للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لَوْ كَانَ الْحَدْسُ بَاطِلًا شَرْعًا لَمَا سُرَّ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَا يُسَرُّ بِالْبَاطِلِ.

وَثَانِيهَا أَنَّ إقْرَارَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَلَى الشَّيْءِ مِنْ جُمْلَةِ الْأَدِلَّةِ عَلَى الْمَشْرُوعِيَّةِ، وَقَدْ أَقَرَّ مُجَزِّزًا عَلَى ذَلِكَ فَيَكُونُ حَقًّا مَشْرُوعًا لَا يُقَالُ النِّزَاعُ إنَّمَا هُوَ فِي إلْحَاقِ الْوَلَدِ، وَهَذَا كَانَ مُلْحَقًا بِأَبِيهِ فِي الْفِرَاشِ فَمَا تَعَيَّنَ مَحَلُّ النِّزَاعِ، وَأَيْضًا سُرُورُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لِتَكْذِيبِ الْمُنَافِقِينَ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَعْتَقِدُونَ صِحَّةَ الْقِيَافَةِ، وَتَكْذِيبُ الْمُنَافِقِينَ سَارٌّ بِأَيِّ سَبَبٍ كَانَ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «إنَّ اللَّهَ لِيُؤَيِّدَ هَذَا الدِّينَ بِالرَّجُلِ الْفَاجِرِ» فَقَدْ يُفْضِي الْبَاطِلُ لِلْخَيْرِ وَالْمَصْلَحَةِ.

وَأَمَّا عَدَمُ إنْكَارِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فَلِأَنَّ مُجَزِّزًا لَمْ يَتَعَيَّنْ أَنَّهُ أَخْبَرَ بِذَلِكَ لِأَجْلِ الْقِيَافَةِ فَلَعَلَّهُ أَخْبَرَ بِهِ بِنَاءً عَلَى الْقَرَائِنِ لِأَنَّهُ يَكُونُ رَآهُمَا قَبْلَ ذَلِكَ لِأَنَّا نَقُولُ مُرَادُنَا هَاهُنَا لَيْسَ أَنَّهُ ثَبَتَ النَّسَبُ بِمُجَزِّزٍ إنَّمَا مَقْصُودُنَا أَنَّ الشَّبَهَ الْخَاصَّ مُعْتَبَرٌ، وَقَدْ دَلَّ الْحَدِيثُ عَلَيْهِ، وَأَمَّا سُرُورُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِتَكْذِيبِ الْمُنَافِقِينَ فَكَيْفَ يَسْتَقِيمُ السُّرُورُ مَعَ بُطْلَانِ مُسْتَنَدِ التَّكْذِيبِ كَمَا لَوْ أَخْبَرَ عَنْ كَذِبِهِمْ رَجُلٌ كَاذِبٌ، وَإِنَّمَا يَثْبُتُ كَذِبُهُمْ إذَا كَانَ الْمُسْتَنَدُ حَقًّا فَيَكُونُ الشَّبَهُ حَقًّا، وَهُوَ الْمَطْلُوبُ، وَبِهَذَا التَّقْرِيرِ يَنْدَفِعُ قَوْلُكُمْ إنَّ الْبَاطِلَ قَدْ يَأْتِي بِالْحَسَنِ وَالْمَصْلَحَةِ فَإِنَّهُ عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ مَا أَتَى بِشَيْءٍ.

وَأَمَّا قَوْلُكُمْ أَخْبَرَ بِهِ لِرُؤْيَةٍ سَابِقَةٍ لِأَجْلِ الْفِرَاشِ فَالنَّاسُ كُلُّهُمْ يُشَارِكُونَهُ فِي ذَلِكَ فَأَيُّ فَائِدَةٍ فِي اخْتِصَاصِ السُّرُورِ بِقَوْلِهِ لَوْلَا أَنَّهُ حَكَمَ بِشَيْءٍ غَيْرِ الَّذِي كَانَ طَعْنُ الْمُشْرِكِينَ ثَابِتًا مَعَهُ، وَلَا كَانَ لِذِكْرِ الْأَقْدَامِ فَائِدَةٌ، وَحَدِيثُ الْعَجْلَانِيُّ قَالَ فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنْ جَاءَتْ بِهِ عَلَى نَعْتِ كَذَا، وَكَذَا فَأَرَاهُ قَدْ كَذَبَ عَلَيْهَا وَإِنْ أَتَتْ بِهِ عَلَى نَعْتِ كَذَا وَكَذَا فَهُوَ لِشَرِيكٍ فَلَمَّا أَتَتْ بِهِ عَلَى النَّعْتِ الْمَكْرُوهِ قَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَوْلَا الْأَيْمَانُ لَكَانَ لِي وَلَهَا شَأْنٌ» فَصَرَّحَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِأَنَّ وُجُودَ صِفَاتِ أَحَدِهِمَا فِي الْآخَرِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُمَا مِنْ نَسَبٍ وَاحِدٍ، وَلَا يُقَالُ إنَّ إخْبَارَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كَانَ مِنْ جِهَةِ الْوَحْيِ لِأَنَّ الْقِيَافَةَ لَيْسَتْ فِي بَنِي هَاشِمٍ إنَّمَا هِيَ فِي بَنِي مُدْلِجٍ، وَلَا قَالَ أَحَدٌ إنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كَانَ قَائِفًا، وَلِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَمْ يَحْكُمْ بِهِ لِشَرِيكٍ، وَأَنْتُمْ تُوجِبُونَ الْحُكْمَ بِمَا أَشْبَهَ أَيْضًا لَمْ تُحَدَّ الْمَرْأَةُ فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى عَدَمِ اعْتِبَارِ الشَّبَهِ لِأَنَّا نَقُولُ إنْ جَاءَ الْوَحْيُ بِأَنَّ الْوَلَدَ لَيْسَ يُشْبِهُهُ فَهُوَ مُؤَسِّسٌ لِمَا يَقُولُهُ، وَصَارَ الْحُكْمُ بِالشَّبَهِ أَوْلَى مِنْ الْحُكْمِ فِي الْفِرَاشِ لِأَنَّ الْفِرَاشَ يَدُلُّ عَلَيْهِ مِنْ ظَاهِرِ الْحَالِ، وَالشَّبَهَ يَدُلُّ عَلَى الْحَقِيقَةِ

