للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَجْنَاسًا أُلْغِيَتْ خَاصَّةً فَمَا الْفَرْقُ، وَكَيْفَ الِاعْتِمَادُ فِي ذَلِكَ

(قُلْت) الْفَرْقُ فِي ذَلِكَ الْمَقَامُ لَا يَتَيَسَّرُ عَلَى الْمُبْتَدَئِينَ، وَلَا عَلَى ضَعَفَةِ الْفُقَهَاءِ، وَكَذَلِكَ يَنْبَغِي أَنْ يُعْلَمَ أَنَّ الْأَصْلَ اعْتِبَارُ الْغَالِبِ، وَهَذِهِ الْأَجْنَاسُ الَّتِي ذَكَرْت اسْتِثْنَاؤُهَا عَلَى خِلَافِ الْأَصْلِ، وَإِذَا وَقَعَ لَك غَالِبٌ، وَلَا تَدْرِي هَلْ هُوَ مِنْ قَبِيلِ مَا أُلْغِيَ أَوْ مِنْ قَبِيلِ مَا اُعْتُبِرَ فَالطَّرِيقُ فِي ذَلِكَ أَنْ تَسْتَقْرِيَ مَوَارِدَ النُّصُوصِ، وَالْفَتَاوَى اسْتِقْرَاءً حَسَنًا مَعَ أَنَّك تَكُونُ حِينَئِذٍ وَاسِعَ الْحِفْظِ جَيِّدَ الْفَهْمِ فَإِذَا لَمْ يَتَحَقَّقْ لَك إلْغَاؤُهُ فَاعْتَقِدْ أَنَّهُ مُعْتَبَرٌ، وَهَذَا الْفَرْقُ لَا يَحْصُلُ إلَّا لِمُتَّسِعٍ فِي الْفِقْهِيَّاتِ وَالْمَوَارِدِ الشَّرْعِيَّةِ، وَإِنَّمَا أَوْرَدْت هَذِهِ الْأَجْنَاسَ حَتَّى تَعْتَقِدَ أَنَّ الْغَالِبَ وَقَعَ مُعْتَبَرًا شَرْعًا، وَنَجْزِمُ أَيْضًا بِشَيْئَيْنِ

(أَحَدُهُمَا) أَنَّ قَوْلَ الْقَائِلِ إذَا دَارَ الشَّيْءُ بَيْنَ النَّادِرِ وَالْغَالِبِ فَإِنَّهُ يَلْحَقُ بِالْغَالِبِ

(ثَانِيهِمَا) قَوْلُ الْفُقَهَاءِ إذَا اجْتَمَعَ الْأَصْلُ، وَالْغَالِبُ فَهَلْ يَغْلِبُ الْأَصْلُ عَلَى الْغَالِبِ أَوْ الْغَالِبُ عَلَى الْأَصْلِ قَوْلَانِ فَقَدْ ظَهَرَ لَك أَجْنَاسٌ كَثِيرَةٌ اتَّفَقَ النَّاسُ فِيهَا عَلَى تَقْدِيمِ الْأَقَلِّ، وَأَلْغَاهُ الْغَالِبُ فِي الْقِسْمِ الْأَوَّلِ الَّذِي اعْتَبَرْنَا رَدَّهُ فَلَا تَكُونُ تِلْكَ الدَّعْوَى عَلَى عُمُومِهَا، وَقَدْ أَجْمَعَ النَّاسُ أَيْضًا عَلَى تَقْدِيمِ الْغَالِبِ عَلَى الْأَوَّلِ فِي أَمْرِ الْبَيِّنَةِ فَإِنَّ الْغَالِبَ صِدْقُهَا، وَالْأَصْلُ بَرَاءَةُ الذِّمَّةِ، وَمَعَ ذَلِكَ تَقَدُّمُ الْبَيِّنَةِ إجْمَاعًا فَهُوَ أَيْضًا تَخْصِيصٌ لِعُمُومِ تِلْكَ الدَّعْوَى فَهَذَا هُوَ الْمَقْصُودُ مِنْ بَيَانِ هَذَا الْفَرْقِ وَالتَّنْبِيهِ عَلَى هَذِهِ الْمَوَاطِنِ.

