْوَى وَأَظْهَرُ إلَى آخِرِ قَوْلِهِ فِي هَذَا الْفَرْقِ) قُلْت قَدْ تَبَيَّنَ أَنَّ مَذْهَبَ الشَّافِعِيِّ أَقْوَى عَلَى الْإِطْلَاقِ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ قَالَ.

(الْفَرْقُ الرَّابِعَ عَشَرَ وَالْمِائَتَانِ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْكَذِبِ وَقَاعِدَةِ الْوَعْدِ، وَمَا يَجِبُ الْوَفَاءُ بِهِ مِنْهُ، وَمَا لَا يَجِبُ إلَى آخِرِ قَوْلِهِ، وَرُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «وَأْيُ الْمُؤْمِنِ وَاجِبٌ أَيْ وَعْدُهُ» وَاجِبُ الْوَفَاءِ بِهِ) قُلْت مَا قَالَهُ صَحِيحٌ، وَلَا كَلَامَ فِيهِ

ــ

[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]

- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَتَيْنَا عَلَى حَيٍّ مِنْ أَحْيَاءِ الْعَرَبِ فَقَالُوا إنَّكُمْ جِئْتُمْ مِنْ عِنْدِ هَذَا الْحَبْرِ فَهَلْ عِنْدَكُمْ دَوَاءٌ أَوْ رُقْيَةٌ فَإِنَّ عِنْدَنَا مَعْتُوهًا فِي الْقُيُودِ فَقُلْنَا لَهُمْ نَعَمْ فَجَاءُوا بِهِ فَجَعَلْت أَقْرَأُ عَلَيْهِ فَاتِحَةَ الْكِتَابِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ غُدْوَةً وَعَشِيَّةً أَجْمَعُ بُزَاقِي ثُمَّ أَتْفُلُ عَلَيْهِ فَكَأَنَّمَا نَشِطَ مِنْ عِقَالٍ فَأَعْطَوْنِي جُعَلًا فَقُلْت: لَا حَتَّى أَسْأَلَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَسَأَلْته فَقَالَ كُلْ لَعَمْرِي مَنْ أَكَلَ بِرُقْيَةِ بَاطِلٍ فَلَقَدْ أَكَلْت بِرُقْيَةِ حَقٍّ» ، وَبِمَا رُوِيَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ «أَنَّ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانُوا فِي غَزَاةٍ فَمَرُّوا بِحَيٍّ مِنْ أَحْيَاءِ الْعَرَبِ فَقَالُوا هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ رَاقٍ فَإِنَّ سَيِّدَ الْحَيِّ قَدْ لُدِغَ أَوْ قَدْ عَرَضَ لَهُ قَالَ فَرَقَى رَجُلٌ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ فَبَرِئَ فَأُعْطِيَ قَطِيعًا مِنْ الْغَنَمِ فَأَبَى أَنْ يَقْبَلَهَا فَسَأَلَ عَنْ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ بِمَ رَقَيْته قَالَ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ قَالَ وَمَا يُدْرِيك أَنَّهَا رُقْيَةٌ قَالَ ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خُذُوهَا وَاضْرِبُوا لِي مَعَكُمْ فِيهَا بِسَهْمٍ» . وَكَرِهُوهُ أَيْ حَرَّمَهُ قَوْمٌ آخَرُونَ قَائِلِينَ هُوَ مِنْ بَابِ الْجُعْلِ عَلَى تَعْلِيمِ الصَّلَاةِ قَالُوا وَلَمْ يَكُنْ الْجُعْلُ الْمَذْكُورُ فِي الْإِجَارَةِ عَلَى تَعْلِيمِ الْقُرْآنِ، وَإِنَّمَا كَانَ عَلَى الرَّقْيِ وَالِاسْتِئْجَارِ، وَالرَّقْيُ عِنْدَنَا جَائِزٌ سَوَاءٌ كَانَ بِالْقُرْآنِ أَوْ غَيْرِهِ لِأَنَّهُ كَالْعِلَاجَاتِ، وَلَيْسَ وَاجِبًا عَلَى النَّاسِ، وَأَمَّا تَعْلِيمُ الْقُرْآنِ فَهُوَ وَاجِبٌ عَلَى النَّاسِ اهـ بِتَصَرُّفٍ فَافْهَمْ.

