أَوْ تَقْرِيرٍ أَوْ تَرْكٍ، وَالْحَاكِمُ مَعَ اللَّهِ تَعَالَى كَنَائِبِ الْحَاكِمِ يُنْشِئُ الْأَحْكَامَ، وَالْإِلْزَامَ بَيْنَ الْخُصُومِ، وَلَيْسَ بِنَاقِلٍ ذَلِكَ عَنْ مُسْتَنِيبِهِ بَلْ مُسْتَنِيبُهُ قَالَ لَهُ أَيُّ شَيْءٍ حَكَمْت بِهِ عَلَى الْقَوَاعِدِ فَقَدْ جَعَلْته حُكْمِي فَكِلَاهُمَا مُوَافِقٌ لِلْقَاضِي، وَمُطِيعٌ لَهُ، وَسَاعٍ فِي تَنْفِيذِ مَوَادِّهِ غَيْرَ أَنَّ أَحَدَهُمَا يُنْشِئُ، وَالْآخَرُ يَنْقُلُ نَقْلًا مَحْضًا مِنْ غَيْرِ اجْتِهَادٍ لَهُ فِي الْإِنْشَاءِ كَذَلِكَ الْمُفْتِي، وَالْحَاكِمُ كِلَاهُمَا مُطِيعٌ لِلَّهِ تَعَالَى قَابِلٌ لِحُكْمِهِ غَيْرَ أَنَّ الْحَاكِمَ مُنْشِئٌ، وَالْمُفْتِيَ مُخْبِرٌ مَحْضٌ، وَقَدْ، وَضَعْت فِي هَذَا الْمَقْصِدِ كِتَابًا سَمَّيْته الْإِحْكَامَ فِي الْفَتَاوَى وَالْأَحْكَامِ، وَتَصَرُّفِ الْقَاضِي، وَالْإِمَامِ، وَفِيهِ أَرْبَعُونَ مَسْأَلَةً فِي هَذَا الْمَعْنَى، وَذَكَرْت فِيهِ نَحْوَ ثَلَاثِينَ نَوْعًا مِنْ تَصَرُّفَاتِ الْحَاكِمِ لَيْسَ فِيهَا حُكْمٌ، وَلْنَقْتَصِرْ هُنَا عَلَى هَذَا الْقَدْرِ فِي هَذَا الْفَرْقِ.
(الْفَرْقُ الْخَامِسُ وَالْعِشْرُونَ وَالْمِائَتَانِ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْحُكْمِ وَقَاعِدَةِ الثُّبُوتِ)
اُخْتُلِفَ فِيهِمَا هَلْ هُمَا بِمَعْنًى وَاحِدٍ أَوْ الثُّبُوتُ غَيْرُ الْحُكْمِ، وَالْعَجَبُ أَنَّ الثُّبُوتَ يُوجِبُ فِي الْعِبَادَاتِ الْمَوَاطِنَ الَّتِي لَا حُكْمَ فِيهَا بِالضَّرُورَةِ إجْمَاعًا فَيَثْبُتُ هِلَالُ شَوَّالٍ، وَهِلَالُ رَمَضَانَ، وَتَثْبُتُ طَهَارَةُ الْمِيَاهِ، وَنَجَاسَتُهَا، وَيَثْبُتُ عِنْدَ الْحَاكِمِ التَّحْرِيمُ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ بِسَبَبِ الرَّضَاعِ، وَالتَّحْلِيلُ بِسَبَبِ الْعَقْدِ، وَمَعَ ذَلِكَ لَا يَكُونُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ حُكْمًا.
