وَأَجَازَهُ ثُمَّ عُزِلَ، وَجَاءَ قَاضٍ بَعْدَهُ قَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ لَيْسَ بِحُكْمٍ، وَلِغَيْرِهِ فَسْخُهُ.
وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ هُوَ حُكْمٌ لِأَنَّهُ أَمْضَاهُ، وَالْإِقْرَارُ عَلَيْهِ كَالْحُكْمِ بِإِجَازَتِهِ فَلَا يُنْقَضُ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ مُحْرِزٍ، وَقَالَ إنَّهُ حُكْمٌ فِي حَادِثَةٍ بِاجْتِهَادِهِ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ حُكْمُهُ فِيهِ بِإِمْضَائِهِ أَوْ فَسْخِهِ أَمَّا لَوْ رُفِعَ إلَيْهِ هَذَا النِّكَاحُ فَقَالَ أَنَا لَا أُجِيزُ هَذَا النِّكَاحَ بِغَيْرِ وَلِيٍّ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَحْكُمَ بِفَسْخِ هَذَا النِّكَاحِ بِعَيْنِهِ فَهَذِهِ فَتْوَى، وَلَيْسَتْ بِحُكْمٍ أَوْ رُفِعَ إلَيْهِ حُكْمٌ بِشَاهِدٍ وَيَمِينٍ فَقَالَ أَنَا لَا أُجِيزُ الشَّاهِدَ وَالْيَمِينَ فَهُوَ فَتْوَى مَا لَمْ يَقَعْ حُكْمٌ عَلَى عَيْنِ الْحُكْمِ قَالَ وَلَا أَعْلَمُ فِي هَذَا الْوَجْهِ خِلَافًا قَالَ وَإِنْ حَكَمَ بِالِاجْتِهَادِ فِيمَا طَرِيقُهُ التَّحْرِيمُ وَالتَّحْلِيلُ، وَلَيْسَ بِنَقْلِ مِلْكٍ لِأَحَدِ الْخَصْمَيْنِ إلَى الْآخَرِ، وَلَا فَصْلِ خُصُومَةٍ بَيْنَهُمَا، وَلَا إثْبَاتِ عَقْدٍ، وَلَا فَسْخِهِ مِثْلُ رَضَاعِ كَبِيرٍ فَيَحْكُمُ بِأَنَّهُ رَضَاعٌ مُحَرَّمٌ.
وَيُفْسَخُ النِّكَاحُ لِأَجْلِهِ فَالْفَسْخُ حُكْمٌ، وَالتَّحْرِيمُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ لَا يَثْبُتُ بِحُكْمِهِ بَلْ هُوَ مَعْرِضٌ لِلِاجْتِهَادِ أَوْ رُفِعَتْ إلَيْهِ امْرَأَةٌ تَزَوَّجَتْ فِي عِدَّتِهَا فَفَسَخَ نِكَاحَهَا، وَحَرَّمَهَا عَلَى زَوْجِهَا فَفَسْخُهُ حُكْمٌ دُونَ تَحْرِيمِهَا فِي الْمُسْتَقْبَلِ، وَحُكْمُهُ بِنَجَاسَةِ مَاءٍ أَوْ طَعَامٍ أَوْ تَحْرِيمِ بَيْعٍ أَوْ نِكَاحٍ أَوْ إجَارَةٍ فَهُوَ فَتْوَى لَيْسَ حُكْمًا عَلَى التَّأْبِيدِ، وَإِنَّمَا يُعْتَبَرُ مِنْ ذَلِكَ مَا شَهِدَهُ، وَمَا حَدَثَ بَعْدَ ذَلِكَ فَهُوَ مَوْكُولٌ لِمَنْ يَأْتِي مِنْ الْحُكَّامِ وَالْفُقَهَاءِ فَظَهَرَ أَيْضًا مِنْ هَذِهِ الْفَتَاوِي، وَالْمَبَاحِثِ أَنَّ الْفَتْوَى وَالْحُكْمَ كِلَاهُمَا إخْبَارٌ عَنْ حُكْمِ اللَّهِ تَعَالَى، وَيَجِبُ عَلَى السَّامِعِ اعْتِقَادُهُمَا، وَكِلَاهُمَا يَلْزَمُ الْمُكَلَّفَ مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةُ لَكِنْ الْفَتْوَى إخْبَارٌ عَنْ اللَّهِ تَعَالَى فِي إلْزَامٍ أَوْ إبَاحَةٍ، وَالْحُكْمُ إخْبَارٌ مَعْنَاهُ الْإِنْشَاءُ وَالْإِلْزَامُ مِنْ قِبَلِ اللَّهِ تَعَالَى وَبَيَانُ ذَلِكَ بِالتَّمْثِيلِ أَنَّ الْمُفْتِيَ مَعَ اللَّهِ تَعَالَى كَالْمُتَرْجِمِ مَعَ الْقَاضِي يَنْقُلُ مَا وَجَدَهُ عَنْ الْقَاضِي، وَاسْتَفَادَهُ مِنْهُ بِإِشَارَةٍ أَوْ عِبَارَةٍ أَوْ فِعْلٍ
