فَقَالَ مَا السَّبَبُ فَقَالَ الرَّجُلُ لَعَلَّ عِرْقًا نَزَعَ» فَلَمْ يَعْتَبِرْ الشَّبَهُ.
(الثَّانِي) بِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ» ، وَلَمْ يُفَرِّقْ. (الثَّالِثُ) أَنَّ خَلْقَ الْوَلَدِ مُغَيَّبٌ عَنَّا فَجَازَ أَنْ يُخْلَقَ مِنْ رَجُلَيْنِ، وَقَدْ نَصَّ عَلَيْهِ بُقْرَاطُ فِي كِتَابٍ سَمَّاهُ الْحَمْلُ عَلَى الْحَمْلِ. (الرَّابِعُ) وَلِأَنَّ الشَّبَهَ لَوْ كَانَ مُعْتَبَرًا مَعَ أَنَّهُ قَدْ يَقَعُ مِنْ الْوَلَدِ وَجَمَاعَةٍ لَوَجَبَ إلْحَاقُهُ بِهِمْ بِسَبَبِ الشَّبَهِ، وَلَمْ يَقُولُوا بِهِ. (الْخَامِسُ) وَلِأَنَّ الشَّبَهَ لَوْ كَانَ مُعْتَبَرًا لَبَطَلَتْ مَشْرُوعِيَّةُ اللِّعَانِ، وَاكْتُفِيَ بِهِ.
(السَّادِسُ) أَنَّهُ لَا حُكْمَ لَهُ مَعَ الْفِرَاشِ فَلَا يَكُونُ مُعْتَبَرًا عِنْدَ عَدَمِهِ كَغَيْرِهِ. (السَّابِعُ) أَنَّ الْقِيَافَةَ لَوْ كَانَتْ عِلْمًا لَأَمْكَنَ اكْتِسَابُهُ كَسَائِرِ الْعُلُومِ وَالصَّنَائِعِ. (الثَّامِنُ) أَنَّهُ حَزْرٌ وَتَخْمِينٌ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ بَاطِلًا كَأَحْكَامِ النُّجُومِ، وَالْجَوَابُ عَنْ الْأَوَّلِ أَنَّ تِلْكَ الصُّورَةَ لَيْسَتْ صُورَةَ النِّزَاعِ لِأَنَّهُ كَانَ صَاحِبَ فِرَاشٍ، وَإِنَّمَا سَأَلَهُ عَنْ اخْتِلَافِ اللَّوْنِ فَعَرَّفَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - السَّبَبَ، وَلِأَنَّا لَا نَقُولُ إنَّ الْقِيَافَةَ هِيَ اعْتِبَارُ الشَّبَهِ كَيْفَمَا كَانَ، وَالْمُنَاسَبَةُ كَيْفَ كَانَتْ بَلْ شَبَهٌ خَاصٌّ، وَلِذَلِكَ أَلْحَقُوا أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ مَعَ سَوَادِهِ بِأَبِيهِ الشَّدِيدِ الْبَيَاضِ بَلْ حَقِيقَتُهَا شَبَهٌ خَاصٌّ، وَلَا مُعَارَضَةَ بَيْنَ الْأَلْوَانِ وَغَيْرِهَا، وَلِذَلِكَ لَمْ يُعَرِّجْ مُجَزِّزٌ عَلَى اخْتِلَافِ الْأَلْوَانِ، وَهَذَا الرَّجُلُ لَمْ يَذْكُرْ إلَّا مُجَرَّدَ اللَّوْنِ فَلَيْسَ فِيهِ شَرْطُ الْقِيَافَةِ حَتَّى يَدُلَّ إلْغَاؤُهُ عَلَى إلْغَاءِ الْقِيَافَةِ، وَعَنْ الثَّانِي أَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى الْعَادَةِ وَالْغَالِبِ، وَعَنْ الثَّالِثِ أَنَّهُ خِلَافُ الْعَوَائِدِ، وَظَوَاهِرُ النُّصُوصِ الْمُتَقَدِّمَةُ تَأْبَاهُ، وَالشَّرْعُ إنَّمَا يَبْنِي