وَإِنْ كَانَ الْمَفْعُولُ طَلَاقًا مُسْتَقْبَلًا فَيَكُونُ التَّقْدِيرُ إنْ شَاءَ اللَّهُ طَلَاقَك فِي الْمُسْتَقْبَلِ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَالْمَشْرُوطُ لِهَذَا الشَّرْطِ يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ مُسْتَقْبَلًا لِأَنَّ الْمُرَتَّبَ عَلَى الْمُسْتَقْبَلِ مُسْتَقْبِلٌ فَلَا تَطْلُقُ فِي الْحَالِ وَإِنْ كَانَ الْمَعْنَى إنْ شَاءَ اللَّهُ طَلَاقَك فِي الْمُسْتَقْبَلِ بَعْدَ هَذَا الطَّلَاقِ الْمَلْفُوظِ بِهِ الْآنَ فَلَا يَنْفُذُ طَلَاقٌ حَتَّى يَلْفِظَ بِالطَّلَاقِ مَرَّةً أُخْرَى فَيَنْفُذُ هَذَا وَعَلَى التَّقْدِيرَيْنِ لَا تَطْلُقُ الْآنَ فَإِنْ قُلْت: هَذَا لَازِمٌ فِي مَشِيئَةِ زَيْدٍ إذَا لَمْ يَحْصُلْ بِلَفْظٍ فِي الْمُسْتَقْبَلِ لَا يَنْفُذُ هَذَا قُلْت: الْفَرْقُ أَنَّ مَشِيئَةَ اللَّهِ تَعَالَى مُؤَثِّرَةٌ فِي حُدُوثِ مَفْعُولِهَا فَإِذَا لَمْ يَحْدُثْ لَفْظُ الطَّلَاقِ انْقَطَعَ بِعَدَمِ مَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَمَشِيئَةُ زَيْدٍ غَيْرُ مُؤَثِّرَةٍ بَلْ هِيَ كَدُخُولِ الدَّارِ فَكَمَا إذَا تَجَدَّدَ دُخُولُ الدَّارِ نَفَذَ الطَّلَاقُ كَذَلِكَ إذَا تَجَدَّدَتْ مَشِيئَةُ زَيْدٍ فَإِنْ قُلْت: لِمَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَفْعُولُ الْمَشِيئَةِ نُفُوذَ هَذَا الطَّلَاقِ لَا لَفْظًا آخَرَ يَحْدُثُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ؟ قُلْت: يَجُوزُ ذَلِكَ مِنْ حَيْثُ اللُّغَةُ وَهُوَ مَفْعُولٌ صَحِيحٌ غَيْرَ أَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ لُزُومُ الطَّلَاقِ وَنُفُوذُهُ أَوَّلَ أَزْمِنَةِ الْإِمْكَانِ مِنْ أَوَّلِ النِّكَاحِ وَلَمْ يَقُلْهُ أَحَدٌ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى شَرَعَ الْأَسْبَابَ لِيُرَتِّبَ عَلَيْهَا مُسَبَّبَاتِهَا فَمَنْ بَاعَ
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
الِاحْتِمَالَ بَعِيدٌ لَا يَكَادُ يَخْطِرُ بِبَالٍ وَلَوْ قَصَدَهُ بِمَعْنَى أَنَّهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ أَنْ أَتَكَلَّمَ بِهَذَا الْكَلَامِ الْمُتَضَمِّنِ تَعْلِيقَ الطَّلَاقِ عَلَى مَشِيئَةِ اللَّهِ هَذَا الْكَلَامُ لَلَزِمَهُ الطَّلَاقُ عِنْدَ قَوْلِهِ ذَلِكَ الْكَلَامَ لَا فِي أَوَّلِ زَمَنِ النِّكَاحِ كَمَا قَالَهُ لِأَنَّ لُزُومَ الطَّلَاقِ عِنْدَ أَوَّلِ أَزْمِنَةِ الْإِمْكَانِ لَا مُوجِبَ لَهُ فَإِنَّ مُرَادَهُ بِالْمَشِيئَةِ إنَّمَا هُوَ وُقُوعُ الْمُرَادُ بِالْمَشِيئَةِ لَا تَحَقُّقُ الْمَشِيئَةِ فِي الْأَزَلِ لِأَنَّ مَشِيئَةَ وُجُودِ هَذَا الْكَلَامِ مِنْ قَائِلِهِ مَعْلُومَةٌ مُتَحَقِّقَةُ الْوُقُوعِ وَلَا أَرَى أَنْ يُخَالِفَ فِي ذَلِكَ مُخَالِفٌ وَأَمَّا كَوْنُهُ لَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ فَلِمَا تَقَرَّرَ مِنْ أَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ أَيْ إنْ وَقَعَ مَفْعُولُ الْمَشِيئَةِ وَهُوَ قَوْلُهُ ذَلِكَ الْكَلَامَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
قَالَ: (وَإِنْ كَانَ الْمَفْعُولُ طَلَاقًا مُسْتَقْبَلًا فَيَكُونُ التَّقْدِيرُ إنْ شَاءَ اللَّهُ طَلَاقَك فِي الْمُسْتَقْبَلِ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَالْمَشْرُوطُ لِهَذَا الشَّرْطِ يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ مُسْتَقْبَلًا لِأَنَّ الْمُرَتَّبَ عَلَى الْمُسْتَقْبَلِ مُسْتَقْبَلٌ فَلَا تَطْلُقُ فِي الْحَالِ وَإِنْ كَانَ الْمَعْنَى إنْ شَاءَ اللَّهُ طَلَاقَك فِي الْمُسْتَقْبَلِ بَعْدَ هَذَا الطَّلَاقِ الْمَلْفُوظِ بِهِ الْآنَ فَلَا يَنْفُذُ طَلَاقٌ حَتَّى يَتَلَفَّظَ بِالطَّلَاقِ مَرَّةً أُخْرَى فَيُنْفِذَهَا وَعَلَى التَّقْدِيرَيْنِ لَا تَطْلُقُ الْآنَ) قُلْتُ: قَدْ سَبَقَ أَنَّهَا تَطْلُقُ الْآنَ عَلَى التَّقْدِيرِ الْأَوَّلِ.