(الْفَرْقُ الْأَرْبَعُونَ وَالْمِائَتَانِ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يَصِحُّ الْإِقْرَاعُ فِيهِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَا لَا يَصِحُّ الْإِقْرَاعُ فِيهِ)

اعْلَمْ أَنَّهُ مَتَى تَعَيَّنَتْ الْمَصْلَحَةُ أَوْ الْحَقُّ فِي جِهَةٍ لَا يَجُوزُ الْإِقْرَاعُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ لِأَنَّ فِي الْقُرْعَةِ ضَيَاعَ ذَلِكَ الْحَقِّ الْمُتَعَيَّنِ أَوْ الْمَصْلَحَةِ الْمُتَعَيِّنَةِ، وَمَتَى تَسَاوَتْ الْحُقُوقُ أَوْ الْمَصَالِحُ فَهَذَا هُوَ مَوْضِعُ الْقُرْعَةِ عِنْدَ التَّنَازُعِ دَفْعًا لِلضَّغَائِنِ وَالْأَحْقَادِ، وَالرِّضَا بِمَا جَرَتْ بِهِ الْأَقْدَارُ، وَقَضَى بِهِ الْمَلِكُ الْجَبَّارُ فَهِيَ مَشْرُوعَةٌ بَيْنَ الْخُلَفَاءِ إذَا اسْتَوَتْ فِيهِمْ الْأَهْلِيَّةُ لِلْوِلَايَةِ، وَالْأَئِمَّةِ وَالْمُؤَذِّنِينَ إذَا اسْتَوَوْا، وَالتَّقَدُّمُ لِلصَّفِّ الْأَوَّلِ عِنْدَ الِازْدِحَامِ وَتَغْسِيلِ الْأَمْوَاتِ عِنْدَ تَزَاحُمِ الْأَوْلِيَاءِ، وَتَسَاوِيهِمْ فِي الطَّبَقَاتِ وَبَيْنَ الْحَاضِنَاتِ وَالزَّوْجَاتِ فِي السَّفَرِ وَالْقِسْمَةِ وَالْخُصُومِ عِنْدَ الْحُكَّامِ، وَفِي عِتْقِ الْعَبِيدِ إذَا أَوْصَى بِعِتْقِهِمْ أَوْ بِثُلُثِهِمْ فِي الْمَرَضِ ثُمَّ مَاتَ، وَلَمْ يَحْمِلْهُمْ الثُّلُثُ عَتَقَ مَبْلَغُ الثُّلُثِ مِنْهُمْ

ــ

[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]

مُتَكَرِّرًا لَا بِمَعْنًى مُسْتَأْنَفٍ، وَهُوَ خِلَافُ الْأَصْلِ اهـ.

إذَا تَقَرَّرَ هَذَا فَالضَّابِطُ لِمَا تُرَدُّ بِهِ الشَّهَادَةُ مِنْ الْمَعَاصِي الَّذِي بِهِ الْفَرْقُ بَيْنَ الْقَاعِدَتَيْنِ الْمَذْكُورَتَيْنِ هُوَ مَا دَلَّ عَلَى الْجُرْأَةِ عَلَى مُخَالَفَتِهِ الشَّارِعَ فِي أَوَامِرِهِ وَنَوَاهِيهِ أَوْ احْتَمَلَ الْجُرْأَةَ كَمَا اخْتَارَهُ أَبُو الْقَاسِمِ بْنُ الشَّاطِّ قَالَ فَمَنْ دَلَّتْ قَرَائِنُ حَالِهِ عَلَى الْجُرْأَةِ رُدَّتْ شَهَادَتُهُ كَمُرْتَكِبِ الْكَبِيرَةِ الْمَعْلُومِ مِنْ دَلَائِلِ الشَّرْعِ أَنَّهَا كَبِيرَةٌ أَوْ الْمُصِرُّ عَلَى الصَّغِيرَةِ إصْرَارًا يُؤْذِنُ بِالْجُرْأَةِ، وَمَنْ احْتَمَلَ حَالُهُ إنْ فَعَلَ مَا فَعَلَ مِنْ ذَلِكَ جُرْأَةً أَوْ فَلْتَةً تُوَقِّفَ عَنْ قَبُولِ شَهَادَتِهِ، وَمَنْ دَلَّتْ دَلَائِلُ حَالِهِ أَنَّهُ فَعَلَ مَا فَعَلَهُ مِنْ ذَلِكَ أَعْنِي مَا لَيْسَ بِكَبِيرَةٍ مَعْلُومَةِ الْكِبَرِ مِنْ الشَّرْعِ فَلْتَةً غَيْرَ مُتَّصِفٍ بِالْجُرْأَةِ قُبِلَتْ شَهَادَتُهُ، وَذَلِكَ لِأَنَّ السَّبَبَ رَدُّ الشَّهَادَةِ لَيْسَ إلَّا التُّهْمَةَ بِالِاجْتِرَاءِ عَلَى الْكَذِبِ كَالِاجْتِرَاءِ عَلَى مَا ارْتَكَبَهُ مِنْ الْمُخَالَفَةِ فَإِذَا عَرِيَ عَنْ الِاتِّصَافِ بِالْجُرْأَةِ وَاحْتِمَالِ الِاتِّصَافِ بِهَا بِظَاهِرِ حَالِهِ سَقَطَتْ التُّهْمَةُ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ اهـ.

