كَاذِبٌ
(الْحُجَّةُ السَّابِعَةَ عَشْرَةَ) الْيَدُ، وَهِيَ يُرَجَّحُ بِهَا، وَيَبْقَى الْمُدَّعِي بِهِ لِصَاحِبِهَا، وَلَا يُقْضَى لَهُ بِمِلْكٍ بَلْ يُرَجَّحُ التَّعَدِّي فَقَطْ، وَتُرَجَّحُ إحْدَى الْبَيِّنَتَيْنِ، وَغَيْرِهِمَا مِنْ الْحِجَاجِ، وَهِيَ لِلتَّرْجِيحِ لَا لِلْقَضَاءِ بِالْمِلْكِ فَهَذِهِ هِيَ الْحِجَجُ الَّتِي يَقْضِي بِهَا الْحَاكِمُ، وَمَا عَدَاهَا لَا يَجُوزُ الْقَضَاءُ بِهِ فِي الْقَضَاءِ.
(الْفَرْقُ التَّاسِعُ وَالثَّلَاثُونَ وَالْمِائَتَانِ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا اُعْتُبِرَ مِنْ الْغَالِبِ وَبَيْنَ مَا أُلْغِيَ مِنْ الْغَالِبِ) :
وَقَدْ يُعْتَبَرُ النَّادِرُ مَعَهُ، وَقَدْ يُلْغَيَانِ مَعًا اعْلَمْ أَنَّ الْأَصْلَ اعْتِبَارُ الْغَالِبِ، وَتَقْدِيمُهُ عَلَى النَّادِرِ، وَهُوَ شَأْنُ الشَّرِيعَةِ كَمَا يُقَدَّمُ الْغَالِبُ فِي طَهَارَةِ الْمِيَاهِ وَعُقُودِ الْمُسْلِمِينَ، وَيَقْصِرُ فِي السَّفَرِ، وَيُفْطِرُ بِنَاءً عَلَى غَالِبِ الْحَالِ، وَهُوَ الْمَشَقَّةُ، وَيَمْنَعُ شَهَادَةَ الْأَعْدَاءِ وَالْخُصُومِ لِأَنَّ الْغَالِبَ مِنْهُمْ الْحَيْفُ، وَهُوَ كَثِيرٌ فِي الشَّرِيعَةِ لَا يُحْصَى كَثْرَةً، وَقَدْ يُلْغِي الشَّرْعُ الْغَالِبَ رَحْمَةً بِالْعِبَادِ، وَتَقْدِيمُهُ قِسْمَانِ قِسْمٌ يُعْتَبَرُ فِيهِ النَّادِرُ، وَقِسْمٌ يُلْغَيَانِ فِيهِ مَعًا.
وَأَنَا أَذْكُرُ مِنْ كُلِّ قِسْمٍ مَثَلًا لِيَتَهَذَّبَ بِهَا الْفَقِيهُ، وَيَتَنَبَّهُ إلَى وُقُوعِهَا فِي الشَّرِيعَةِ فَإِنَّهُ لَا يَكَادُ يَخْطُرُ ذَلِكَ بِالْبَالِ، وَلَا سِيَّمَا تَقْدِيمُ النَّادِرِ عَلَى الْغَالِبِ
(الْقِسْمُ الْأَوَّلُ) مَا أُلْغِيَ فِيهِ الْغَالِبُ، وَقُدِّمَ النَّادِرُ عَلَيْهِ، وَأَثْبَتَ حُكْمَهُ دُونَهُ رَحْمَةً بِالْعِبَادِ، وَأَنَا أَذْكُرُ مِنْهُ عِشْرِينَ مِثَالًا:
(الْأَوَّلُ) غَالِبُ الْوَلَدِ أَنْ يُوضَعَ لِتِسْعَةِ أَشْهُرٍ فَإِذَا جَاءَ بَعْدَ خَمْسِ سِنِينَ مِنْ امْرَأَةٍ طَلَّقَهَا زَوْجُهَا دَارَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ زِنًى وَهُوَ الْغَالِبُ وَبَيْنَ أَنْ يَكُونَ تَأَخَّرَ فِي بَطْنِ أُمِّهِ وَهُوَ نَادِرٌ بِالنِّسْبَةِ إلَى وُقُوعِ الزِّنَا فِي الْوُجُودِ أَلْغَى الشَّارِعُ الْغَالِبَ، وَأَثْبَتَ حُكْمَ النَّادِرِ، وَهُوَ تَأَخُّرُ الْحَمْلِ رَحْمَةً بِالْعِبَادِ لِحُصُولِ السَّتْرِ عَلَيْهِمْ، وَصَوْنِ أَعْرَاضِهِمْ عَنْ الْهَتْكِ.