قَالَ: (فَإِنْ قُلْتُ: هَذَا لَازِمٌ فِي مَشِيئَةِ زَيْدٍ إذَا لَمْ تَحْصُلْ بِلَفْظٍ فِي الْمُسْتَقْبَلِ لَا يَنْفُذُ هَذَا قَالَ: قُلْتُ: الْفَرْقُ أَنَّ مَشِيئَةَ اللَّهِ تَعَالَى مُؤَثِّرَةٌ فِي حُدُوثِ مَفْعُولِهَا إلَى آخِرِ قَوْلِهِ بِخِلَافِ مَشِيئَةِ زَيْدٍ) قُلْتُ: قَوْلُهُ فَإِذَا لَمْ يَحْدُثْ لَفْظُ الطَّلَاقِ انْقَطَعَ بِعَدَمِ مَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى غَلِطَ فِي اللَّفْظِ فَإِنَّ مَشِيئَةَ اللَّهِ تَعَالَى لَا تُعْدَمُ وَصَوَابُ الْكَلَامِ أَنْ يُقَالَ: بِمَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى عَدَمُ ذَلِكَ اللَّفْظِ وَقَوْلُهُ فَكَمَا إذَا تَجَدَّدَ دُخُولُ الدَّارِ نَفَذَ الطَّلَاقُ كَذَلِكَ إذَا تَجَدَّدَتْ مَشِيئَةُ زَيْدٍ مُنَاقِضٌ لِمَا قَالَهُ قَبْلُ مِنْ أَنَّ الْأَمْرَ بِعَكْسِ مَا قَالَهُ مَالِكٌ مِنْ لُزُومِ الطَّلَاقِ فِي مَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى لَا فِي مَشِيئَةِ زَيْدٍ قَالَ: (فَإِنْ قُلْتَ: لِمَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَفْعُولُ الْمَشِيئَةِ نُفُوذَ الطَّلَاقِ لَا لَفْظًا آخَرَ يَحْدُثُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ قَالَ: قُلْتُ: يَجُوزُ ذَلِكَ مِنْ حَيْثُ اللُّغَةُ وَهُوَ مَفْعُولٌ صَحِيحٌ غَيْرَ أَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ لُزُومُ الطَّلَاقِ وَنُفُوذُهُ أَوَّلَ أَزْمِنَةِ الْإِمْكَانِ فِي أَوَّلِ النِّكَاحِ وَلَمْ يَقُلْهُ أَحَدٌ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى شَرَعَ الْأَسْبَابَ لِتَتَرَتَّبَ عَلَيْهَا مُسَبَّبَاتُهَا فَمَنْ بَاعَ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
تَجْتَمِعَانِ مَعَ وَاحِدَةٍ وَاثْنَتَيْنِ حَيْثُ أَوْقَعَ اثْنَتَيْنِ لِأَنَّ وَاحِدَةً تَجْتَمِعُ مَعَ اثْنَتَيْنِ وَافَقَ الْقَوَاعِدَ الثَّلَاثَ وَوَجَبَ بَعْدَ إسْقَاطِ الْمُنَافِي أَنْ يَلْزَمَهُ الْبَاقِي فَتَكْمُلُ الثَّلَاثُ وَبِلُزُومِ الْمُخَالَفَةِ لِإِحْدَى هَذِهِ الْقَوَاعِدِ الثَّلَاثِ لِرَأْيِ ابْنِ الْحَدَّادِ وَمَنْ وَافَقَهُ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ مَعَ كَوْنِ الْقَائِلِينَ بِهَذَا الرَّأْيِ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ لَا يَتَجَاوَزُونَ الثَّلَاثَةَ عَشَرَ مِنْهُمْ فَلَا يَنْعَقِدُ الْإِجْمَاعُ بِهِمْ بِالنِّسْبَةِ إلَى عَدَدِ مَنْ قَالَ بِخِلَافِ هَذَا الرَّأْيِ لِأَنَّهُمْ مِئُونَ بَلْ آلَافٌ كَانَ الشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يَقُولُ: هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ لَا يَصِحُّ التَّقْلِيدُ فِيهَا لِابْنِ الْحَدَّادِ وَمَنْ وَافَقَهُ وَتَقْلِيدُهُمْ فِيهَا فُسُوقٌ لِأَنَّ الْقَاعِدَةَ أَنَّ قَضَاءَ الْقَاضِي يَنْقَضِي إذَا خَالَفَ أَحَدَ أَرْبَعَةِ أَشْيَاءَ الْإِجْمَاعَ أَوْ الْقَوَاعِدَ أَوْ النُّصُوصَ أَوْ الْقِيَاسَ الْجَلِيَّ وَمَا لَا نُقِرُّهُ شَرْعًا إذَا تَأَكَّدَ بِقَضَاءِ الْقَاضِي أَوْلَى بِأَنْ لَا نُقِرُّهُ شَرْعًا إذَا لَمْ يَتَأَكَّدْ.