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
قَالَ (فَظَهَرَ أَيْضًا مِنْ هَذِهِ الْفَتَاوَى وَالْمَبَاحِثِ أَنَّ الْفَتْوَى، وَالْحُكْمَ كِلَاهُمَا إخْبَارٌ عَنْ حُكْمِ اللَّهِ تَعَالَى، وَيَجِبُ عَلَى السَّامِعِ اعْتِقَادُهُمَا، وَكِلَاهُمَا يَلْزَمُ الْمُكَلَّفَ مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةُ لَكِنْ الْفَتْوَى إخْبَارٌ عَنْ اللَّهِ تَعَالَى فِي إلْزَامٍ أَوْ إبَاحَةٍ، وَالْحُكْمُ إخْبَارٌ مَعْنَاهُ الْإِنْشَاءُ، وَالْإِلْزَامُ مِنْ قِبَلِ اللَّهِ تَعَالَى) قُلْت كَيْفَ يَكُونُ الْإِخْبَارُ إنْشَاءً، وَقَدْ فَرَّقَ هُوَ قَبْلَ هَذَا فِي أَوَّلِ كِتَابِهِ بَيْنَهُمَا، وَكَيْفَ يَكُونُ الْحُكْمُ إلْزَامًا مِنْ قِبَلِ اللَّهِ تَعَالَى، وَهُوَ مُمْكِنُ الْخَطَأِ عَلَى مَا نَصَّ عَلَيْهِ النَّبِيُّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي الْحَدِيثِ الَّذِي تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ هَذَا مَا لَا يَصِحُّ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ قَالَ (وَبَيَانُ ذَلِكَ بِالتَّمْثِيلِ أَنَّ الْمُفْتِيَ مَعَ اللَّهِ كَالْمُتَرْجِمِ مَعَ الْقَاضِي بِنَقْلِ مَا وَجَدَهُ عَنْ الْقَاضِي، وَاسْتَفَادَهُ مِنْهُ بِإِشَارَةٍ أَوْ عِبَارَةٍ أَوْ فِعْلٍ
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
خِلَافَ فِي جَوَازِهَا، وَيُجْبَرُ الشَّرِيكَانِ عَلَى ذَلِكَ.
وَإِنْ انْقَسَمَتْ عَلَى مَا لَا مَنْفَعَةَ فِيهِ فَقَالَ مَالِكٌ إنَّهَا تُقْسَمُ بَيْنَهُمْ إذَا دَعَا أَحَدُهُمَا لِذَلِكَ، وَلَوْ لَمْ يَصِرْ لِوَاحِدٍ مِنْهُمْ إلَّا مَا لَا مَنْفَعَةَ فِيهِ مِثْلُ قَدْرِ الْقَدَمِ، وَبِهِ قَالَ ابْنُ كِنَانَةَ مِنْ أَصْحَابِهِ فَقَطْ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ، وَعُمْدَتُهُمْ فِي ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى {مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا} [النساء: ٧] .
وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ لَا يُقْسَمُ إلَّا أَنْ يَصِيرَ لِكُلِّ وَاحِدٍ فِي حَظِّهِ مَا يَنْتَفِعُ بِهِ مِنْ غَيْرِ مَضَرَّةٍ دَاخِلَةٍ عَلَيْهِ فِي الِانْتِفَاعِ مِنْ قِبَلِ الْقِسْمَةِ، وَإِنْ كَانَ لَا يُرَاعِي فِي ذَلِكَ نُقْصَانَ الثَّمَنِ، وَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ يُقْسَمُ إذَا صَارَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ مَا يَنْتَفِعُ بِهِ، وَإِنْ كَانَ مِنْ غَيْرِ جِنْسِ الْمَنْفَعَةِ الَّتِي كَانَتْ فِي الِاشْتِرَاكِ أَوْ كَانَتْ أَقَلَّ.
وَقَالَ مُطَرِّفٌ مِنْ أَصْحَابِهِ إنْ لَمْ يَصِرْ فِي حَظِّ كُلِّ وَاحِدٍ مَا يَنْتَفِعُ بِهِ لَمْ يُقْسَمْ، وَإِنْ صَارَ فِي حَظِّ بَعْضِهِمْ مَا يَنْتَفِعُ بِهِ، وَفِي حَظِّ بَعْضِهِمْ مَا لَا يَنْتَفِعُ بِهِ قُسِمَ، وَجُبِرُوا عَلَى ذَلِكَ سَوَاءٌ دَعَا إلَى ذَلِكَ صَاحِبُ النَّصِيبِ الْقَلِيلِ أَوْ الْكَثِيرِ، وَقِيلَ يُجْبَرُ إنْ دَعَا صَاحِبُ النَّصِيبِ الْقَلِيلِ، وَلَا يُجْبَرُ إنْ دَعَا صَاحِبُ النَّصِيبِ الْكَثِيرِ، وَقِيلَ بِعَكْسِ هَذَا، وَهُوَ ضَعِيفٌ، هَذَا وَبَقِيَ مَا إذَا انْتَقَلَتْ مَنْفَعَةُ الْمَقْسُومِ إلَى مَنْفَعَةٍ أُخْرَى مِثْلُ الْحَمَّامِ فَقَالَ مَالِكٌ يُقْسَمُ إذَا طُلِبَ كَأَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ، وَبِهِ قَالَ أَشْهَبُ، وَعُمْدَتُهُمَا ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى {مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا} [النساء: ٧] .
وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ لَا يُقْسَمُ، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَعُمْدَتُهُمَا قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا ضَرَرَ، وَلَا ضِرَارَ» ، وَحَدِيثُ جَابِرٍ عَنْ أَبِيهِ لَا تَعْضِيَةَ عَلَى أَهْلِ الْمِيرَاثِ إلَّا مَا حَمَلَ الْقَسْمَ، وَالتَّعْضِيَةُ التَّفْرِقَةُ يَقُولُ لَا قِسْمَةَ بَيْنَهُمْ.
وَأَمَّا إذَا كَانَتْ الْقِسْمَةُ فِي أَكْثَرَ مِنْ مَحَلٍّ وَاحِدٍ فَإِنْ كَانَتْ الْمَحَالُّ مُخْتَلِفَةَ الْأَنْوَاعِ كَأَنْ يَكُونَ مِنْهَا دُورٌ، وَمِنْهَا حَوَائِطُ، وَمِنْهَا أَرْضٌ فَقَدْ تَقَدَّمَ حُكْمُهَا، وَإِنْ كَانَتْ مُتَّفِقَةَ الْأَنْوَاعِ قُسِمَتْ بِالتَّقْوِيمِ وَالتَّعْدِيلِ وَالسُّهْمَةِ عِنْدَ مَالِكٍ لِأَنَّهُ أَقَلُّ لِلضَّرَرِ الدَّاخِلِ عَلَى الشُّرَكَاءِ مِنْ الْقِسْمَةِ، نَعَمْ اخْتَلَفَ أَصْحَابُهُ فِيمَا إذَا اخْتَلَفَ الْأَنْوَاعُ الْمُتَّفِقَةُ فِي النَّفَاقِ، وَإِنْ تَبَاعَدَتْ مَوَاضِعُهَا عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ بَلْ يُقْسَمُ كُلُّ عَقَارٍ عَلَى حِدَةٍ لِأَنَّ كُلَّ عَقَارٍ قَائِمٌ بِنَفْسِهِ لِأَنَّهُ تَتَعَلَّقُ بِهِ الشُّفْعَةُ اهـ.
كَلَامُ الْحَفِيدِ فِي الْبِدَايَةِ بِتَصَرُّفٍ، وَفِي الْأَصْلِ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ وَابْنُ حَنْبَلٍ لَا يَجُوزُ أَنْ يُجْمَعَ بَيْنَ دَارَيْنِ فِي الْقَسْمِ وَإِنْ تَقَارَبَتَا لِأَمْرَيْنِ (الْأَوَّلُ) أَنَّ الشُّفْعَةَ تَكُونُ فِي إحْدَاهُمَا دُونَ الْأُخْرَى فَكَذَلِكَ تَكُونُ الْقِسْمَةُ (الثَّانِي) أَنَّ الْجَمْعَ بَيْنَهُمَا يُفْضِي إلَى كَثْرَةِ الْغَرَرِ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَزُولُ مِلْكُهُ عَنْ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْ الدَّارَيْنِ بِغَيْرِ رِضَاهُ.
وَالْجَوَابُ (عَنْ الْأَوَّلِ) أَنَّ الشَّرِكَةَ إذَا عَمَّتْ فِيهِمَا، وَالْبَيْعُ عَمَّتْ الشُّفْعَةُ فَنَقِيسُ الْقَسْمَ عَلَى الشُّفْعَةِ فَيَنْقَلِبُ الدَّلِيلُ عَلَيْكُمْ، وَلِأَنَّ اسْتِقْلَالَ كُلِّ وَاحِدٍ