قَالَ الْأَصْلُ وَصَحَّحَهُ ابْنُ الشَّاطِّ، وَبِالْجُمْلَةِ فَذَلِكَ يَخْتَلِفُ بِحَسَبِ الْأَحْوَالِ الْمُقْتَرِنَةِ وَالْقَرَائِنِ الْمُصَاحِبَةِ وَصُورَةِ الْفَاعِلِ وَهَيْئَةِ الْفِعْلِ، وَالْمُعْتَمَدُ فِي ذَلِكَ مَا يُؤَدِّي إلَى مَا يُوجَدُ فِي الْقَلْبِ السَّلِيمِ عَنْ الْأَهْوَاءِ الْمُعْتَدِلِ الْمِزَاجِ وَالْعَقْلِ وَالدِّيَانَةِ الْعَارِفِ بِالْأَوْضَاعِ الشَّرْعِيَّةِ فَهَذَا هُوَ الْمُتَعَيَّنُ لِوَزْنِ هَذِهِ الْأُمُورِ فَإِنَّ مَنْ غَلَبَ عَلَيْهِ التَّسَاهُلُ فِي طَبْعِهِ لَا يَعُدُّ الْكَبِيرَةَ شَيْئًا، وَمَنْ غَلَبَ عَلَيْهِ التَّشْدِيدُ فِي طَبْعِهِ يَجْعَلُ الصَّغِيرَةَ كَبِيرَةً فَلَا بُدَّ مِنْ اعْتِبَارِ مَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ فِي الْعَقْلِ الْوَازِنِ بِهَذِهِ الِاعْتِبَارَاتِ اهـ.

قَالَ ابْنُ الشَّاطِّ وَالْإِصْرَارُ الْمُصَيِّرُ لِلصَّغِيرَةِ كَبِيرَةً مَانِعَةً مِنْ قَبُولِ الشَّهَادَةِ إنَّمَا هُوَ الْمُعَاوَدَةُ لَهَا مُعَاوَدَةً تُشْعِرُ بِالْجُرْأَةِ عَلَى الْمُخَالَفَةِ لَا الْمُعَاوَدَةُ الْمُقْتَرِنَةُ بِالْعَزْمِ عَلَيْهَا لِأَنَّ الْعَزْمَ مِمَّا لَا يُتَوَصَّلُ إلَيْهِ لِأَنَّهُ أَمْرٌ بَاطِنٌ كَالْجُرْأَةِ نَفْسِهَا بِخِلَافِ الْإِشْعَارِ بِهَا الَّذِي اشْتَرَطْته فَإِنَّهُ مِمَّا يُدْرِكُهُ مَنْ يَتَأَمَّلُ أَحْوَالَ الْمَوَاقِعِ لِلْمُخَالَفَةِ كَمَا قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ يُنْظَرُ إلَى مَا يَحْصُلُ مِنْ مُلَابَسَةِ أَدْنَى الْكَبَائِرِ مِنْ عَدَمِ الْوُثُوقِ بِمُلَابَسَتِهَا فِي أَدَاءِ الشَّهَادَةِ وَالْوُقُوفِ عِنْدَ حُدُودِ اللَّهِ تَعَالَى ثُمَّ يُنْظَرُ لِذَلِكَ التَّكَرُّرِ فِي الصَّغِيرَةِ فَإِنْ حَصَلَ فِي النَّفْسِ مِنْ عَدَمِ الْوُثُوقِ مَا حَصَلَ مِنْ أَدْنَى الْكَبَائِرِ كَانَ هَذَا الْإِصْرَارُ كَبِيرَةً تُخِلُّ بِالْعَدَالَةِ إلَخْ اهـ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ اهـ. قَالَ الْأَصْلُ وَمَتَى تَخَلَّلَتْ التَّوْبَةُ الصَّغَائِرَ فَلَا خِلَافَ أَنَّهَا لَا تَقْدَحُ فِي الْعَدَالَةِ، وَكَذَلِكَ يَنْبَغِي إذَا كَانَتْ مِنْ أَنْوَاعٍ مُخْتَلِفَةٍ، وَإِنَّمَا يَحْصُلُ الشَّبَهُ وَاللُّبْسُ إذَا تَكَرَّرَتْ مِنْ النَّوْعِ الْوَاحِدِ، وَهُوَ مَوْضِعُ النَّظَرِ اهـ

(الرُّكْنُ الثَّانِي) الْوُثُوقُ بِالضَّبْطِ فَلِذَا اشْتَرَطُوا الْبُلُوغَ فِيهَا وَالْحُرِّيَّةَ وَنَفْيَ التُّهْمَةِ أَمَّا الْبُلُوغُ فَقَالَ فِي الْبِدَايَةِ اتَّفَقُوا عَلَى اشْتِرَاطِهِ فِيهَا

<<  <  ج: ص:  >  >>