«فِيمَا سَقَتْ السَّمَاءُ الْعُشْرُ» أَنَّ مَقْصُودَ الْحَدِيثِ بَيَانُ الْجُزْءِ الْوَاجِبِ فِي الزَّكَاةِ لَا بَيَانُ مَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ.
وَعَنْ الْأَوَّلِ أَيْضًا جَوَابٌ آخَرُ، وَهُوَ أَنَّ الْعَامَّ فِي الْأَشْخَاصِ غَيْرُ عَامٍّ فِي الْأَحْوَالِ وَالْأَزْمِنَةِ وَالْبِقَاعِ وَالْمُتَعَلِّقَاتِ كَمَا تَقَرَّرَ فِي عِلْمِ الْأُصُولِ فَيَكُونُ الْحَدِيثُ مُطْلَقًا فِي أَحْوَالِ الْحَالِفِينَ فَيُحْمَلُ عَلَى الْحَالَةِ الْمُحْتَمَلَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ، وَهِيَ الْحَالَةُ الَّتِي فِيهَا الْخُلْطَةُ لِأَنَّهَا الْمُجْمَعُ عَلَيْهَا فَلَا يُحْتَجُّ بِهِ فِي غَيْرِهَا، وَإِلَّا لَكَانَ عَامًّا فِي الْأَحْوَالِ.
وَلَيْسَ كَذَلِكَ، وَالْجَوَابُ عَنْ الثَّانِي أَنَّ مَقْصُودَهُ بَيَانُ الْحَصْرِ، وَبَيَانُ مَا يَخْتَصُّ بِهِ مِنْهُمَا لَا بَيَانُ شَرْطِ ذَلِكَ أَلَا تَرَى أَنَّهُ أَعْرَضَ عَنْ شَرْطِ الْبَيِّنَةِ مِنْ الْعَدَالَةِ وَغَيْرِهَا، أَوْ نَقُولُ لَيْسَ هُوَ عَامًّا فِي الْأَشْخَاصِ لِأَنَّ الْمُخَالَطَةَ لِلشَّخْصِ الْوَاحِدِ لَا تَعُمُّ فَيُحْمَلُ عَلَى الْحَالَةِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا، وَالْحَدِيثُ الَّذِي رَوَيْنَاهُ، وَعَنْ الثَّالِثِ أَنَّهُ مُعَارِضٌ بِمَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ تَسَلُّطِ الْفَسَقَةِ السَّفَلَةِ عَلَى الْأَتْقِيَاءِ الْأَخْيَارِ بِالتَّحْلِيفِ عِنْدَ الْقُضَاةِ، وَأَنَّهُ يُفْتَحُ بَابُ دَعْوَى أَحَدِ الْعَامَّةِ عَلَى الْخَلِيفَةِ أَوْ الْقَاضِي أَنَّهُ اسْتَأْجَرَهُ أَوْ أَعْيَانِ الْعُلَمَاءِ أَنَّهُ قَاوَلَهُ، وَعَاقَدَهُ عَلَى كَنْسِ مِرْحَاضِهِ أَوْ خِيَاطَةِ قَلَنْسُوَتِهِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا يُقْطَعُ بِكَذِبِهِ فِيهِ فَطَرِيقُ الْجَمِيعِ بَيْنَ النُّصُوصِ وَالْقَوَاعِدِ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ اشْتِرَاطِ الْخُلْطَةِ فَهَذَا هُوَ الْمَنْهَجُ الْقَوِيمُ، وَهَاهُنَا ثَلَاثُ مَسَائِلَ:
(الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى) أَنَّ الْخُلْطَةَ حَيْثُ اُشْتُرِطَتْ قَالَ فِي الْجَوَاهِرِ فَثَبَتَ بِإِقْرَارِ الْخَصْمِ وَالشَّاهِدَيْنِ وَالشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ لِأَنَّهَا أَسْبَابُ الْأَمْوَالِ فَتَلْحَقُ بِهَا فِي الْحِجَاجِ، وَقَالَ ابْنُ لُبَابَةَ تَثْبُتُ بِشَهَادَةِ رَجُلٍ وَاحِدٍ، وَامْرَأَةٍ، وَجَعَلَهُ مِنْ بَابِ الْخَبَرِ، وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ
(الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) إذَا دَفَعَ الدَّعْوَى بِعَدَاوَةٍ، وَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ لَا يَحْلِفُ لِأَنَّ الْعَدَاوَةَ مُقْتَضَاهَا الْإِضْرَارُ بِالتَّحْلِيفِ وَالْبِذْلَةِ عِنْدَ الْحَاكِمِ، وَقِيلَ يَحْلِفُ لِظَاهِرِ الْخَبَرِ
(الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ) قَالَ أَبُو عُمَرَ أَنَّ خَمْسَ مَوَاطِنَ لَا تُشْتَرَطُ فِيهَا الْخُلْطَةُ الصَّانِعُ، وَالْمُتَّهَمُ بِالسَّرِقَةِ، وَالْقَائِلُ عِنْدَ مَوْتِهِ لِي عِنْدَ فُلَانٍ دَيْنٌ، وَالْمُتَضَيِّفُ عِنْدَ الرَّجُلِ فَيَدَّعِي عَلَيْهِ وَالْعَارِيَّةُ، الْوَدِيعَةُ.
