للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْحِجَاجُ الَّتِي يَقْضِي بِهَا الْحَاكِمُ سَبْعَ عَشْرَةَ حُجَّةً الشَّاهِدَانِ، الشَّاهِدَانِ وَالْيَمِينُ، وَالْأَرْبَعَةُ فِي الزِّنَا، وَالشَّاهِدُ وَالْيَمِينُ وَالْمَرْأَتَانِ، وَالْيَمِينُ وَالشَّاهِدُ وَالنُّكُولُ، وَالْمَرْأَتَانِ وَالنُّكُولُ، وَالْيَمِينُ وَالنُّكُولُ، وَأَرْبَعَةُ أَيْمَانٍ فِي اللِّعَانِ، وَخَمْسُونَ يَمِينًا فِي الْقَسَامَةِ، وَالْمَرْأَتَانِ فَقَطْ فِي الْعُيُوبِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالنِّسَاءِ، وَالْيَمِينُ وَحْدَهَا بِأَنْ يَتَحَالَفَا، وَيُقَسِّمُ بَيْنَهُمَا فَيَقْضِي لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِيَمِينِهِ وَالْإِقْرَارُ، وَشَهَادَةُ الصِّبْيَانِ، وَالْقَافَةُ، وَقُمُطُ الْحِيطَانِ، وَشَوَاهِدُهَا، وَالْيَدُ فَهَذِهِ هِيَ الْحِجَاجُ الَّتِي يَقْضِي بِهَا الْحَاكِمُ، وَمَا عَدَاهُ لَا يَقْضِي بِهِ عِنْدَنَا، وَفِيهَا شُبُهَاتٌ، وَاخْتِلَافٌ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ أُنَبِّهُ عَلَيْهِ فَأَذْكُرُ مَا اُخْتُلِفَ فِيهِ حُجَّةً حُجَّةً بِانْفِرَادِهَا، وَأُورِدُ الْكَلَامَ فِيهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى الْحُجَّةُ

(الْأُولَى الشَّاهِدَانِ) وَالْعَدَالَةُ فِيهِمَا شَرْطٌ عِنْدَنَا، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ الْعَدَالَةُ حَقٌّ لِلْخَصْمِ فَإِنْ طَلَبَهَا فَحَصَ الْحَاكِمُ عَنْهَا، وَإِلَّا فَلَا، وَعِنْدَنَا هِيَ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى يَجِبُ عَلَى الْحَاكِمِ أَنْ لَا يَحْكُمَ حَتَّى يُحَقِّقَهَا، وَقَالَ مُتَأَخِّرُو الْحَنَفِيَّةِ إنَّمَا كَانَ قَوْلُ الْمَجْهُولِ مَقْبُولًا فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ حَيْثُ كَانَ الْغَالِبُ الْعَدَالَةَ فَأُلْحِقَ النَّادِرُ بِالْغَالِبِ فَجَعَلَ الْكُلَّ عُدُولًا.

