للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَقَالَ: إنْ شَاءَ اللَّهُ نُفُوذَ هَذَا الْبَيْعِ نَفَذَ قُلْنَا لَهُ: قَدْ شَاءَ اللَّهُ ذَلِكَ فِي الْأَزَلِ وَيَنْفُذُ الْبَيْعُ إجْمَاعًا فَكَذَلِكَ هَا هُنَا وَقَالَ الْقَاضِي عَبْدُ الْوَهَّابِ: هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مُخَرَّجَةٌ عَلَى اسْتِثْنَاءِ الْكُلِّ مِنْ الْكُلِّ بِجَامِعِ أَنَّهُ مُبْطَلٌ عَلَى رَأْيِ الشَّافِعِيِّ فَيَلْغُو الْجَمِيعُ وَالْفَرْقُ أَنَّ الشَّرْطَ لَمْ يَتَعَيَّنْ الْعَبَثُ فِيهِ وَاللَّغْوُ لِأَنَّ التَّعْلِيقَ عَلَى الْمُمْتَنِعِ مِنْ غَرَضِ الْعُقَلَاءِ وَإِنْ بَطَلَتْ جُمْلَةُ الْمَشْرُوطِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَلا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ} [الأعراف: ٤٠] قُلْت: أَمَّا اسْتِثْنَاءُ الْكُلِّ مِنْ الْكُلِّ فَعَبَثٌ فَظَهَرَ بِهَذِهِ الْقَوَاعِدِ وَبِهَذَا التَّقْدِيرِ أَنَّ الْحَقَّ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عَدَمُ لُزُومِ الطَّلَاقِ فِي الْحَالِ لَا بِسَبَبِ مَا قَالَهُ الشَّافِعِيُّ أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ رَافِعٌ لِلْيَمِينِ بَلْ لِمَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ مُقْتَضَى هَذَا التَّعْلِيقِ وَتَفَاصِيلِهِ.

(الْمَسْأَلَةُ السَّابِعَةُ) قَالَ مَالِكٌ فِي التَّهْذِيبِ: إذَا قَالَ: إنْ فَعَلْت كَذَا فَعَلَيَّ الطَّلَاقُ إنْ شَاءَ اللَّهُ لَا يَنْفَعُهُ الِاسْتِثْنَاءُ قَالَ ابْنُ يُونُسَ: قَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ: إنْ أَعَادَهُ عَلَى الْفِعْلِ دُونَ الطَّلَاقِ نَفَعَهُ وَأَنْتِ طَالِقٌ إلَّا أَنْ يَبْدُوَ لِي لَا يَنْفَعُهُ الِاسْتِثْنَاءُ وَأَنْتِ طَالِقٌ إنْ فَعَلْت كَذَا إلَّا أَنْ يَبْدُوَ لِي فَذَلِكَ لَهُ إنْ أَرَادَ الْفِعْلَ خَاصَّةً وَفِي الْجَلَّابِ إنْ كَلَّمْت زَيْدًا فَعَلَيَّ الْمَشْيُ إلَى بَيْتِ اللَّهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ لَا يَنْفَعُهُ الِاسْتِثْنَاءُ إنْ أَعَادَهُ عَلَى الْحَجِّ وَإِنْ أَعَادَهُ عَلَى كَلَامِ زَيْدٍ نَفَعَهُ قُلْت: اعْلَمْ أَنَّ هَذِهِ الْمَوَاضِعَ لَا يُدْرِكُ حَقِيقَتَهَا إلَّا الْفُحُولُ مِنْ الْعُلَمَاءِ أَوْ مَنْ يَفْتَحُ اللَّهُ عَلَيْهِ مِنْ نَفْسِ فَضْلِهِ وَسَعَةِ رَحْمَتِهِ مَا شَاءَ وَمَا الْفَرْقُ بَيْنَ إعَادَةِ الْإِرَادَةِ الْقَدِيمَةِ وَالْحَادِثَةِ عَلَى الْفِعْلِ أَوْ غَيْرِهِ وَهَا أَنَا أَكْشِفُ لَك عَنْ السِّرِّ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ بِبَيَانِ قَاعِدَةٍ وَهِيَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى شَرَعَ بَعْضَ أَسْبَابِ الْأَحْكَامِ فِي أَصْلِ الشَّرِيعَةِ وَلَمْ يَكِلْهُ إلَى مُكَلَّفٍ كَالزَّوَالِ وَرُؤْيَةِ الْهِلَالِ وَالْإِتْلَافِ لِلضَّمَانِ وَمِنْهَا مَا وَكَلَهُ لِخِيَرَةِ خَلْقِهِ فَإِنْ شَاءُوا جَعَلُوهُ سَبَبًا وَإِلَّا فَلَا يَكُونُ سَبَبًا وَهِيَ التَّعْلِيقَاتُ كُلُّهَا فَدُخُولُ الدَّارِ لَيْسَ سَبَبًا لِطَلَاقِ امْرَأَةِ أَحَدٍ وَلَا لِعِتْقِ عَبْدِهِ فِي أَصْلِ الشَّرْعِ إلَّا أَنْ يُرِيدَ الْمُكَلَّفُ ذَلِكَ فَيَجْعَلُهُ سَبَبًا بِالتَّعْلِيقِ عَلَيْهِ وَكُلُّ مَا وَكَلَ لِلْمُكَلَّفِ سَبَبِيَّتَهُ لَا يَكُونُ سَبَبًا إلَّا بِجَعْلِهِ وَجَزْمِهِ بِذَلِكَ الْجَعْلِ.