(الْفَرْقُ الثَّامِنُ وَالثَّلَاثُونَ وَالْمِائَتَانِ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا هُوَ حُجَّةٌ عِنْدَ الْحُكَّامِ وَقَاعِدَةِ مَا لَيْسَ بِحُجَّةٍ عِنْدَهُمْ)
قَدْ تَقَدَّمَ الْفَرْقُ بَيْنَ الْأَدِلَّةِ، وَالْأَسْبَابِ وَالْحِجَاجِ، وَأَنَّ الْأَدِلَّةَ شَأْنُ الْمُجْتَهِدِينَ، وَالْحِجَاجَ شَأْنُ الْقُضَاةِ وَالْمُتَحَاكِمِينَ وَالْأَسْبَابَ تَعْتَمِدُ الْمُكَلَّفِينَ، وَالْمَقْصُودُ هَاهُنَا إنَّمَا هُوَ الْحِجَاجُ فَنَقُولُ، وَبِاَللَّهِ نَسْتَعِينُ
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
الْأَوَّلُ «قَضِيَّةُ هِلَالِ بْنِ أُمَيَّةَ فِي الصَّحِيحِ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حِينَ فَرَّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ امْرَأَتِهِ بِاللِّعَانِ قَالَ فَإِنْ جَاءَتْ بِهِ عَلَى صِفَةِ كَذَا فَهُوَ لِشَرِيكٍ فَجَاءَتْ بِهِ عَلَى تِلْكَ الصِّفَةِ» ، وَتَبَيَّنَ الْأَمْرُ عَلَى مَا قَالَ هِلَالٌ، وَأَنَّ الْفُرْقَةَ لَمْ تَكُنْ مَوْجُودَةً، وَمَعَ ذَلِكَ لَمْ يَفْسَخْ تِلْكَ الْفُرْقَةَ، وَأَمْضَاهَا فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ حُكْمَ الْحَاكِمِ يَقُومُ مَقَامَ الْفَسْخِ وَالْعَقْدِ، وَجَوَابُهُ أَنَّ الْفُرْقَةَ فِي اللِّعَانِ لَيْسَتْ بِسَبَبِ صِدْقِ الزَّوْجِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ قَامَتْ الْبَيِّنَةُ بِصِدْقِهِ لَمْ تَعُدْ إلَيْهِ، وَإِنَّمَا كَانَتْ بِسَبَبِ أَنَّهُمَا وَصَلَا إلَى أَسْوَأِ الْأَحْوَالِ فِي الْمُقَابَحَةِ بِالتَّلَاعُنِ فَلَمْ يَرَ الشَّارِعُ اجْتِمَاعَهُمَا بَعْدَ ذَلِكَ لِأَنَّ الزَّوْجِيَّةَ مَبْنَاهَا السُّكُونُ وَالْمَوَدَّةُ، وَمَا تَقَدَّمَ مِنْ اللِّعَانِ يَمْنَعُ ذَلِكَ فَعَلِمَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْكَذِبِ كَالْبَيِّنَةِ إذَا قَامَتْ
(وَالثَّانِي) مَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ ادَّعَى عِنْدَهُ رَجُلٌ نِكَاحَ امْرَأَةٍ، وَشَهِدَ لَهُ شَاهِدَانِ فَقَضَى بَيْنَهُمَا بِالزَّوْجِيَّةِ فَقَالَتْ: وَاَللَّهِ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ مَا تَزَوَّجَنِي فَاعْقِدْ بَيْنَنَا عَقْدًا حَتَّى أَحِلَّ لَهُ فَقَالَ شَاهِدَاك زَوَّجَاك فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ النِّكَاحَ ثَبَتَ بِحُكْمِهِ وَجَوَابُهُ أَنَّهُ وَإِنْ صَحَّ فَلَا حُجَّةَ لَهُ لِأَنَّهُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَضَافَ التَّزَوُّجَ لِلشُّهُودِ لَا لِحُكْمِهَا، وَمَنَعَهَا مِنْ الْعَقْدِ لِمَا فِيهِ مِنْ الطَّعْنِ عَلَى الشُّهُودِ فَأَخْبَرَهَا بِأَنَّهُ زَوْجُهَا ظَاهِرًا، وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لِلْفُتْيَا، وَمَا النِّزَاعُ إلَّا فِيهَا.
