للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(الْفَرْقُ الْحَادِي وَالثَّلَاثُونَ وَالْمِائَتَانِ بَيْنَ قَاعِدَةِ الدَّعْوَى الصَّحِيحَةِ وَقَاعِدَةِ الدَّعْوَى الْبَاطِلَةِ)

فَضَابِطُ الدَّعْوَى الصَّحِيحَةِ أَنَّهَا طَلَبٌ مُعَيَّنٌ أَوْ مَا فِي ذِمَّةِ مُعَيَّنٍ أَوْ مَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ أَحَدُهُمَا مُعْتَبَرَةٌ شَرْعًا لَا تُكَذِّبُهَا الْعَادَةُ فَالْأَوَّلُ كَدَعْوَى أَنَّ السِّلْعَةَ الْمُعَيَّنَةَ اشْتَرَاهَا مِنْهُ أَوْ غُصِبَتْ مِنْهُ، وَالثَّانِي كَالدُّيُونِ وَالسَّلَمِ ثُمَّ الْمُعَيَّنُ الَّذِي يَدَّعِي فِي ذِمَّتِهِ قَدْ يَكُونُ مُعَيَّنًا بِالشَّخْصِ كَزَيْدٍ أَوْ بِالصِّفَةِ كَدَعْوَى الدِّيَةِ عَلَى الْعَاقِلَةِ وَالْقَتْلِ عَلَى جَمَاعَةٍ أَوْ أَنَّهُمْ أَتْلَفُوا مُتَمَوِّلًا، وَالثَّالِثُ كَدَعْوَى الْمَرْأَةِ الطَّلَاقَ أَوْ الرِّدَّةَ عَلَى زَوْجِهَا فَيَتَرَتَّبُ لَهَا حَوْزُ نَفْسِهَا، وَهِيَ مُعَيَّنَةٌ أَوْ الْوَارِثُ أَنَّ أَبَاهُ مَاتَ مُسْلِمًا أَوْ كَافِرًا فَيَتَرَتَّبُ لَهُ الْمِيرَاثُ الْمُعَيَّنُ فَهِيَ مَقَاصِدُ صَحِيحَةٌ، وَقَوْلُنَا مُعْتَبَرَةٌ شَرْعًا احْتِرَازٌ مِنْ دَعْوَى عُشْرِ سِمْسِمَةٍ فَإِنَّ الْحَاكِمَ لَا يَسْمَعُ مِثْلَ هَذِهِ الدَّعْوَى لِأَنَّهُ لَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ نَفْعٌ شَرْعِيٌّ، وَلِهَذِهِ الدَّعْوَى أَرْبَعَةُ شُرُوطٍ أَنْ تَكُونَ مَعْلُومَةً مُحَقَّقَةً لَا تُكَذِّبُهَا الْعَادَةُ يَتَعَلَّقُ بِهَا غَرَضٌ صَحِيحٌ، وَفِي الْجَوَاهِرِ لَوْ قَالَ: لِي عَلَيْهِ شَيْءٌ لَمْ تُسْمَعْ دَعْوَاهُ لِأَنَّهَا مَجْهُولَةٌ، وَكَذَلِكَ: أَظُنُّ أَنَّ لِي عَلَيْك أَلْفًا أَوْ: لَك عَلَيَّ أَلْفٌ، وَأَظُنُّ أَنِّي قَضَيْتهَا لَمْ تُسْمَعْ لِتَعَذُّرِ الْحُكْمِ بِالْمَجْهُولِ إذْ لَيْسَ بَعْضُ الْمَرَاتِبِ أَوْلَى مِنْ بَعْضٍ، وَلَا يَنْبَغِي لِلْحَاكِمِ أَنْ يَدْخُلَ فِي الْخَطَرِ بِمُجَرَّدِ الْوَهْمِ مِنْ الْمُدَّعِي، وَقَالَتْ الشَّافِعِيَّةُ لَا يَصِحُّ دَعْوَى الْمَجْهُولِ إلَّا فِي الْإِقْرَارِ وَالْوَصِيَّةِ لِصِحَّةِ الْقَضَاءِ بِالْوَصِيَّةِ الْمَجْهُولَةِ كَثُلُثِ الْمَالِ، وَالْمَالُ غَيْرُ مَعْلُومٍ، وَصِحَّةُ الْمِلْكِ فِي الْإِقْرَارِ بِالْمَجْهُولِ مِنْ غَيْرِ حُكْمٍ، وَيَلْزَمُهُ الْحَاكِمُ بِالتَّعْيِينِ، وَقَالَهُ أَصْحَابُنَا.

وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ إنْ ادَّعَى بِدَيْنٍ مِنْ الْأَثْمَانِ ذَكَرَ الْجِنْسَ دَنَانِيرَ أَوْ دَرَاهِمَ، وَالنَّوْعَ مِصْرِيَّةً أَوْ مَغْرِبِيَّةً، وَالصِّفَةَ صِحَاحًا أَوْ مُكَسَّرَةً وَالْمِقْدَارَ وَالسِّكَّةَ، وَيَذْكُرُ فِي غَيْرِ الْأَثْمَانِ الصِّفَاتِ الْمُعْتَبَرَةَ فِي السَّلَمِ، وَذِكْرُ الْقِيمَةِ مَعَ الصِّفَاتِ أَحْوَطُ، وَمَا لَا تَضْبِطُهُ الصِّفَةُ كَالْجَوَاهِرِ فَلَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِ الْقِيمَةِ مِنْ غَالِبِ نَقْدِ الْبَلَدِ، وَيَذْكُرُ فِي الْأَرْضِ وَالدَّارِ اسْمَ الصُّقْعِ وَالْبَلَدِ، وَفِي السَّيْفِ الْمُحَلَّى بِالذَّهَبِ قِيمَتَهُ فِضَّةً، وَبِالْفِضَّةِ قِيمَتَهُ ذَهَبًا أَوْ بِهِمَا قَوَّمَهُ بِمَا شَاءَ مِنْهُمَا لِأَنَّهُ مَوْضِعُ ضَرُورَةٍ، وَلَا يَلْزَمُ ذِكْرُ سَبَبِ مِلْكِ الْمَالِ بِخِلَافِ سَبَبِ الْقَتْلِ وَالْجِرَاحِ لِاخْتِلَافِ الْحُكْمِ هَاهُنَا دُونَ الْمَالِ بِالْعَمْدِ وَالْخَطَأِ، وَهَلْ قَتَلَهُ وَحْدَهُ أَوْ مَعَ غَيْرِهِ، وَلِأَنَّ إتْلَافَهُ لَا يُسْتَدْرَكُ بِخِلَافِ الْمَالِ، وَهَذَا كُلُّهُ لَا يُخَالِفُهُ أَصْحَابُنَا، وَقَوَاعِدُنَا تَقْتَضِيهِ غَيْرَ أَنَّ قَوْلَهُمْ وَقَوْلَ أَصْحَابِنَا إنَّ مِنْ شَرْطِهَا أَنْ تَكُونَ مَعْلُومَةً فِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّ

ــ

[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]

وَإِنْ وَقَعَتْ فِي الْجَانِبِ الْآخَرِ أُلْحِقَتْ بِهِ، وَإِنْ تَرَدَّدَتْ بَيْنَهُمَا، وَتَجَاذَبَهَا الطَّرَفَانِ أُلْحِقَتْ بِأَقْرَبِهِمَا، وَلَا بُدَّ وَأَنْ يَلُوحَ التَّرْجِيحُ لَا مَحَالَةَ فَخَرَجَ مِنْهُ أَنَّ كُلَّ مَصْلَحَةٍ تُتَخَيَّلُ فِي كُلِّ وَاقِعَةٍ مَحْبُوسَةٍ بِالْأُصُولِ الْمُتَعَارِضَةِ لَا بُدَّ أَنْ تَشْهَدَ الْأُصُولُ بِرَدِّهَا أَوْ قَبُولِهَا اهـ.

وَفِي التَّلْوِيحِ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ وَأَمَّا الْمَصْلَحَةُ الضَّرُورِيَّةُ فَلَا بُعْدَ فِي أَنْ يُؤَدِّيَ إلَيْهَا رَأْيُ مُجْتَهِدٍ، وَإِنْ لَمْ يَشْهَدْ لَهُ أَصْلٌ مُعَيَّنٌ، وَلَهَا نَظَائِرُ مِنْهَا رَمْيُ الْكُفَّارِ الْمُتَتَرِّسِينَ بِأَسْرَى الْمُسْلِمِينَ فِي الْحَرْبِ الْمُؤَدِّي إلَى قَتْلِ التُّرْسِ مَعَهُمْ إذَا قُطِعَ أَوْ ظَنَّ ظَنًّا قَرِيبًا مِنْ الْقَطْعِ بِأَنَّهُمْ إنْ لَمْ يَرْمُوا اسْتَأْصَلُوا الْمُسْلِمِينَ بِالْقَتْلِ التُّرْسَ، وَغَيْرَهُ، وَإِنْ رَمَوْا سَلِمَ غَيْرُ التُّرْسِ فَيَجُوزُ رَمْيُهُمْ لِحِفْظِ بَاقِي الْأُمَّةِ فَإِنَّا نَعْلَمُ قَطْعًا بِأَدِلَّةٍ خَارِجَةٍ عَنْ الْحَصْرِ أَنَّ تَعْلِيلَ الْقَتْلِ مَقْصُودٌ لِلشَّارِعِ كَمَنْعِهِ بِالْكُلِّيَّةِ لَكِنْ قَتْلُ مَنْ لَمْ يُذْنِبْ غَرِيبٌ لَمْ يَشْهَدْ لَهُ أَصْلٌ مَعَنَا، وَنَحْنُ إنَّمَا نُجَوِّزُ عِنْدَ الْقَطْعِ أَوْ ظَنٍّ قَرِيبٍ مِنْ الْقَطْعِ، وَبِهَذَا الِاعْتِبَارِ تَخَصَّصَ الْحُكْمُ مِنْ الْعُمَومَاتِ الْوَارِدَةِ فِي الْمَنْعِ عَنْ الْقَتْلِ بِغَيْرِ حَقٍّ لِمَا نَعْلَمُ قَطْعًا أَنَّ الشَّرْعَ يُؤْثِرُ الْحُكْمَ الْكُلِّيَّ عَلَى الْجُزْئِيِّ، وَأَنَّ حِفْظَ أَصْلِ الْإِسْلَامِ أَهَمُّ مِنْ حِفْظِ دَمِ مُسْلِمٍ وَاحِدٍ، وَهَذَا، وَإِنْ سَمَّيْنَاهُ مَصْلَحَةً مُرْسَلَةً لَكِنَّهَا رَاجِعَةٌ إلَى الْأُصُولِ الْأَرْبَعَةِ لِأَنَّ مُرَجِّحَ الْمَصْلَحَةِ إلَى حِفْظِ مَقَاصِدِ الشَّرْعِ الْمَعْلُومَةِ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ، وَلِأَنَّ كَوْنَ هَذِهِ الْمَعَانِي عُرِفَتْ لَا بِدَلِيلٍ وَاحِدٍ بَلْ بِأَدِلَّةٍ كَثِيرَةٍ لَا حَصْرَ لَهَا مِنْ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَقَرَائِنِ الْأَحْوَالِ وَتَفَارِيقِ الْأَمَارَاتِ سَمَّيْنَاهَا مَصْلَحَةً مُرْسَلَةً لَا قِيَاسًا إذْ الْقِيَاسُ أَصْلٌ مُعَيَّنٌ. اهـ