إذَا تَقَرَّرَتْ هَذِهِ الْقَاعِدَةُ فَنَقُولُ: قَوْلُ

ــ

[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]

وَقَالَ: إنْ شَاءَ اللَّهُ نُفُوذَ هَذَا الْبَيْعِ نَفَذَ قُلْنَا لَهُ قَدْ شَاءَ اللَّهُ ذَلِكَ فِي الْأَزَلِ وَيَنْفُذُ الْبَيْعُ إجْمَاعًا فَكَذَلِكَ هَا هُنَا) قُلْتُ: قَوْلُهُ أَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ لُزُومُ الطَّلَاقِ مِنْ أَوَّلِ أَزْمِنَةِ الْإِمْكَانِ بِنَاءً مِنْهُ ذَلِكَ عَلَى تَعَلُّقِ الْمَشِيئَةِ فِي الْأَزَلِ لَيْسَ بِلَازِمٍ وَنَحْنُ نَقُولُ: إنَّهُ لَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ كَمَا قَالَ: وَإِنَّمَا اللَّازِمُ لُزُومُ الطَّلَاقِ الْآنَ عِنْدَ هَذَا الْكَلَامِ وَذَلِكَ هُوَ مُرَادُ مَالِكٍ وَمَنْ وَافَقَهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

قَالَ: (قَالَ الْقَاضِي عَبْدُ الْوَهَّابِ إلَى آخِرِ كَلَامِهِ فِي الْمَسْأَلَةِ) قُلْتُ: مَا قَالَهُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مِنْ أَنَّ الْحَقَّ فِيهَا عَدَمُ لُزُومِ الطَّلَاقِ فِي الْحَالِ لَيْسَ بِصَحِيحٍ بَلْ الصَّحِيحُ لُزُومُهُ فِي الْحَالِ كَمَا سَبَقَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

قَالَ: (الْمَسْأَلَةُ السَّابِعَةُ قَالَ: مَالِكٌ فِي التَّهْذِيبِ: إنْ فَعَلْت كَذَا فَعَلَيَّ الطَّلَاقُ إنْ شَاءَ اللَّهُ لَا يَنْفَعُهُ الِاسْتِثْنَاءُ قَالَ ابْنُ يُونُسَ قَالَ: عَبْدُ الْمَلِكِ إنْ أَعَادَهُ عَلَى الْفِعْلِ دُونَ الطَّلَاقِ نَفَعَهُ إلَى آخِرِ نَقْلِ الْأَقْوَالِ) قُلْتُ: ذَلِكَ نَقْلٌ لَا كَلَامَ فِيهِ.

