للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَفِي الْمُوَطَّإِ «قَالَ رَجُلٌ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَكْذِبُ لِامْرَأَتِي فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا خَيْرَ فِي الْكَذِبِ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَفَأَعِدُهَا، وَأَقُولُ لَهَا فَقَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَا جُنَاحَ عَلَيْك» فَمَنَعَهُ مِنْ الْكَذِبِ الْمُتَعَلِّقِ بِالْمُسْتَقْبَلِ فَإِنَّ رِضَى النِّسَاءِ إنَّمَا يَحْصُلُ بِهِ، وَنَفَى الْجُنَاحَ عَلَى الْوَعْدِ، وَهُوَ يَدُلُّ عَلَى أَمْرَيْنِ: (أَحَدُهُمَا) أَنَّ إخْلَافَ الْوَعْدِ لَا يُسَمَّى كَذِبًا لِجَعْلِهِ قَسِيمَ الْكَذِبِ

(وَثَانِيهَا) أَنَّ إخْلَافَ الْوَعْدِ لَا حَرَجَ فِيهِ

ــ

[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]

قَالَ (وَفِي الْمُوَطَّإِ «قَالَ رَجُلٌ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَكْذِبُ لِامْرَأَتِي فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا خَيْرَ فِي الْكَذِبِ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَعِدُهَا وَأَقُولُ لَهَا فَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَا جُنَاحَ عَلَيْك» فَمَنَعَهُ مِنْ الْكَذِبِ الْمُتَعَلِّقِ بِالْمُسْتَقْبَلِ فَإِنَّ رِضَى النِّسَاءِ إنَّمَا يَحْصُلُ بِهِ) قُلْت مَا قَالَهُ مِنْ أَنَّهُ مَنَعَهُ مِنْ الْكَذِبِ الْمُتَعَلِّقِ بِالْمُسْتَقْبَلِ غَيْرُ مُسَلَّمٍ، وَهِيَ دَعْوَى لَمْ يَأْتِ عَلَيْهَا بِحُجَّةٍ، وَلَعَلَّهُ أَرَادَ بِالْكَذِبِ لَهَا أَنْ يُخْبِرَهَا عَنْ فِعْلِهِ مَعَ غَيْرِهَا مِنْ النِّسَاءِ بِمَا لَمْ يَفْعَلْهُ أَوْ مِنْ غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يَكُونُ فِيهِ تَغْيِيظُهَا بِزَوْجَتِهِ فَلَمْ يَتَعَيَّنْ أَنَّ الْمُرَادَ مَا ذَكَرَهُ كَيْفَ وَأَنَّ مَا ذَكَرَهُ هُوَ عَيْنُ الْوَعْدِ فَإِنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ مَا يُخْبِرُهَا عَنْ وُقُوعِهِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ مُتَعَلِّقًا بِهَا، وَإِلَّا فَلَا حَاجَةَ لَهَا هِيَ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِغَيْرِهَا.

وَمَا مَعْنَى الْحَدِيثِ عِنْدِي إلَّا أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَنَعَهُ مِنْ أَنْ يُخْبِرَهَا بِخَبَرٍ كَذِبٍ يَقْتَضِي تَغْيِيظَهَا بِهِ، وَسَوَّغَ لَهُ الْوَعْدَ لِأَنَّهُ لَا يَتَعَيَّنُ فِيهِ الْإِخْلَافُ لِاحْتِمَالِ الْوَفَاءِ بِهِ سَوَاءٌ كَانَ عَازِمًا عِنْدَ الْوَعْدِ عَلَى الْوَفَاءِ أَوْ عَلَى الْإِخْلَافِ أَوْ مُضْرِبًا عَنْهُمَا، وَيَتَخَرَّجُ ذَلِكَ فِي قِسْمِ الْعَزْمِ عَلَى الْإِخْلَافِ عَلَى الرَّأْيِ الصَّحِيحِ الْمَنْصُورِ عِنْدِي مِنْ أَنَّ الْعَزْمَ عَلَى الْمَعْصِيَةِ لَا مُؤَاخَذَةَ بِهِ إذْ مُعْظَمُ دَلَائِلِ الشَّرِيعَةِ يَقْتَضِي الْمَنْعَ مِنْ الْإِخْلَافِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

قَالَ (وَنَفْيُ الْجُنَاحِ عَنْ الْوَعْدِ، وَهُوَ يَدُلُّ عَلَى أَمْرَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّ إخْلَافَ الْوَعْدِ لَا يُسَمَّى كَذِبًا لِجَعْلِهِ قَسِيمَ الْكَذِبِ) قُلْت قَدْ تَبَيَّنَ أَنَّهُ لَمْ يَجْعَلْهُ قَسِيمَ الْكَذِبِ مِنْ حَيْثُ هُوَ كَذِبٌ، وَإِنَّمَا جَعَلَهُ قَسِيمَ الْخَبَرِ عَنْ غَيْرِ الْمُسْتَقْبَلِ الَّذِي هُوَ كَذِبٌ فَكَانَ قَسِيمُهُ مِنْ جِهَةِ كَوْنِهِ مُسْتَقْبَلًا، وَذَلِكَ غَيْرُ مُسْتَقْبَلٍ أَوْ مِنْ جِهَةِ كَوْنِهِ قَدْ تَعَيَّنَ أَنَّهُ كَذِبٌ، وَالْوَعْدُ لَا يَتَعَيَّنُ كَوْنُهُ كَذِبًا.