أَحْكَامَهُ عَلَى الْغَالِبِ، وَبُقْرَاطُ تَكَلَّمَ عَلَى النَّادِرِ فَلَا تَعَارُضَ، وَعَنْ الرَّابِعِ أَنَّ الْحُكْمَ لَيْسَ مُضَافًا لِمَا يُشَاهَدُ مِنْ شَبَهِ الْإِنْسَانِ لِجَمِيعِ النَّاسِ، وَإِنَّمَا يُضَافُ لِشَبَهٍ خَاصٍّ يَعْرِفُهُ أَهْلُ الْقِيَافَةِ، وَعَنْ الْخَامِسِ أَنَّ الْقِيَافَةَ إنَّمَا تَكُونُ مِنْ حَيْثُ يَسْتَوِي الْفِرَاشَانِ، وَاللِّعَانُ يَكُونُ لِمَا يُشَاهِدُ الزَّوْجُ فَهُمَا بَابَانِ مُتَبَايِنَانِ لَا يَسُدُّ أَحَدُهُمَا مَسَدَ الْآخَرِ، وَعَنْ السَّادِسِ الْفَرْقُ بِأَنَّ وُجُودَ الْفِرَاشِ وَحْدَهُ سَالِمًا عَنْ الْمُعَارِضِ يَقْتَضِي اسْتِقْلَالَهُ بِخِلَافِ تَعَارُضِ الْفِرَاشَيْنِ، وَعَنْ السَّابِعِ أَنَّهُ قُوَّةٌ فِي النَّفْسِ، وَقُوَى النَّفْسِ وَخَوَاصُّهَا لَا يُمْكِنُ اكْتِسَابُهَا كَالْعَيْنِ الَّتِي يُصَابُ بِهَا فَتُدْخِلُ الْجَمَلَ الْقِدْرَ، وَالرَّجُلَ الْقَبْرَ، وَغَيْرُ ذَلِكَ مِمَّا دَلَّ الْوُجُودُ عَلَيْهِ مِنْ الْخَوَاصِّ فَالْقِيَافَةُ كَذَلِكَ حَتَّى يَتَعَذَّرَ اكْتِسَابُهَا.
وَعَنْ الثَّامِنِ أَنَّهُ لَوْ ثَبَتَتْ أَحْكَامُ النُّجُومِ كَمَا ثَبَتَتْ الْقِيَافَةُ، وَأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى رَبَطَ بِهَا أَحْكَامًا لَاعْتُبِرَتْ فِي تِلْكَ الْأَحْوَالِ الْمُرْتَبِطَةِ بِهَا كَمَا اُعْتُبِرَتْ الشَّمْسُ فِي الْفُصُولِ وَنُضْجِ الثِّمَارِ وَتَجْفِيفِ الْحُبُوبِ وَالْكُسُوفَاتِ وَأَوْقَاتِ الصَّلَوَاتِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا هُوَ مُعْتَبَرٌ مِنْ أَحْكَامِ النُّجُومِ، وَإِنَّمَا
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
وَزَادَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ خَمْسَةً، وَنَظَمَهَا بَعْضُهُمْ فَقَالَ:
وَقَدْ زِيدَ فِيهَا الْفَقْرُ وَالْأَسْرُ وَالْمَلَا ... وَلَوْثٌ وَعِتْقٌ فَاظْفَرَنَّ بِنَقْلِهِ
فَصَارَتْ لَدَى عَدٍّ ثَلَاثِينَ أُتْبِعَتْ ... بِثِنْتَيْنِ فَاطْلُبْ نَصَّهَا فِي مَحَلِّهِ
وَنَظَمَهَا أَيْضًا الْعَبْدُوسِيُّ وَذَيَّلَهُ ابْنُ غَازِيٍّ بِمَا زَادَهُ عَلَيْهِ إلَى أَنْ قَالَ فِي آخِرِهِ:
لَوْلَا التَّدَاخُلُ عِنْدَ عَدِّ الزَّائِدِ ... لَبَلَغَتْ خَمْسِينَ دُونَ وَاحِدِ
اهـ كَلَامُ التَّاوَدِيِّ مَعَ بَعْضِ إصْلَاحٍ.