ــ

[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]

وَالضَّرَرِ فَيَكْفِي فِيهِ الظَّنُّ الْقَرِيبُ مِنْ الْيَقِينِ.

وَأَمَّا اخْتِلَافُ الْعُلَمَاءِ فِي شَهَادَةِ الْأَعْمَى وَشَهَادَةِ الْبَصِيرِ، عَلَى الْخَطِّ، وَنَحْوِ ذَلِكَ، فَلَيْسَ خِلَافًا فِي الشَّهَادَةِ بِالظَّنِّ، بَلْ الْكَلَامُ فِي ذَلِكَ فِي تَحْقِيقِ مَنَاطٍ فَالْمَالِكِيَّةُ يَقُولُونَ: الْأَعْمَى قَدْ يَحْصُلُ لَهُ الْقَطْعُ بِتَمْيِيزِ بَعْضِ الْأَقْوَالِ فَيَشْهَدُ بِهَا، وَيَحْصُلُ لِلْبَصِيرِ الْقَطْعُ بِبَعْضِ الْخُطُوطِ فَيَشْهَدُ بِهَا فَمَا شَهِدَ إلَّا بِالْعِلْمِ، وَالشَّافِعِيَّةُ يَقُولُونَ لَا يَحْصُلُ الْعِلْمُ فِي ذَلِكَ لِالْتِبَاسِ الْأَصْوَاتِ وَكَثْرَةِ التَّزْوِيرِ فِي الْخُطُوطِ فَهَذَا هُوَ مُدْرَكُ التَّنَازُعِ بَيْنَهُمْ قَالَ الْأَصْلُ: وَالْأَصْلُ فِي الشَّهَادَةِ الْعِلْمُ وَالْيَقِينُ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى حِكَايَةً عَنْ إخْوَةِ يُوسُفَ - عَلَيْهِمْ السَّلَامُ - {وَمَا شَهِدْنَا إِلا بِمَا عَلِمْنَا} [يوسف: ٨١] وقَوْله تَعَالَى {إِلا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [الزخرف: ٨٦] وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَلَى مِثْلِ هَذَا فَاشْهَدْ أَيْ مِثْلُ الشَّمْسِ فَهَذَا ضَابِطُ مَا يَجُوزُ التَّحَمُّلُ فِي الشَّهَادَةِ بِهِ، وَقَدْ يَجُوزُ بِالظَّنِّ وَالسَّمَاعِ قَالَ صَاحِبُ الْقَبَسِ: مَا اتَّسَعَ أَحَدٌ فِي شَهَادَةِ السَّمَاعِ كَاتِّسَاعِ الْمَالِكِيَّةِ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ، الْحَاضِرُ مِنْهَا عَلَى الْخَاطِرِ خَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ مَوْضِعًا الْأَحْبَاسُ الْمِلْكُ الْمُتَقَادِمُ الْوَلَاءُ النَّسَبُ الْمَوْتُ الْوِلَايَةُ الْعَزْلُ الْعَدَالَةُ الْجُرْحَةُ، وَمَنَعَ سَحْنُونٌ ذَلِكَ فِيهِمَا قَالَ عُلَمَاؤُنَا: وَذَلِكَ إذَا لَمْ يُدْرِكْ زَمَانَ الْمَجْرُوحِ وَالْعَدْلِ فَإِنْ أَدْرَكَ فَلَا بُدَّ مِنْ الْعِلْمِ، الْإِسْلَامِ، الْكُفْرِ، الْحَمْلِ، الْوِلَادَةِ، التَّرْشِيدِ، السَّفَهِ، الصَّدَقَةِ، الْهِبَةِ، الْبَيْعِ فِي حَالِهِ الْمُتَقَادِمِ، الرَّضَاعِ، النِّكَاحِ، الطَّلَاقِ، الضَّرَرِ، الْوَصِيَّةِ، إبَاقِ الْعَبْدِ، الْحِرَابَةِ، وَزَادَ بَعْضُهُمْ الْبُنُوَّةَ، وَالْأُخُوَّةَ، وَزَادَ الْعَبْدِيُّ فِي الْحُرِّيَّةِ الْقَسَامَةَ فَهَذِهِ مَوَاطِنُ أَرَى الْأَصْحَابُ أَنَّهَا مَوَاطِنُ ضَرُورَةٍ فَيَجُوزُ تَحَمُّلُ الشَّهَادَةِ بِالظَّنِّ الْغَالِبِ انْتَهَى بِلَفْظِهِ قَالَ التَّاوَدِيُّ عَلَى الْعَاصِمِيَّةِ وَتَرْجِعُ شَهَادَةُ السَّمَاعِ كَمَا فِي الْمُتَيْطِيِّ لِلشَّهَادَةِ الَّتِي تُوجِبُ الْحَقَّ مَعَ الْيَمِينِ. ابْنُ عَرَفَةَ: هِيَ لَقَبٌ لِمَا يُصَرِّحُ فِيهِ الشَّاهِدُ بِاسْتِنَادِ شَهَادَتِهِ لِسَمَاعٍ مِنْ غَيْرِ مُعَيَّنٍ فَتَخْرُجُ شَهَادَةُ الْبَتِّ وَالنَّقْلِ أَيْ لِأَنَّ الْمَنْقُولَ عَنْهُ فِي شَهَادَةِ النَّقْلِ مُعَيَّنٌ قَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ عَنْ ابْنِ رُشْدٍ وَشَهَادَةُ السَّمَاعِ لَهَا ثَلَاثُ مَرَاتِبَ الْمَرْتَبَةُ الْأُولَى تُفِيدُ الْعِلْمَ، وَهِيَ الْمُعَبَّرُ عَنْهَا بِالتَّوَاتُرِ كَالسَّمَاعِ بِأَنَّ مَكَّةَ مَوْجُودَةٌ فَهَذِهِ بِمَنْزِلَةِ الشَّهَادَةِ بِالْمَرْوِيَّةِ وَغَيْرِهَا مِمَّا يُفِيدُ الْعِلْمَ.