وَإِذَا لَمْ نُقِرَّهُ شَرْعًا حَرُمَ التَّقْلِيدُ فِيهِ لِأَنَّ التَّقْلِيدَ فِي غَيْرِ شَرْعٍ ضَلَالٌ فَافْهَمْ هَذَا يُظْهِرُ لَك الْحُكْمَ فِي بَقِيَّةِ مَسَائِلِ الدَّوْرِ الَّتِي هِيَ مِنْ هَذَا الْجِنْسِ.
(فَائِدَةٌ) تَقْيِيدُ الدَّوْرِ بِالْحُكْمِيِّ لِتَعَلُّقِهِ بِالْأَحْكَامِ أَخْرَجَ الدَّوْرَ الْكَوْنِيَّ وَالدَّوْرَ الْحِسَابِيَّ فَالدَّوْرُ الْكَوْنِيُّ الْمُتَعَلِّقُ بِالْكَوْنِ وَالْوُجُودِ تَوَقَّفَ كَوْنُ كُلٍّ مِنْ الشَّيْئَيْنِ عَلَى كَوْنِ الْآخَرِ وَهُوَ الْوَاقِعُ فِي فَنِّ التَّوْحِيدِ وَالْمُسْتَحِيلُ مِنْهُ السَّبْقِيُّ وَهُوَ مَا يَقْتَضِي كَوْنَ الشَّيْءِ سَابِقًا مَسْبُوقًا كَمَا لَوْ فَرَضْنَا أَنَّ زَيْدًا أَوْجَدَ عَمْرًا وَأَنَّ عَمْرًا أَوْجَدَ زَيْدًا فَإِنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا سَابِقٌ مِنْ حَيْثُ كَوْنُهُ مُؤَثِّرًا مَسْبُوقٌ مِنْ حَيْثُ كَوْنِهِ أَثَرًا بِخِلَافِ الْمَعْي كَالْأُبُوَّةِ مَعَ الْبُنُوَّةِ وَالدَّوْرُ الْحِسَابِيُّ الْمُتَعَلِّقُ بِالْحِسَابِ تَوَقَّفَ الْعِلْمُ بِأَحَدِ الْمِقْدَارَيْنِ عَلَى الْعِلْمِ الْآخَرِ وَلِذَلِكَ يُقَالُ لَهُ الدَّوْرُ الْعِلْمِيُّ أَيْضًا وَهَذَا دَوْرٌ فِي الظَّاهِرِ فَقَطْ لِجَوَازِ أَنْ يَحْصُلَ الْعِلْمُ بِشَيْءٍ آخَرَ غَيْرَهُمَا فَفِي الْحَقِيقَةِ لَا دَوْرَ إلَّا إذَا أَرَدْت عِلْمَ أَحَدِهِمَا مِنْ الْآخَرِ وَمِثَالُ ذَلِكَ مَا إذَا وَهَبَ أَحَدُ مَرِيضَيْنِ لِلْآخَرِ عَبْدًا فَوَهَبَهُ الثَّانِي لِلْأَوَّلِ وَلَا مَالَ لَهُمَا غَيْرُهُ، وَمَاتَا فَلَا يُعْلَمُ مَا صَحَّ فِيهِ هِبَةُ كُلِّ مِنْهُمَا وَقَدْرُ مَا يَرْجِعُ إلَيْهِ إلَّا بَعْدَ الْعِلْمِ بِالْآخَرِ لِأَنَّ هِبَةَ الْأَوَّلِ صَحَّتْ فِي ثُلُثِ الْعَبْدِ فَصَارَ مَالًا لِلثَّانِي وَلَمَّا وَرَدَتْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute