للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يَكُونُ اخْتِلَافُ الْمُجْتَهِدِينَ فِيهِ لَا لِلدُّنْيَا بَلْ لِلْآخِرَةِ بِخِلَافِ الِاخْتِلَافِ فِي الْعُقُودِ وَالْأَمْلَاكِ وَالرُّهُونِ وَالْأَوْقَافِ وَنَحْوِهَا إنَّمَا ذَلِكَ لِمَصَالِحِ الدُّنْيَا، وَبِهَذَا يَظْهَرُ أَنَّ الْأَحْكَامَ الشَّرْعِيَّةَ قِسْمَانِ مِنْهَا مَا يَقْبَلُ حُكْمَ الْحَاكِمِ مَعَ الْفُتْيَا فَيُجْمَعُ الْحُكْمَانِ، وَمِنْهَا لَا يَقْبَلُ إلَّا الْفَتْوَى، وَيَظْهَرُ لَك بِهَذَا أَيْضًا تَصَرُّفُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا وَقَعَ هَلْ هُوَ مِنْ بَابِ الْفَتْوَى أَوْ مِنْ بَابِ الْقَضَاءِ، وَالْإِنْشَاءِ، وَأَيْضًا يَظْهَرُ أَنَّ إخْبَارَ الْحَاكِمِ عَنْ نِصَابٍ اُخْتُلِفَ فِيهِ أَنَّهُ يُوجِبُ الزَّكَاةَ فَتْوَى، وَأَمَّا أَخْذُهُ لِلزَّكَاةِ فِي مَوَاطِنِ الْخِلَافِ فَحُكْمٌ، وَفَتْوَى مِنْ جِهَةِ أَنَّهُ تَنَازُعٌ بَيْنَ الْفُقَرَاءِ.

وَالْأَغْنِيَاءِ فِي الْمَالِ الَّذِي هُوَ مَصْلَحَةٌ دُنْيَوِيَّةٌ، وَلِذَلِكَ أَنَّ تَصَرُّفَاتِ السُّعَاةِ، وَالْجُبَاةِ فِي الزَّكَاةِ أَحْكَامٌ لَا نَنْقُضُهَا، وَإِنْ كَانَتْ الْفَتْوَى عِنْدَنَا عَلَى خِلَافِهَا، وَيَصِيرُ حِينَئِذٍ مَذْهَبَنَا، وَيَظْهَرُ بِهَذَا التَّقْرِيرِ أَيْضًا سِرُّ قَوْلِ الْفُقَهَاءِ إنَّ حُكْمَ الْحَاكِمِ فِي مَسَائِلِ الِاجْتِهَادِ لَا يُنْقَضُ، وَأَنَّهُ يَرْجِعُ إلَى الْقَاعِدَةِ الْأُصُولِيَّةِ، وَتَصِيرُ هَذِهِ الصُّورَةُ مُسْتَثْنَاةً مِنْ تِلْكَ الْأَدِلَّةِ الْعَامَّةِ كَاسْتِثْنَاءِ الْمُصَرَّاةِ، وَالْعَرَايَا، وَالْمُسَاقَاةِ، وَغَيْرِهَا مِنْ الْمُسْتَثْنَيَاتِ، وَيَظْهَرُ بِهَذَا أَيْضًا أَنَّ التَّقْرِيرَاتِ مِنْ الْحُكَّامِ لَيْسَتْ أَحْكَامًا فَتَبْقَى الصُّورَةُ قَابِلَةً لِحُكْمِ جَمِيعِ تِلْكَ الْأَقْوَالِ الْمَنْقُولَةِ فِيهَا قَالَ صَاحِبُ الْجَوَاهِرِ مَا قَضَى بِهِ مِنْ نَقْلِ الْأَمْلَاكِ، وَفَسْخِ الْعُقُودِ فَهُوَ حُكْمٌ فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ أَكْثَرَ مِنْ تَقْرِيرِ الْحَادِثَةِ لَمَا رُفِعَتْ إلَيْهِ كَامْرَأَةٍ زَوَّجَتْ نَفْسَهَا بِغَيْرِ إذْنِ وَلِيِّهَا فَأَقَرَّهُ

ــ

[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]

وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يَكُونُ اخْتِلَافُ الْمُجْتَهِدِينَ فِيهِ لَا لِلدُّنْيَا إلَى قَوْلِهِ لَا نَنْقُضُهَا، وَإِنْ كَانَتْ الْفَتْوَى عِنْدَنَا عَلَى خِلَافِهَا) قُلْت مَا قَالَهُ فِي ذَلِكَ صَحِيحٌ قَالَ (وَيَصِيرُ حِينَئِذٍ مَذْهَبَنَا) قُلْت لَا يَصِيرُ مَذْهَبَنَا، وَلَكِنَّا لَا نَنْقُضُهُ لِمَصْلَحَةِ الْأَحْكَامِ قَالَ (وَيَظْهَرُ بِهَذَا التَّقْرِيرِ أَيْضًا سِرُّ قَوْلِ الْفُقَهَاءِ إنَّ حُكْمَ الْحَاكِمِ فِي مَسَائِلِ الِاجْتِهَادِ لَا يُنْقَضُ، وَأَنَّهُ يَرْجِعُ إلَى الْقَاعِدَةِ الْأُصُولِيَّةِ إلَى قَوْلِهِ وَغَيْرِهَا مِنْ الْمُسْتَثْنَيَاتِ) قُلْت لَا رُجُوعَ هُنَا لِلْقَاعِدَةِ الْأُصُولِيَّةِ إنْ كَانَ يَعْنِي قَاعِدَةَ الْخَاصِّ وَالْعَامِّ، وَلَكِنْ يَرْجِعُ إلَى قَاعِدَةٍ فِقْهِيَّةٍ، وَهِيَ أَنَّ الْحُكْمَ إذَا نُفِّذَ عَلَى مَذْهَبٍ مَا لَا يُنْقَضُ، وَلَا يُرَدُّ، وَذَلِكَ لِمَصْلَحَةِ الْأَحْكَامِ وَرَفْعِ التَّشَاجُرِ وَالْخِصَامِ قَالَ (وَيَظْهَرُ بِهَذَا أَيْضًا أَنَّ التَّقْرِيرَاتِ مِنْ الْحُكَّامِ لَيْسَتْ أَحْكَامًا إلَى قَوْلِهِ فَهُوَ مَوْكُولٌ إلَى مَنْ يَأْتِي مِنْ الْحُكَّامِ وَالْفُقَهَاءِ) قُلْت ذَلِكَ صَحِيحٌ، وَأَكْثَرُهُ أَوْ كُلُّهُ نَقْلٌ لَا كَلَامَ فِيهِ غَيْرَ أَنَّ قَوْلَ ابْنِ الْقَاسِمِ هُوَ الصَّحِيحُ عِنْدِي، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

ــ

[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]

بِالْقُرْعَةِ اهـ.

وَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ عَقِبَ كَلَامِ الْمُدَوَّنَةِ الْمَذْكُورَةِ يَقُومُ مِنْهُ جَوَازُ الْقُرْعَةِ فِي الْوَدِيعَةِ إذَا اسْتَوَتْ فِي الْوَزْنِ وَالْقِيمَةِ، وَكَذَلِكَ فِي جَمِيعِ الْمُدَّخَرَاتِ اهـ.

وَالثَّانِي لِابْنِ رُشْدٍ وَالْبَاجِيِّ كَمَا قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ قَالَ، وَعَزَاهُ ابْنُ زَرْقُونٍ لِسَحْنُونٍ اهـ.

عَلَيْهِ اقْتَصَرَ صَاحِبُ الْمُعِينِ وَصَاحِبُ التُّحْفَةِ، وَوَجْهُ الْمَنْعِ أَنَّهُ إذَا كِيلَ أَوْ وُزِنَ فَقَدْ اسْتَغْنَى عَنْ الْقُرْعَةِ فَلَا مَعْنَى لِدُخُولِهَا، وَمَا وَقَعَ جُزَافًا بِلَا تَحَرٍّ قَالَ فِي الْبِدَايَةِ لَا يَجُوزُ يَعْنِي كَانَ بِالتَّرَاضِي أَوْ بِالْقُرْعَةِ كَمَا يُفِيدُهُ تَفْصِيلُ ابْنِ رُشْدٍ الْآتِي فَتَنَبَّهْ، وَمَا وَقَعَ بِالتَّحَرِّي قَدْ تَقَدَّمَ عَنْ عَبْدِ الْبَاقِي مَا يُفِيدُ جَوَازَهُ بِالتَّرَاضِي فَلَا تَغْفُلْ، وَقَدْ حَكَى الْبُنَانِيُّ عَلَى عبق فِي جَوَازِهِ بِالْقُرْعَةِ أَقْوَالًا الْجَوَازُ مُطْلَقًا عَنْ الْبَاجِيَّ قَالَ فَقَدْ سُئِلَ سَيِّدِي عِيسَى بْنُ عَلَّالٍ عَنْ صِفَةِ قِسْمَةِ الْوَزِيعَةِ بِالْقُرْعَةِ الَّتِي جَرَى بِهَا الْعُرْفُ عِنْدَنَا فَقَالَ كَانَ شَيْخُنَا سَيِّدِي مُوسَى الْعَبْدُوسِيُّ يَقُولُ إنْ قُسِمَتْ وَزْنًا فَإِنْ شَاءُوا اقْتَرَعُوا أَوْ تَرَكُوا عَلَى مَا قَالَهُ اللَّخْمِيُّ فِي قِسْمَةِ الْحُلِيِّ، وَإِنْ قُسِمَتْ تَحَرَّيَا فَهَذَا مَوْضِعُ الْقُرْعَةِ ثُمَّ قَالَ قَالَ الْبَاجِيَّ فِي قِسْمَةِ الثِّمَارِ فِي رُءُوسِ النَّخْلِ بِالتَّحَرِّي عِنْدِي أَنَّهَا لَا تَجُوزُ إلَّا بِالْقُرْعَةِ، وَهُوَ ظَاهِرُ قَوْلِ أَصْحَابِنَا لِأَنَّهَا تَمْيِيزُ حَقٍّ اهـ.

وَالْمَنْعُ مُطْلَقًا عَنْ ابْنِ زَرْقُونٍ فَقَدْ قَالَ وَمِثْلُ مَا قُسِمَ بِالْكَيْلِ وَالْوَزْنِ فِي مَنْعِ الْقُرْعَةِ عِنْدِي مَا قُسِمَ بِالتَّحَرِّي لِأَنَّ مَا يَتَسَاوَى فِي الْجِنْسَيْنِ وَالْجُودَةِ وَالْقَدْرِ لَا يَحْتَاجُ إلَى سَهْمٍ كَالدَّنَانِيرِ وَالدَّرَاهِمِ اهـ.

قَالَ الْعَبْدُوسِيُّ، وَالظَّاهِرُ مَا قَالَهُ الْبَاجِيَّ، وَالْوَزِيعَةُ تَجْرِي عَلَيْهِ اهـ.

نَقَلَهُ فِي تَكْمِيلِ التَّقْيِيدِ، وَعَنْ ابْنِ رُشْدٍ الْقَوْلُ بِالتَّفْصِيلِ بَيْنَ الْقَسْمِ بِالْكَيْلِ أَوْ الْوَزْنِ فَيَجُوزُ التَّفَاضُلُ أَوْ بِالتَّحَرِّي فَيَجُوزُ أَيْ التَّفَاضُلُ فِي الْمَوْزُونِ دُونَ الْمَكِيلِ أَوْ بِدُونِهِمَا فَيَمْتَنِعُ مُطْلَقًا لِلْمُزَابَنَةِ قَالَ وَذَلِكَ التَّفْصِيلُ إنَّمَا هُوَ فِي الصُّبْرَةِ الْوَاحِدَةِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ ابْنُ رُشْدٍ لِأَنَّ قَسْمَ الصُّبْرَةِ الْوَاحِدَةِ غَيْرُ حَقِيقِيٍّ لِاتِّحَادِ الصِّفَةِ وَالْقَدْرِ اهـ.

بِتَلْخِيصٍ، وَسَلَّمَهُ الرَّهُونِيُّ، وَأَنَّ مَا وكنو الرِّبَاع وَالْأُصُول فَقَالَ حَفِيدُ ابْنُ رُشْدٍ فِي بِدَايَتِهِ اتَّفَقَ أَهْلُ الْعِلْمِ اتِّفَاقًا مُجْمَلًا عَلَى جَوَازِ قِسْمَةِ الرِّبَاعِ وَالْأُصُولِ بِالتَّرَاضِي سَوَاءٌ كَانَتْ بَعْدَ تَقْوِيمٍ وَتَعْدِيلٍ أَوْ بِدُونِ ذَلِكَ كَانَتْ الرِّقَابُ مُتَّفِقَةً أَوْ مُخْتَلِفَةً لِأَنَّهَا بَيْعٌ مِنْ الْبُيُوعِ فَلَا يَحْرُمُ فِيهَا إلَّا مَا يَحْرُمُ فِيهَا فِي الْبُيُوعِ، وَكَذَا عَلَى جَوَازِهَا بِالسُّهْمَةِ إذَا عُدِّلَتْ بِالْقِيمَةِ لَكِنَّهُمْ اخْتَلَفُوا فِي مَحَلِّ ذَلِكَ وَشُرُوطِهِ فَأَمَّا بَيَانُهُ فِي مَحَلِّهِ أَنَّ الْقِسْمَةَ لَا تَخْلُو مِنْ أَنْ تَكُونَ فِي مَحَلٍّ وَاحِدٍ أَوْ فِي مَحَالَّ كَثِيرَةٍ فَإِذَا كَانَتْ فِي مَحَلٍّ وَاحِدٍ فَإِنْ انْقَسَمَتْ إلَى أَجْزَاءَ مُتَسَاوِيَةٍ بِالصِّفَةِ، وَلَمْ تَنْقُصْ بِالِانْقِسَامِ مَنْفَعَةُ الْأَجْزَاءِ فَلَا

<<  <  ج: ص:  >  >>