(الشَّرْط الثَّامِنُ) كَوْنُهَا مَعْلُومَةَ احْتِرَازًا مِنْ الْمَجْهُولَاتِ مِنْ الْمَنَافِعِ كَمَنْ اسْتَأْجَرَ آلَةً لَا يَدْرِي مَا يَعْمَلُ بِهَا أَوْ دَارًا لِمُدَّةٍ غَيْرِ مَعْلُومَةٍ، وَذَلِكَ أَنَّ شَرْطَ الْإِجَارَةِ الَّتِي هِيَ عَقْدٌ مِنْ الْعُقُودِ أَنْ تَكُونَ صَادِرَةً مِنْ عَاقِدٍ كَالْعَاقِدِ الصَّادِرِ مِنْهُ الْبَيْعُ، وَأَنْ تَكُونَ بِأَجْرٍ كَالْأَجْرِ الَّذِي مُرَادٌ بِهِ الْعِوَضُ الَّذِي هُوَ الثَّمَنُ، وَأَمَّا الْمُثَمَّنُ، وَهُوَ الْمَنَافِعُ فَلَمَّا كَانَ مِنْ شَأْنِهَا أَنْ تَكُونَ وَقْتَ الْعَقْدِ مَعْدُومَةً كَانَ فِي الْعَقْدِ عَلَيْهَا غَرَرٌ وَبَيْعٌ لِمَا لَمْ يُخْلَقْ حَتَّى حُكِيَ عَنْ الْأَصَمِّ وَابْنِ عُلَيَّةَ مَنْعُ الْإِجَارَةِ لِذَلِكَ إلَّا أَنَّ جَمِيعَ فُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ وَالصَّدْرِ الْأَوَّلِ قَالُوا بِجَوَازِهَا نَظَرًا إلَى أَنَّهَا، وَإِنْ كَانَتْ مَعْدُومَةً لَكِنَّهَا مُسْتَوْفَاةٌ فِي الْغَالِبِ، وَالشَّرْعُ إنَّمَا لَحَظَ مِنْ هَذِهِ الْمَنَافِعِ مَا يُسْتَوْفَى فِي الْغَالِبِ أَوْ يَكُونُ اسْتِيفَاؤُهُ، وَعَدَمُ اسْتِيفَائِهِ عَلَى السَّوَاءِ، وَلَا يَتَحَقَّقُ مَا يُسْتَوْفَى إلَّا بِتَعَيُّنِهِ، وَاسْتَدَلُّوا عَلَى جَوَازِهَا مِنْ الْكِتَابِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} [الطلاق: ٦] وقَوْله تَعَالَى {إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ} [القصص: ٢٧] الْآيَةَ، وَمِنْ السُّنَّةِ الثَّابِتَةِ مَا خَرَّجَهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ «اسْتَأْجَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَبُو بَكْرٍ رَجُلًا مِنْ بَنِي الدِّيلِ هَادِيًا خِرِّيتًا، وَهُوَ عَلَى دِينِ كُفَّارِ قُرَيْشٍ فَدَفَعَا إلَيْهِ رَاحِلَتَيْهِمَا، وَوَعَدَاهُ غَارَ ثَوْرٍ بَعْدَ ثَلَاثِ لَيَالٍ بِرَاحِلَتَيْهِمَا» ، وَحَدِيثُ «جَابِرٍ أَنَّهُ بَاعَ مِنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعِيرًا، وَشَرَطَ ظَهْرَهُ إلَى الْمَدِينَةِ» ، وَمَا جَازَ اسْتِيفَاؤُهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>