وَإِذَا وُجِدَ الثُّبُوتُ بِدُونِ الْحُكْمِ كَانَ أَعَمَّ مِنْ الْحُكْمِ، وَالْأَعَمُّ مِنْ الشَّيْءِ غَيْرُهُ بِالضَّرُورَةِ ثُمَّ الَّذِي يُفْهَمُ مِنْ الثُّبُوتِ هُوَ نُهُوضُ الْحُجَّةِ كَالْبَيِّنَةِ، وَغَيْرِهَا السَّالِمَةِ مِنْ الْمَطَاعِنِ فَمَتَى وُجِدَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ يُقَالُ فِي عُرْفِ الِاسْتِعْمَالِ ثَبَتَ عِنْدَ الْقَاضِي ذَلِكَ، وَعَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ يُوجَدُ الْحُكْمُ بِدُونِ الثُّبُوتِ أَيْضًا كَالْحُكْمِ بِالِاجْتِهَادِ فَيَكُونُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَعَمَّ مِنْ الْآخَرِ مِنْ وَجْهٍ، وَأَخَصَّ مِنْ وَجْهٍ ثُمَّ ثُبُوتُ الْحُجَّةِ مُغَايِرٌ لِلْكَلَامِ النَّفْسَانِيِّ وَالْإِنْشَائِيِّ الَّذِي هُوَ الْحُكْمُ فَيَكُونَانِ غَيْرَيْنِ بِالضَّرُورَةِ، وَيَكُونُ الثُّبُوتُ نُهُوضَ الْحُجَّةِ، وَالْحُكْمُ إنْشَاءُ كَلَامٍ فِي النَّفْسِ هُوَ إلْزَامٌ أَوْ إطْلَاقٌ يَتَرَتَّبُ عَلَى هَذَا الثُّبُوتِ، وَهَذَا فَرْقٌ آخَرُ مِنْ جِهَةِ أَنَّ الثُّبُوتَ يَجِبُ تَقْدِيمُهُ عَلَى الْحُكْمِ، وَمَنْ قَالَ بِأَنَّ الْحُكْمَ هُوَ الثُّبُوتُ لَمْ
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
أَوْ تَقْرِيرٍ أَوْ تَرْكٍ، وَالْحَاكِمُ مَعَ اللَّهِ تَعَالَى كَنَائِبِ الْحَاكِمِ يُنْشِئُ الْأَحْكَامَ وَالْإِلْزَامَ بَيْنَ الْخُصُومِ إلَى آخِرِ الْفَرْقِ) قُلْت مَا قَالَهُ صَحِيحٌ، وَمَا مَثَّلَ بِهِ كَذَلِكَ إنْ كَانَ يُرِيدُ بِالْإِنْشَاءِ التَّنْفِيذَ، وَالْإِمْضَاءَ لِمَا كَانَ قَبْلَ الْحُكْمِ فَتْوَى، وَإِلَّا فَلَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ قَالَ.
(الْفَرْقُ الْخَامِسُ وَالْعِشْرُونَ وَالْمِائَتَانِ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْحُكْمِ وَقَاعِدَةِ الثُّبُوتِ) .
قُلْت مَا قَالَهُ صَحِيحٌ وَقَدْ يُطْلَقُ عَلَى الثُّبُوتِ حُكْمٌ فَالْأَمْرُ فِي ذَلِكَ لَفْظِيٌّ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
مِنْهُمَا بِإِحْدَاهُمَا أَتَمُّ فِي الِانْتِفَاعِ مِنْ الِانْتِفَاعِ بِبَعْضِ دَارٍ (وَعَنْ الثَّانِي) الْمُعَارَضَةُ، وَالنَّقْضُ بِالِاخْتِلَافِ فِي الدَّارِ الْوَاحِدَةِ بَلْ هَا هُنَا أَوْلَى لِأَنَّا إنَّمَا نَجْمَعُ الْمُتَقَارِبَ، وَهُنَالِكَ نَجْمَعُ الْمُخْتَلِفَ اهـ.
وَأَمَّا بَيَانُ الْخِلَافِ فِي الشُّرُوطِ فَهُوَ أَنَّ مِنْ شَرْطِ قِسْمَةِ الْحَوَائِطِ الْمُثْمِرَةِ أَنْ لَا تُقْسَمَ مَعَ الثَّمَرَةِ إذَا بَدَا صَلَاحٌ بِاتِّفَاقٍ فِي الْمَذْهَبِ لِأَنَّهُ يَكُونُ بَيْعُ الطَّعَامِ بِالطَّعَامِ عَلَى رُءُوسِ الشَّجَرِ، وَذَلِكَ مُزَابَنَةٌ.
وَأَمَّا قِسْمَتُهَا قَبْلَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ فَاخْتَلَفَ فِيهِ أَصْحَابُ مَالِكٍ فَابْنُ الْقَاسِمِ لَا يُجِيزُ ذَلِكَ قَبْلَ الْإِبَّانِ بِحَالٍ مِنْ الْأَحْوَالِ، وَيُعْتَلُّ لِذَلِكَ بِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى بَيْعِ طَعَامٍ بِطَعَامٍ مُتَفَاضِلًا، وَلِذَلِكَ زَعَمَ أَنَّ مَالِكًا لَمْ يُجِزْ شِرَاءَ الثَّمَرِ الَّذِي لَمْ يَطِبْ بِالطَّعَامِ لَا نَسِيئَةً، وَلَا نَقْدًا.