(وَالثَّالِثُ) الْقِيَاسُ عَلَى اللِّعَانِ فَإِنَّهُ يُفْسَخُ بِهِ النِّكَاحُ، وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا كَاذِبًا فَالْحُكْمُ أَوْلَى لِأَنَّ لِلْحَاكِمِ وِلَايَةً عَامَّةً عَلَى النَّاسِ فِي الْعُقُودِ، وَجَوَابُهُ أَنَّ كَذِبَ أَحَدِهِمَا لَمْ يَتَعَيَّنْ بِاللِّعَانِ، وَلَمْ يَخْتَصَّ بِهِ أَمَّا عَدَمُ تَعْيِينِهِ فَلِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ مُسْتَنَدُهُ فِي اللِّعَانِ كَوْنَهُ لَمْ يَطَأْهَا بَعْدَ حَيْضَتِهَا مَعَ أَنَّ الْحَامِلَ قَدْ تَحِيضُ أَوْ قَرَائِنَ حَالِيَّةً مِثْلُ كَوْنِهِ رَأَى رَجُلًا بَيْنَ فَخِذَيْهَا مَعَ أَنَّ الْقَرَائِنَ قَدْ تَكْذِبُ كَأَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الرَّجُلُ لَمْ يُولِجْ أَوْ أَوْلَجَ، وَمَا أَنْزَلَ، وَأَمَّا عَدَمُ اخْتِصَاصِهِ بِاللِّعَانِ فَلِأَنَّ الْمُتَدَاعِيَيْنِ فِي النِّكَاحِ أَوْ غَيْرِهِ قَدْ يَكُونُ أَحَدُهُمَا كَاذِبًا فَاجِرًا يَطْلُبُ مَا يَعْلَمُ خِلَافَهُ، وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْحُكْمَ يَقُومُ مَقَامَ الْفَسْخِ وَالْعَقْدِ بَلْ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ التَّلَاعُنَ يَمْنَعُ الزَّوْجِيَّةَ
(وَالرَّابِعُ) أَنَّ الْحَاكِمَ لَهُ أَهْلِيَّةُ الْعَقْدِ وَالْفَسْخِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ أَوْقَعَ الْعَقْدَ عَلَى وَجْهٍ لَوْ فَعَلَهُ الْمَالِكُ نَفَذَ، وَجَوَابُهُ أَنَّ صَاحِبَ الشَّرْعِ إنَّمَا جَعَلَ لِلْحَاكِمِ الْعَقْدَ لِلْغَائِبِ وَالْمَحْجُورِ عَلَيْهِمْ وَنَحْوِهِمْ بِطَرِيقِ الْوَكَالَةِ لِتَعَذُّرِ الْمُبَاشَرَةِ مِنْهُمْ، وَهَا هُنَا لَا ضَرُورَةَ لِذَلِكَ، وَالْأَصْلُ أَنْ يَلِيَ كُلُّ وَاحِدٍ مَصَالِحَ نَفْسِهِ، وَلَا يَتْرُكُ الْأَصْلَ عِنْدَ عَدَمِ الْمُعَارِضِ
(وَالْخَامِسُ) أَنَّ الْمَحْكُومَ عَلَيْهِ لَا يَجُوزُ لَهُ الْمُخَالَفَةُ، وَيَجِبُ عَلَيْهِ التَّسْلِيمُ فَصَارَ حُكْمُ اللَّهِ تَعَالَى فِي حَقِّهِ مَا حَكَمَ لَهُ الْحَاكِمُ، وَإِنْ عَلِمَ خِلَافَهُ فَكَذَلِكَ غَيْرُهُ قِيَاسًا عَلَيْهِ، وَجَوَابُهُ أَنَّ الْمَحْكُومَ عَلَيْهِ إنَّمَا حَرُمَتْ