وَأَمَّا الْيَوْمُ فَالْغَالِبُ الْفُسُوقُ فَيُلْحَقُ النَّادِرُ بِالْغَالِبِ حَتَّى تَثْبُتَ الْعَدَالَةُ، وَالْمَنْقُولُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ هُوَ الْأَوَّلُ، وَاسْتَثْنَى الْحُدُودَ فَلَا يَكْتَفِي فِيهَا بِمُجَرَّدِ الْإِسْلَامِ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ الْعَدَالَةِ لِأَنَّ الْحُدُودَ حَقٌّ لِلَّهِ تَعَالَى، وَهُوَ ثَابِتٌ فَتُطْلَبُ الْعَدَالَةُ، وَإِذَا كَانَ الْمَحْكُومُ بِهِ حَقًّا لِآدَمِيٍّ يَجْرَحُهَا وَجَبَ الْبَحْثُ عَنْهُمَا لَنَا إجْمَاعُ الصَّحَابَةِ فَإِنَّ رَجُلَيْنِ شَهِدَا عِنْدَ عُمَرَ فَقَالَ لَا أَعْرِفُكُمَا، وَلَا يَضُرُّكُمَا أَنْ لَا أَعْرِفَكُمَا فَجَاءَ رَجُلٌ فَقَالَ أَتَعْرِفُهُمَا قَالَ نَعَمْ قَالَ لَهُ أَكُنْت مَعَهُمَا فِي سَفَرٍ يَتَبَيَّنُ عَنْ جَوَاهِرِ النَّاسِ قَالَ لَا قَالَ فَأَنْتَ جَارُهُمَا تَعْرِفُ صَبَاحَهُمَا، وَمَسَاءَهُمَا قَالَ لَا قَالَ أَعَامَلْتهمَا بِالدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ الَّتِي تَقْطَعُ بَيْنَهُمَا الْأَرْحَامَ قَالَ لَا فَقَالَ ابْنُ أَخِي مَا تَعْرِفُهُمَا ائْتِيَانِي بِمَنْ يَعْرِفُكُمَا، وَهَذَا بِحَضْرَةِ الصَّحَابَةِ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ يَحْكُمُ إلَّا بِحَضْرَتِهِمْ، وَلَمْ يُخَالِفْهُ أَحَدٌ فَكَانَ إجْمَاعًا، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ مَا سَأَلَ عَنْ تِلْكَ الْأَسْبَابِ مِنْ السَّفَرِ وَغَيْرِهِ إلَّا وَقَدْ عُرِفَ إسْلَامُهَا لِأَنَّهُ لَمْ يَقُلْ أَتَعْرِفُهُمَا مُسْلِمَيْنِ، وَلَيْسَ ذَلِكَ اسْتِحْبَابًا لِأَنَّ تَعْجِيلَ الْحُكْمِ وَاجِبٌ عَلَى الْفَوْرِ عِنْدَ وُجُودِ الْحُجَّةِ لِأَنَّ أَحَدَ الْخَصْمَيْنِ عَلَى مُنْكِرٌ غَالِبًا، وَإِزَالَةُ الْمُنْكَرِ وَاجِبٌ عَلَى الْفَوْرِ، وَالْوَاجِبُ لَا يُؤَخَّرُ إلَّا لِوَاجِبٍ، وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} [الطلاق: ٢] مَفْهُومُهُ أَنَّ غَيْرَ الْعَدْلِ لَا يُسْتَشْهَدُ، وَقَوْلُهُ {مِنْكُمْ} [الطلاق: ٢] إشَارَةٌ إلَى الْمُسْلِمِينَ فَلَوْ كَانَ الْإِسْلَامُ كَافِيًا لَمْ يَبْقَ فِي لِتَقْيِيدِ فَائِدَةٍ.

وَالْعَدْلُ مَأْخُوذٌ

ــ

[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]

عَلَيْهِ الْمُخَالَفَةُ لِمَا فِيهَا مِنْ مَفْسَدَةِ مُشَاقَةِ الْحُكَّامِ وَانْخِرَامِ النِّظَامِ وَتَشْوِيشِ نُفُوذِ الْمَصَالِحِ، وَأَمَّا مُخَالَفَتُهُ بِحَيْثُ لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ حَاكِمٌ وَلَا غَيْرُهُ فَجَائِزَةٌ.

٢ -

(الْقِسْمُ الرَّابِعُ) مَا تَتَنَاوَلُهُ الْوِلَايَةُ، وَصَادَفَ فِيهِ الْحُجَّةَ وَالدَّلِيلَ وَالسَّبَبَ غَيْرَ أَنَّهُ مُتَّهَمٌ فِيهِ كَقَضَائِهِ لِنَفْسِهِ فَإِنَّهُ يُفْسَخُ لِأَنَّ الْقَاعِدَةَ أَنَّ التُّهْمَةَ تَقْدَحُ فِي التَّصَرُّفَاتِ إجْمَاعًا مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةُ، وَإِلَّا فَالتُّهْمَةُ عَلَى ثَلَاثِ مَرَاتِبَ أَعْلَاهَا كَقَضَائِهِ لِنَفْسِهِ مُعْتَبَرٌ إجْمَاعًا وَأَدْنَاهَا كَقَضَائِهِ لِجِيرَانِهِ وَأَهْلِ صَقْعِهِ وَقَبِيلَتِهِ مَرْدُودٌ إجْمَاعًا، وَالْمُتَوَسِّطُ مِنْهَا مُخْتَلَفٌ فِيهِ هَلْ يَلْحَقُ بِالْأَوَّلِ أَوْ بِالثَّانِي، وَأَصْلُهَا أَيْ الْقَاعِدَةِ الْمَذْكُورَةِ قَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ خَصْمٍ وَلَا ظَنِينٍ» أَيْ مُتَّهَمٍ قَالَ ابْنُ يُونُسَ فِي الْمَوَّازِيَّةِ كُلُّ مَنْ لَا تَجُوزُ شَهَادَتُهُ لَهُ لَا يَجُوزُ حُكْمُهُ لَهُ.