(الْمَرْتَبَةُ الثَّانِيَةُ) شَهَادَةُ الِاسْتِفَاضَةِ، وَهِيَ تُفِيدُ ظَنًّا، يَقْرَبُ مِنْ الْقَطْعِ، وَيَرْتَفِعُ عَنْ السَّمَاعِ، مِثْلُ الشَّهَادَةِ بِأَنَّ نَافِعًا مَوْلَى ابْنِ عُمَرَ، وَأَنَّ ابْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ هُوَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَالْهِلَالُ إذَا رَآهُ الْجَمُّ الْغَفِيرُ مِنْ أَهْلِ الْبَلَدِ وَاسْتِفَاضَةِ الْعَدَالَةِ أَوْ الْجَرْحِ فَيَسْتَنِدُ لِذَلِكَ، وَلَا يُسْأَلُ عَنْ عَدَالَةِ الْمَشْهُودِينَ

(الْمَرْتَبَةُ الثَّالِثَةُ) شَهَادَةُ السَّمَاعِ، وَهِيَ الَّتِي تَكَلَّمَ عَلَيْهَا الْفُقَهَاءُ، وَهِيَ الْمُرَادَةُ هُنَا، وَالْكَلَامُ عَلَيْهَا فِي صِفَتِهَا، وَفِي مَحَالِّهَا، وَفِي شُرُوطِهَا فَأَمَّا صِفَتُهَا فَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ وَالْبَاجِيِّ شَرْطُ شَهَادَةِ السَّمَاعِ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا سَمَاعًا فَاشِيًا مِنْ أَهْلِ الْعَدْلِ وَغَيْرِهِمْ، وَإِلَّا لَمْ تَصِحَّ قَالَهُ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ الْأَخَوَيْنِ، وَقَالَهُ مُحَمَّدٌ قَالَا: وَلَا يُسَمُّوا مَنْ سَمِعُوا مِنْهُ فَإِنْ سَمَّوْا خَرَجَتْ مِنْ شَهَادَةِ السَّمَاعِ إلَى الشَّهَادَةِ عَلَى الشَّهَادَةِ، وَقَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ وَأَصْبَغُ، وَفِي اشْتِرَاطِ الْعَدَالَةِ فِي الْمَسْمُوعِ ثَالِثُهَا إلَّا فِي الرَّضَاعِ اهـ وَسَيَقُولُ النَّاظِمُ

<<  <  ج: ص:  >  >>