قَالَ (وَثَانِيهِمَا أَنَّ إخْلَافَ الْوَعْدِ لَا حَرَجَ فِيهِ) قُلْت بَلْ فِيهِ الْحَرَجُ بِمُقْتَضَى ظَوَاهِرِ الشَّرْعِ إلَّا حَيْثُ يَتَعَذَّرُ الْوَفَاءُ

ــ

[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]

بِالشَّرْطِ جَازَ اسْتِيفَاؤُهُ بِالْأَجْرِ كَمَا فِي بِدَايَةِ الْحَفِيدِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

(تَنْبِيهٌ) مَا تَقَدَّمَ عَنْ الْأَصْلِ مِنْ أَنَّ الْأَصْحَابَ عَدُّوا الْمَسَائِلَ الَّتِي تَجُوزُ فِيهَا الشَّهَادَةُ بِالسَّمَاعِ خَمْسًا وَعِشْرِينَ هُوَ بِحَسَبِ مَا عِنْدَهُ وَحَضَرَهُ، وَإِلَّا فَهِيَ تَزِيدُ عَلَى ذَلِكَ وَفِي حَاشِيَةِ الصَّاوِيِّ عَلَى شَرْحِ أَقْرَبِ الْمَسَالِكِ أَنْهَى بَعْضُهُمْ مَسَائِلَ مَا تَجُوزُ فِيهِ شَهَادَةُ السَّمَاعِ لِاثْنَتَيْنِ وَثَلَاثِينَ مَسْأَلَةً، وَقَدْ جُمِعَتْ فِي أَبْيَاتٍ، وَنَصُّهَا:

أَيَا سَائِلِي عَمَّا يَنْفُذُ حُكْمُهُ ... وَيَثْبُتُ سَمْعًا دُونَ عِلْمٍ بِأَصْلِهِ

فَفِي الْعَزْلِ وَالتَّجْرِيحِ وَالْكُفْرِ بَعْدَهُ ... وَفِي سَفَهٍ أَوْ ضِدِّ ذَلِكَ كُلِّهِ

وَفِي الْبَيْعِ وَالْأَحْبَاسِ وَالصَّدَقَاتِ ... وَالرَّضَاعِ وَخُلْعِ النِّكَاحِ وَحَلِّهِ

وَفِي قِسْمَةٍ أَوْ نِسْبَةٍ وَوِلَايَةٍ ... وَمَوْتٍ وَحَمْلٍ وَالْمُضِرِّ بِأَهْلِهِ

وَمِنْهَا الْهِبَاتُ وَالْوَصِيَّةُ فَاعْلَمَنْ ... وَمِلْكٌ قَدِيمٌ قَدْ يُضَنُّ بِمِثْلِهِ

وَمِنْهَا وِلَادَاتٌ وَمِنْهَا حِرَابَةٌ ... وَمِنْهَا الْإِبَاقُ فَلْيُضَمَّ لِشَكْلِهِ

وَقَدْ زِيدَ فِيهَا الْأَسْرُ وَالْفَقْدُ وَالْمَلَا ... وَلَوْثٌ وَعِتْقٌ فَاظْفَرْنَ بِنَقْلِهِ

فَصَارَتْ لَدَيَّ عَدُّ ثَلَاثِينَ اُتُّبِعَتْ ... بِسَنَتَيْنِ فَاطْلُبْ نَصَّهَا فِي مَحَلِّهِ

اهـ.

وَفِي شَرْحِ التَّاوَدِيِّ عَلَى نَظْمِ ابْنِ عَاصِمٍ جُمْلَةُ مَا ذَكَرَهُ النَّاظِمُ مِنْ مَسَائِلِ مَا تَجُوزُ فِيهِ شَهَادَةُ السَّمَاعِ تِسْعَةَ عَشَرَ، وَعَدَّهَا ابْنُ الْعَرَبِيِّ إحْدَى وَعِشْرِينَ فَقَالَ أَيَا سَائِلِي إلَى آخِرِ الْبَيْتِ الرَّابِعِ، وَزَادَ وَلَدُهُ سِتَّةً فَقَالَ مِنْهَا الْهِبَاتُ إلَى قَوْلِهِ فَلْيُضَمَّ لِشَكْلِهِ:

فَدُونَكَهَا عِشْرِينَ مِنْ بَعْدِ سَبْعَةٍ ... تَدُلُّ عَلَى حِفْظِ الْفَقِيهِ وَنُبْلِهِ

أَبِي نَظَمَ الْعِشْرِينَ مِنْ بَعْدِ وَاحِدٍ ... فَأَتْبَعْتهَا سِتًّا تَمَامًا لِفِعْلِهِ

، وَزَادَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ خَمْسَةً، وَنَظَمَهَا بَعْضُهُمْ فَقَالَ وَقَدْ زِيدَ فِيهَا إلَى قَوْلِهِ فَاطْلُبْ نَصَّهَا فِي مَحَلِّهِ، وَنَظَمَهَا أَيْضًا الْعَبْدُوسِيُّ، وَذَيَّلَهُ ابْنُ غَازِيٍّ بِمَا زَادَهُ عَلَيْهِ إلَى أَنْ قَالَ فِي آخِرِهِ:

لَوْلَا التَّدَاخُلُ بَعْدَ ذِي فِي الزَّائِدِ ... لَبَلَغَتْ عِشْرِينَ دُونَ وَاحِدٍ

اهـ

بِإِصْلَاحِ الْبَيْتِ الْأَخِيرِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>