وَأَمَّا إنْ كَانَ ذَلِكَ بَعْدَ الْإِبَّانِ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ عِنْدَهُ إلَّا بِشَرْطِ أَنْ يَشْتَرِطَ أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ أَنَّ مَا وَقَعَ مِنْ الثَّمَرِ فِي نَصِيبِهِ فَهُوَ دَاخِلٌ فِي نَصِيبِهِ، وَمَا لَمْ يَدْخُلْ فَهُوَ فِيهِ عَلَى الشَّرِكَةِ وَالْعِلَّةِ فِي ذَلِكَ عِنْدَهُ أَنَّهُ يَجُوزُ اشْتِرَاطُ الْمُشْتَرِي الثَّمَرَ بَعْدَ الْإِبَّانِ، وَلَا يَجُوزُ قَبْلَ الْإِبَّانِ فَكَانَ أَحَدُهُمَا اشْتَرَطَ حَظَّ صَاحِبِهِ مِنْ جَمِيعِ الثَّمَرَاتِ الَّتِي وَقَعَتْ فِي الْقِسْمَةِ بِحَظِّهِ مِنْ الثَّمَرَاتِ الَّتِي وَقَعَتْ لِشَرِيكِهِ، وَاشْتَرَطَ الثَّمَرَ، وَصِفَةُ الْقَسَمِ بِالْقُرْعَةِ أَنْ تُقْسَمَ الْفَرِيضَةُ وَتُحَقَّقَ وَتُضْرَبَ إنْ كَانَ فِي سِهَامِهَا كَسْرٌ إلَى أَنْ تَصِحَّ السِّهَامُ ثُمَّ يُقَوِّمُ كُلَّ مَوْضِعٍ مِنْهَا، وَكُلَّ نَوْعٍ مِنْ غِرَاسَاتِهَا ثُمَّ يُعَدِّلُ عَلَى أَقَلِّ السِّهَامِ بِالْقِيمَةِ فَرُبَّمَا عُدِّلَ جُزْءٌ مِنْ مَوْضِعِ ثَلَاثِ أَجْزَاءٍ مِنْ مَوْضِعٍ آخَرَ عَلَى قِيَمِ الْأَرْضِينَ وَمَوَاضِعُهَا فَإِذَا قُسِمَتْ عَلَى هَذِهِ الصِّفَاتِ، وَعُدِّلَتْ كُتِبَتْ فِي بَطَائِقَ أَسْمَاءُ الِاشْتِرَاكِ، وَأَسْمَاءُ الْجِهَاتِ فَمَنْ خَرَجَ اسْمُهُ عَلَى جِهَةٍ أَخَذَ مِنْهَا فَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ السَّهْمِ ضُوعِفَ لَهُ حَتَّى يَتِمَّ حَظُّهُ فَهَذِهِ هِيَ حَالُ قُرْعَةِ السُّهْمَةِ فِي الرِّقَابِ كَمَا فِي بِدَايَةِ الْمُجْتَهِدِ لِحَفِيدٍ ابْنِ رُشْدٍ
(وَأَمَّا قِسْمَةُ) مَنَافِعِ الرِّقَابِ فَقَالَ الْحَفِيدُ أَيْضًا هِيَ عِنْدَ الْجَمِيعِ بِالْمُهَايَأَةِ، وَالْمُهَايَأَةُ إمَّا أَنْ تَكُونَ بِالْأَزْمَانِ بِأَنْ يَنْتَفِعَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالْعَيْنِ مُدَّةً مُسَاوِيَةً لِمُدَّةِ انْتِفَاعِ صَاحِبِهِ، وَتَجُوزُ فِيمَا لَا يُنْقَلُ، وَلَا يُحَوَّلُ فِي الْمُدَّةِ الْبَعِيدَةِ وَالْأَجَلِ الْبَعِيدِ عِنْدَ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ، وَلَا تَجُوزُ فِيمَا يَنْتَقِلُ، وَيُحَوَّلُ إلَّا فِي الْمُدَّةِ الْيَسِيرَةِ، وَاخْتُلِفَ فِيهَا أَمَّا فِي الِاغْتِلَالِ فَقِيلَ الْيَوْمُ الْوَاحِدُ، وَنَحْوُهُ، وَقِيلَ لَا يَجُوزُ ذَلِكَ فِي الدَّابَّةِ وَالْعَبْدِ.
وَأَمَّا فِي الِانْتِفَاعِ فَقِيلَ مِثْلُ الْخَمْسَةِ أَيَّامٍ، وَقِيلَ الشَّهْرُ، وَأَكْثَرُ مِنْ الشَّهْرِ قَلِيلًا، وَإِمَّا أَنْ تَكُونَ بِالْأَعْيَانِ بِأَنْ يَسْتَعْمِلَ هَذَا دَارًا مُدَّةً مِنْ الزَّمَانِ، وَهَذَا دَارًا تِلْكَ الْمُدَّةَ بِعَيْنِهَا فَقِيلَ تَجُوزُ فِي سُكْنَى الدَّارِ وَزِرَاعَةِ الْأَرْضِينَ، وَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ فِي الْغَلَّةِ وَالْكِرَاءِ، وَقِيلَ يَجُوزُ عَلَى قِيَاسِ التَّهَايُؤِ بِالْأَزْمَانِ، وَكَذَلِكَ الْقَوْلُ