وَقَالَهُ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - لِأَنَّ حُكْمَ الْحَاكِمِ لَازِمٌ لِلْمَقْضِيِّ عَلَيْهِ فَهُوَ أَوْلَى بِالرَّدِّ مِنْ الشَّهَادَةِ لِأَنَّ فَوْقَ الشَّاهِدِ مَنْ يَنْظُرُ عَلَيْهِ فَيَضْعُفُ الْإِقْدَامُ عَلَى الْبَاطِلِ فَتَضْعُفُ التُّهْمَةُ قَالَ وَلَا يُحْكَمُ لِعَمِّهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ مُبَرِّزًا وَجَوَّزَهُ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -.

وَقَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ لَا يُحْكَمُ لِوَلَدِهِ الصَّغِيرِ أَوْ يَتِيمِهِ أَوْ امْرَأَتِهِ، وَيَجُوزُ لِغَيْرِ هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَةِ كَالْأَبِ وَالِابْنِ الْكَبِيرِ، وَإِنْ امْتَنَعَتْ الشَّهَادَةُ فَإِنَّ مَنْصِبَ الْقَضَاءِ أَبْعَدُ عَنْ التُّهَمِ لِوُفُورِ جَلَالَةِ الْقَاضِي دُونَ الشَّاهِدِ.

وَقَالَ أَصْبَغُ إنْ قَالَ ثَبَتَ عِنْدِي، وَلَا نَعْلَمُ أَثْبَتَ أَمْ لَا، وَلَمْ يَحْضُرْهُ الشُّهُودُ لَمْ يَنْفُذْ فَإِنْ حَضَرَ الشُّهُودُ، وَكَانَتْ شَهَادَةً ظَاهِرَةً بِحَقٍّ بَيِّنٍ جَازَ فِيمَا عَدَا الثَّلَاثَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ أَعْنِي حُكْمَهُ لِوَلَدِهِ الصَّغِيرِ أَوْ يَتِيمِهِ أَوْ امْرَأَتِهِ لِأَنَّ اجْتِمَاعَ هَذِهِ الْأُمُورِ أَيْ حُضُورَ الشُّهُودِ، وَكَوْنَ الشَّهَادَةِ ظَاهِرَةً، وَبِحَقٍّ بَيِّنٍ تَضْعُفُ التُّهْمَةُ، وَهُوَ الْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الشَّهَادَةِ، وَعَنْ أَصْبَغَ الْجَوَازُ فِي الْوَلَدِ وَالزَّوْجَةِ وَالْأَخِ وَالْمُكَاتَبِ وَالْمُدَبَّرِ وَالْمِدْيَانِ إنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْقِيَامِ بِالْحَقِّ، وَصَحَّ الْحُكْمُ، وَقَدْ يَحْكُمُ لِلْخَلِيفَةِ، وَهُوَ فَوْقَهُ، وَتُهْمَتُهُ أَقْوَى، وَلَا يَنْبَغِي لَهُ الْقَضَاءُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ عَشِيرَتِهِ وَخَصْمِهِ، وَإِنْ رَضِيَ الْخَصْمُ بِخِلَافِ رَجُلَيْنِ رَضِيَا بِحُكْمِ رَجُلٍ أَجْنَبِيٍّ فَيَنْفُذُ ذَلِكَ عَلَيْهِمَا، وَلَا يَقْضِي بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ، وَإِنْ رَضِيَ الْخَصْمُ بِذَلِكَ فَإِنْ فَعَلَ فَيُشْهِدُ عَلَى رِضَاهُ، وَيَجْتَهِدُ فِي الْحَقِّ فَإِنْ قَضَى لِنَفْسِهِ أَوْ لِمَنْ يَمْتَنِعُ قَضَاؤُهُ لَهُ فَلْيَذْكُرْ الْقِصَّةَ كُلَّهَا، وَرَضِيَ خَصْمِهِ، وَشَهَادَةَ مَنْ شَهِدَ بِرِضَى الْخَصْمِ.

وَإِذَا فَعَلَ ذَلِكَ فِي مَوَاطِنِ خِلَافِ الْعُلَمَاءِ، وَرَأَى أَفْضَلَ مِنْهُ فَالْأَحْسَنُ فَسْخُهُ فَإِنْ مَاتَ أَوْ عُزِلَ فَلَا يَفْسَخُهُ غَيْرُهُ إلَّا فِي الْخَطَأِ الْبَيِّنِ فَإِنْ اجْتَمَعَ فِي الْقَضِيَّةِ حَقُّهُ، وَحَقُّ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ كَالسَّرِقَةِ قَالَ مُحَمَّدٌ يَقْطَعُهُ.

وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ يَرْفَعُهُ لِمَنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>