قَالَ: (اعْلَمْ أَنَّ هَذِهِ الْمَوَاضِعَ لَا يُدْرِكُ حَقِيقَتَهَا إلَّا الْفُحُولُ مِنْ الْعُلَمَاءِ أَوْ مَنْ يَفْتَحُ اللَّهُ عَلَيْهِ مِنْ نَفْسِ فَضْلِهِ وَسَعَةِ رَحْمَتِهِ) قُلْتُ: مَا قَالَهُ فِي ذَلِكَ صَحِيحٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

قَالَ: (إذَا تَقَرَّرَتْ هَذِهِ الْقَاعِدَةُ فَنَقُولُ: قَوْلُ

ــ

[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]

عَلَيْهِ هِبَةُ الثَّانِي صَحَّتْ فِي ثُلُثِ الثُّلُثِ فَصَارَ ثُلُثُ الثُّلُثِ الْمَذْكُورِ مِنْ مَالِ الْأَوَّلِ فَتَسْرِي إلَيْهِ الْهِبَةُ فَلْيُرَدَّ ثُلُثُهُ لِلثَّانِي بِالْهِبَةِ ثُمَّ يُرَدُّ بِهِبَةِ الثَّانِي ثُلُثُ مَا رَدَّ لِسَرَيَانِ هِبَتِهِ فِيهِ وَهَكَذَا فَلَا يَقِفُ عَلَى حَدٍّ فِي التَّرْدَادِ بَيْنَهُمَا وَيَحْصُلُ بِطَرِيقِ الْجَبْرِ وَالْمُقَابَلَةِ وَبَيَانُهُ أَنْ نَقُولَ: صَحَّتْ هِبَةُ الْأَوَّلِ فِي شَيْءٍ مِنْ الْعَبْدِ فَبَقِيَ عِنْدَهُ عَبْدٌ إلَّا شَيْئًا وَصَحَّتْ هِبَةُ الثَّانِي فِي ثُلُثِ ذَلِكَ الشَّيْءِ فَصَارَ مَعَ الْأَوَّلِ عَبْدًا إلَّا ثُلُثَيْ شَيْءٍ لِأَنَّ ثُلُثَ الشَّيْءِ رَجَعَ لَهُ بِهِبَةِ الثَّانِي فَبَقِيَ عِنْدَهُ ثُلُثَا الشَّيْءِ وَيُضَمُّ ثُلُثُ الشَّيْءِ لِمَا عِنْدَ الْأَوَّلِ فَيَكُونُ مَعَهُ عَبْدٌ إلَّا ثُلُثَيْ شَيْءٍ.

وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ أَنْ يَكُونَ الْبَاقِي مَعَ الْوَاهِبِ يَعْدِلُ ضِعْفَ مَا صَحَّتْ فِيهِ هِبَتُهُ وَقَدْ قُلْنَا: صَحَّتْ هِبَةُ الْأَوَّلِ فِي شَيْءٍ مَجْهُولٍ مِنْ الْعَبْدِ بِقَطْعِ النَّظَرِ عَنْ هِبَةِ الثَّانِي وَحِينَئِذٍ فَنَقُولُ مَا بَقِيَ مَعَ الْأَوَّلِ وَهُوَ عَبْدٌ إلَّا ثُلُثَيْ شَيْءٍ يَعْدِلُ شَيْئَيْنِ هُمَا ضِعْفُ مَا صَحَّتْ فِيهِ هِبَتُهُ أَيْ يُسَاوِيهِمَا وَبَعْدَ ذَلِكَ فَأُجْبِرُ كُلًّا مِنْ الطَّرَفَيْنِ بِإِزَالَةِ النَّقْصِ بِأَنْ تَرُدَّ الْمُسْتَثْنَى عَلَى الْجَانِبَيْنِ فَتَجْعَلَ الطَّرَفَ الْأَوَّلَ وَهُوَ مَا بَقِيَ مَعَ الْأَوَّلِ عَبْدًا كَامِلًا وَتَجْعَلُ الطَّرَفَ الثَّانِيَ شَيْئَيْنِ وَثُلُثَيْ شَيْءٍ فَنَقُولُ: عَبْدٌ كَامِلٌ يُقَابِلُ شَيْئَيْنِ وَثُلُثَيْ شَيْءٍ ثُمَّ تَبْسُطُ الشَّيْئَيْنِ أَثْلَاثًا مِنْ جِنْسِ الْكَسْرِ أَعْنِي ثُلُثَيْ شَيْءٍ فَصَارَ هَذَا الطَّرَفُ ثَمَانِيَةً كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ثُلُثُ شَيْءٍ وَبَعْدَ ذَلِكَ فَاقْسِمْ الطَّرَفَ الْأَوَّلَ وَهُوَ الْعَبْدُ الْكَامِلُ عَلَى الثَّمَانِيَةِ الَّتِي كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهَا ثُلُثُ شَيْءٍ يُخْرَجُ لِكُلِّ ثُلُثِ شَيْءٍ ثَمَنُ الْعَبْدِ فَيُعْلَمُ أَنَّ ثُلُثَ الشَّيْءِ ثَمَنُ الْعَبْدِ وَأَنَّ الشَّيْءَ ثَلَاثَةُ أَثْمَانِ الْعَبْدِ فَيَكُونُ مَعْنَى قَوْلِنَا صَحَّتْ هِبَةُ الْأَوَّلِ فِي الشَّيْءِ أَنَّهَا صَحَّتْ فِي ثَلَاثَةِ أَثْمَانِ الْعَبْدِ وَمَعْنَى قَوْلِنَا فَبَقِيَ عِنْدَهُ عَبْدٌ إلَّا شَيْئًا أَنَّهُ بَقِيَ عِنْدَهُ خَمْسَةُ أَثْمَانِ الْعَبْدِ وَمَعْنَى قَوْلِنَا صَحَّتْ هِبَةُ الثَّانِي فِي ثُلُثِ ذَلِكَ الشَّيْءِ أَنَّهَا صَحَّتْ فِي ثُلُثِ الثَّلَاثَةِ الْأَثْمَانِ وَهُوَ ثَمَنٌ وَمَعْنَى قَوْلِنَا فَصَارَ مَعَ الْأَوَّلِ عَبْدٌ إلَّا ثُلُثَيْ شَيْءٍ أَنَّهُ صَارَ مَعَ الْأَوَّلِ سِتَّةُ أَثْمَانٍ وَهِيَ ضِعْفُ مَا صَحَّتْ فِيهِ هِبَتُهُ لِأَنَّهَا صَحَّتْ فِي ثَلَاثَةِ أَثْمَانٍ وَضِعْفُهَا سِتَّةُ أَثْمَانٍ وَمَعْنَى قَوْلِنَا فَبَقِيَ عِنْدَهُ أَيْ الثَّانِي ثُلُثَا الشَّيْءِ أَنَّهُ بَقِيَ عِنْدَهُ ثَمَنَانِ وَهُوَ ضِعْفُ مَا صَحَّتْ فِيهِ الْهِبَةُ لِأَنَّهَا صَحَّتْ فِي ثَمَنٍ وَضِعْفِهِ ثَمَنَانِ فَقَدْ بَقِيَ

<<  <  ج: ص:  >  >>