بِتَوْضِيحٍ مِنْ الْمَحَلِّيّ قَالَ الشِّرْبِينِيُّ فَعُلِمَ مِنْ قَوْلِهِ: وَنَحْنُ إنَّمَا نُجَوِّزُهُ إلَخْ أَنَّهُ هُوَ لَا يَقُولُ بِهِ أَيْ الْمُرْسَلِ عِنْدَ فَقْدِ الشُّرُوطِ أَمَّا غَيْرُهُ فَيَجُوزُ أَنْ يَقُولَ بِهِ عِنْدَ الْفَقْدِ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِهِ قَبْلَ ذَلِكَ فَلَا بُعْدَ فِي أَنْ يُؤَدِّيَ إلَيْهَا رَأْيُ مُجْتَهِدٍ، وَمِنْ قَوْلِهِ، وَلِأَنَّ كَوْنَ هَذِهِ الْمَعَانِي إلَخْ أَنَّهُ إنَّمَا جَعَلَ هَذِهِ مِنْ الْمَصَالِحِ الْمُرْسَلَةِ لِعَدَمِ تَعَيُّنِ الدَّلِيلِ، وَإِنْ رَجَعَتْ إلَى الْأُصُولِ الْأَرْبَعَةِ لَا لِعَدَمِ الدَّلِيلِ كَمَا فِي غَيْرِهِمَا مِنْ الْمَصَالِحِ الْمُرْسَلَةِ فَإِطْلَاقُ الْمُرْسَلِ عَلَيْهَا بِطَرِيقِ الْمُشَابَهَةِ فِي عَدَمِ تَعَيُّنِ الدَّلِيلِ، وَإِنْ كَانَ فِي غَيْرِهَا لَا لِعَدَمِهِ فَلْيُتَأَمَّلْ اهـ.

وَفِي حَاشِيَةِ الْعَطَّارِ عَنْهُ فِي الْمَنْخُولِ أَنَّهُ ذَكَرَ مِنْ نَظَائِرِهَا أَنَّا لَوْ فَرَضْنَا انْقِلَابَ أَمْوَالِ الْعَالَمِ بِجُمْلَتِهَا مُحَرَّمَةً لِكَثْرَةِ الْمُعَامَلَاتِ الْفَاسِدَةِ وَاشْتِبَاهِ الْغُصُوبِ بِغَيْرِهَا عَسِرَ الْوُصُولُ إلَى الْحَلَالِ الْمَحْضِ.

وَقَدْ وَقَعَ فَنُبِيحُ لِكُلِّ مُحْتَاجٍ أَنْ يَأْخُذَ مِقْدَارَ كِفَايَتِهِ مِنْ كُلِّ مَالٍ لِأَنَّ تَحْرِيمَ التَّنَاوُلِ يُفْضِي إلَى الْهَلَاكِ، وَتَخْصِيصُهُ بِمِقْدَارِ سَدِّ الرَّمَقِ يُكَفُّ النَّاسَ عَنْ مُعَامَلَاتِهِمْ الدِّينِيَّةِ وَالدُّنْيَوِيَّةِ، وَيَتَدَاعَى ذَلِكَ إلَى فَسَادِ الدُّنْيَا وَخَرَابِ

<<  <  ج: ص:  >  >>