(الثَّانِي) إذَا تَزَوَّجَتْ فَجَاءَتْ بِوَلَدٍ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ جَازَ أَنْ يَكُونَ مِنْ وَطْءٍ قَبْلَ الْعَقْدِ، وَهُوَ الْغَالِبُ أَوْ مِنْ وَطْءٍ بَعْدَهُ، وَهُوَ النَّادِرُ فَإِنَّ غَالِبَ الْأَجِنَّةِ لَا تُوضَعُ إلَّا لِتِسْعَةِ أَشْهُرٍ، وَإِنَّمَا يُوضَعُ فِي السِّتَّةِ سِقْطًا فِي الْغَالِبِ أَلْغَى الشَّرْعُ حُكْمَ الْغَالِبِ، وَأَثْبَتَ حُكْمَ النَّادِرِ، وَجَعَلَهُ مِنْ الْوَطْءِ بَعْدَ الْعَقْدِ لُطْفًا بِالْعِبَادِ لِحُصُولِ السَّتْرِ عَلَيْهِمْ وَصَوْنِ أَعْرَاضِهِمْ.
(الثَّالِثُ) نَدَبَ الشَّرْعُ النِّكَاحَ لِحُصُولِ الذُّرِّيَّةِ مَعَ أَنَّ الْغَالِبَ عَلَى الْأَوْلَادِ الْجَهْلُ بِاَللَّهِ تَعَالَى وَالْإِقْدَامُ عَلَى الْمَعَاصِي، وَعَلَى رَأْيِ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ مَنْ لَمْ يَعْرِفْ اللَّهَ تَعَالَى بِالْبُرْهَانِ فَهُوَ كَافِرٌ، وَلَمْ يُخَالِفْ فِي هَذَا إلَّا أَهْلُ الظَّاهِرِ كَمَا حَكَاهُ الْإِمَامُ فِي الشَّامِلِ وَالْإسْفَرايِينِيّ، وَمُقْتَضَى هَذَا أَنْ يُنْهَى مِنْ الذُّرِّيَّةِ لِغَلَبَةِ الْفَسَادِ عَلَيْهِمْ فَأَلْغَى الشَّرْعُ حُكْمَ الْغَالِبِ، وَاعْتَبَرَ حُكْمَ النَّادِرِ تَرْجِيحًا لِقَلِيلِ الْإِيمَانِ عَلَى كَثِيرِ الْكُفْرِ
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
كمسمند ووقمدوا فَافْهَمْ
(وَالْقِسْمُ الثَّالِثُ) نَفْيٌ يَعْرَى عَمَّا ذُكِرَ مِنْ الضَّرُورَةِ وَالظَّنِّ الْغَالِبِ النَّاشِئِ عَنْ الْفَحْصِ نَحْوُ أَنَّ زَيْدًا مَا وَفَّى الدَّيْنَ الَّذِي عَلَيْهِ أَوْ مَا بَاعَ سِلْعَتَهُ، وَنَحْوَ ذَلِكَ فَهَذَا هُوَ مَحْمَلُ مَا اشْتَهَرَ عَلَى أَلْسِنَةِ الْفُقَهَاءِ لِأَنَّهُ نَفْيٌ غَيْرُ مُنْضَبِطٍ، وَإِنَّمَا يَجُوزُ فِي النَّفْيِ الْمُنْضَبِطِ قَطْعًا أَوْ ظَنًّا غَالِبًا كَمَا فِي الْأَمْثِلَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ، وَكَمَا فِي نَحْوِ أَنَّ زَيْدًا لَمْ يَقْتُلْ عَمْرًا أَمْسِ لِأَنَّهُ كَانَ عِنْدَهُ فِي الْبَيْتِ أَوْ إنَّهُ لَمْ يُسَافِرْ لِأَنَّهُ رَآهُ فِي الْبَلَدِ فَاعْلَمْ ذَلِكَ لِيَظْهَرَ لَك أَنَّ قَوْلَهُمْ الشَّهَادَةُ عَلَى النَّفْيِ غَيْرُ مَقْبُولَةٍ لَيْسَ عَلَى عُمُومِهِ، وَيَظْهَرُ لَك الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يَجُوزُ أَنْ يَشْهَدَ بِهِ مِنْ النَّفْيِ وَقَاعِدَةِ مَا لَا يَجُوزُ أَنْ يَشْهَدَ بِهِ مِنْهُ، وَحِينَئِذٍ فَيَكُونُ حَاصِلُ الشَّهَادَةِ بِاعْتِبَارِ قَصْدِ النَّفْيِ مِنْهَا أَوْ الْإِثْبَاتِ أَنَّهَا ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ:
(الْقِسْمُ الْأَوَّلُ) مَا عَرَفْته مِنْ أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهَا مُجَرَّدُ النَّفْيِ فَيَقْتَصِرُ عَلَيْهِ.
(وَالْقِسْمُ الثَّانِي) مَا كَانَ الْمَقْصُودُ مِنْهَا مُجَرَّدُ الْإِثْبَاتِ فَيَقْتَصِرُ عَلَيْهِ نَحْوُ أَشْهَدُ أَنَّهُ بَاعَ نَعَمْ قَالَ ابْنُ يُونُسَ لَوْ شَهِدُوا بِالْأَرْضِ وَلَمْ يُحِدُّوهَا، وَشَهِدَ آخَرُونَ بِالْحُدُودِ دُونَ الْمِلْكِ قَالَ مَالِكٌ تَمَّتْ الشَّهَادَةُ، وَقَضَى بِهِمْ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ مِنْ الْمَجْمُوعِ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ شَهِدُوا بِغَصْبِ الْأَرْضِ، وَلَمْ يُحِدُّوهَا قِيلَ لِلْمُدَّعِي حَدِّدْ مَا غُصِبَ مِنْك، وَاحْلِفْ عَلَيْهِ قَالَ مَالِكٌ، وَإِنْ شَهِدَتْ بِالْحَقِّ، وَقَالَتْ لَا نَعْرِفُ عَدَدَهُ قِيلَ لِلْمَطْلُوبِ قِرْ بِحَقٍّ، وَاحْلِفْ عَلَيْهِ فَتُعْطِيهِ، وَلَا شَيْءَ عَلَيْك غَيْرُهُ فَإِنْ جَحَدَ قِيلَ لِلطَّالِبِ إنْ عَرَفْته احْلِفْ عَلَيْهِ وَخُذْهُ فَإِنْ قَالَ لَا أَعْرِفُهُ أَوْ أَعْرِفُهُ، وَلَا أَحْلِفُ عَلَيْهِ سُجِنَ الْمَطْلُوبُ حَتَّى يُقِرَّ بِشَيْءٍ، وَيَحْلِفُ عَلَيْهِ فَإِنْ لَمْ يَحْلِفْ أَخَذَ الْمُقِرُّ بِهِ، وَحَبَسَ حَتَّى يَحْلِفَ، وَإِنْ كَانَ الْحَقُّ فِي دَارٍ حِيلَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا حَتَّى يَحْلِفَ، وَلَا يُحْبَسُ لِأَنَّ الْحَقَّ فِي شَيْءٍ بِعَيْنِهِ قَالَ الْبَاجِيَّ فِي الْمُنْتَقَى، وَعَنْ مَالِكٍ رَدُّ الشَّهَادَةِ بِنِسْيَانِ الْعَدَدِ وَجَهْلِهِ لِأَنَّهُ نَقْصٌ فِي الشَّهَادَةِ قَالَ الْبَاجِيَّ نِسْيَانُ بَعْضِ الشَّهَادَةِ يَمْنَعُ مِنْ أَدَاءِ ذَلِكَ الْبَعْضِ إلَّا فِي عَقْدِ الْبَيْعِ وَالنِّكَاحِ وَالْهِبَةِ وَالْحَبْسِ وَالْإِقْرَارِ، وَنَحْوِهِ مِمَّا لَا يَلْزَمُ الشَّاهِدُ حِفْظُهُ بَلْ مُرَاعَاةُ الشَّهَادَةِ فِي آخِرِهِ، وَكَذَلِكَ سِجِلَّاتُ الْحَاكِمِ لَا يَلْزَمُ حِفْظُهَا عِنْدَ الْأَدَاءِ لِأَنَّهُ يَشْهَدُ بِمَا عَلِمَ مِنْ تَقْيِيدِ الشَّهَادَةِ
(وَالْقِسْمُ الثَّالِثُ) مَا كَانَ الْمَقْصُودُ مِنْهَا الْجَمْعُ بَيْنَ النَّفْيِ وَالْإِثْبَاتِ، وَهُوَ الْحَصْرُ فَلَا بُدَّ مِنْ التَّصْرِيحِ بِهِمَا فِي الْعِبَارَةِ قَالَ مَالِكٌ فِي التَّهْذِيبِ لَا يَكْفِي أَنَّهُ ابْنٌ لِلْمَيِّتِ حَتَّى يَقُولُوا فِي حَصْرِ الْوَرَثَةِ لَا نَعْلَمُ لَهُ وَارِثًا غَيْرَهُ، وَكَذَلِكَ هَذِهِ الدَّارُ لِأَبِيهِ أَوْ جَدِّهِ حَتَّى يَقُولُوا، وَلَا نَعْلَمُ خُرُوجَهَا عَنْ مِلْكِهِ إلَى الْمَوْتِ حَتَّى يُحْكَمَ بِالْمِلْكِ فِي الْحَالِ فَإِنْ قَالُوا هَذَا وَارِثٌ مَعَ وَرَثَةٍ آخَرِينَ أُعْطِيَ هَذَا نَصِيبَهُ، وَتُرِكَ الْبَاقِيَ بِيَدِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ حَتَّى يَأْتِيَ مُسْتَحِقُّهُ لِأَنَّ الْأَصْلَ دَوَامُ يَدِهِ، وَلِأَنَّ الْغَائِبَ