وَحَذَفَ شَرْحَهُ لِأَبْيَاتِ الْعَاصِمِيَّةِ فَانْظُرْهُ، وَأَمَّا مَا لَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ مُسْتَنَدًا فَهُوَ مَا عَدَا الْأَمْرَيْنِ الْمَذْكُورِينَ، وَمِنْهُ الظَّنُّ الضَّعِيفُ، وَقَوْلُ الْأَصْلِ يَجُوزُ لِلشَّاهِدِ الْأَدَاءُ بِمَا عِنْدَهُ مِنْ الظَّنِّ الضَّعِيفِ فِي كَثِيرٍ مِنْ الصُّوَرِ فَلَوْ شَهِدَ بِقَبْضِ الدَّيْنِ جَازَ أَنْ يَكُونَ الَّذِي عَلَيْهِ الدَّيْنُ قَدْ دَفَعَهُ فَتَجُوزُ الشَّهَادَةُ عَلَيْهِ بِالِاسْتِصْحَابِ الَّذِي لَا يُفِيدُ إلَّا الظَّنَّ الضَّعِيفَ، وَكَذَلِكَ الثَّمَنُ فِي الْبَيْعِ مَعَ احْتِمَالِ دَفْعِهِ، وَيَشْهَدُ بِالْمِلْكِ الْمَوْرُوثِ لِوَارِثِهِ مَعَ جَوَازِ بَيْعِهِ بَعْدَ أَنْ وَرِثَهُ، وَيَشْهَدُ بِالْإِجَازَةِ وَلُزُومِ الْأُجْرَةِ مَعَ جَوَازِ الْإِقَالَةِ بَعْدَ ذَلِكَ بِنَاءً عَلَى الِاسْتِصْحَابِ فَالْحَاصِلُ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ كُلِّهَا إنَّمَا هُوَ الظَّنُّ الضَّعِيفُ بَلْ لَا يَكَادُ يُوجَدُ مَا يَبْقَى فِيهِ الْعِلْمُ إلَّا الْقَلِيلُ مِنْ الصُّوَرِ، وَمِنْ ذَلِكَ النَّسَبُ وَالْوَلَاءُ فَإِنَّهُ لَا يَقْبَلُ النَّقْلَ فَيَبْقَى الْعِلْمُ عَلَى حَالِهِ، وَمِنْ ذَلِكَ الشَّهَادَةُ بِالْإِقْرَارِ فَإِنَّهُ إخْبَارٌ عَنْ وُقُوعِ النُّطْقِ فِي الزَّمَنِ الْمَاضِي، وَذَلِكَ لَا يَرْتَفِعُ، وَمِنْ ذَلِكَ الْوَقْفُ إذَا حَكَمَ بِهِ حَاكِمٌ أَمَّا إذَا لَمْ يَحْكُمْ بِهِ حَاكِمٌ فَإِنَّ الشَّهَادَةَ إنَّمَا يَحْصُلُ فِيهَا الظَّنُّ فَقَطْ إذَا شَهِدَ بِأَنَّ هَذِهِ الدَّارَ وَقْفٌ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ حَاكِمٌ حَنَفِيٌّ حَكَمَ بِنَقْضِهِ فَتَأَمَّلْ هَذِهِ الْمَوَاطِنَ فَأَكْثَرُهَا إنَّمَا فِيهَا الظَّنُّ فَقَطْ، وَإِنَّمَا الْعِلْمُ فِي أَصْلِ الْمُدْرَكِ لَا فِي دَوَامِهِ فَقَوْلُ الْعُلَمَاءِ لَا تَجُوزُ الشَّهَادَةُ إلَّا بِالْعِلْمِ لَيْسَ عَلَى ظَاهِرِهِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُؤَدِّيَ إلَّا مَا هُوَ قَاطِعٌ بِهِ بَلْ الْمُرَادُ بِذَلِكَ أَنْ يَكُونَ أَصْلُ الْمُدْرَكِ عِلْمًا فَقَطْ اهـ بِتَصَرُّفٍ.
قَالَ الْمُحَقِّقُ أَبُو الْقَاسِمِ بْنُ الشَّاطِّ مَا قَالَهُ مِنْ أَنَّ الشَّاهِدَ فِي أَكْثَرِ الشَّهَادَاتِ لَا يَشْهَدُ إلَّا بِالظَّنِّ الضَّعِيفِ غَيْرُ صَحِيحٍ، وَإِنَّمَا يَشْهَدُ بِأَنَّ زَيْدًا وَرِثَ الْمَوْضِعَ الْفُلَانِيَّ مَثَلًا أَوْ اشْتَرَاهُ جَازِمًا بِذَلِكَ لَا ظَانًّا، وَاحْتِمَالُ كَوْنِهِ بَاعَ ذَلِكَ الْمَوْضِعَ لَا تَتَعَرَّضُ لَهُ شَهَادَةُ الشَّاهِدِ بِالْجَزْمِ لَا فِي نَفْيِهِ، وَلَا فِي إثْبَاتِهِ، وَلَكِنْ تَتَعَرَّضُ لَهُ بِنَفْيِ الْعِلْمِ بِبَيْعِهِ أَوْ خُرُوجِهِ عَنْ مِلْكِهِ عَلَى الْجُمْلَةِ فَمَا تَوَهَّمَ أَنَّهُ مُضَمَّنُ الشَّهَادَةِ لَيْسَ كَمَا تَوَهَّمَ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ اهـ.