بِالْقُرْعَةِ، وَلَوْ لَمْ يَدَعْ غَيْرَهُمْ عَتَقَ ثُلُثُهُمْ أَيْضًا بِالْقُرْعَةِ، وَقَالَهُ الشَّافِعِيُّ وَابْنُ حَنْبَلٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَا تَجُوزُ الْقُرْعَةُ فِيمَا إذَا أَوْصَى بِهِمْ وَيَعْتِقُ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ ثُلُثُهُ، وَيُسْتَسْعَى فِي بَاقِي قِيمَتِهِ لِلْوَرَثَةِ حَتَّى يُؤَدِّيَهَا فَيَعْتَقَ، لَنَا وُجُوهٌ:
(الْأَوَّلُ) مَا فِي الْمُوَطَّإِ «أَنَّ رَجُلًا أَعْتَقَ عَبِيدًا لَهُ عِنْدَ مَوْتِهِ فَأَسْهَمَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَأَعْتَقَ ثُلُثَ الْعَبِيدِ» قَالَ مَالِكٌ، وَبَلَغَنِي أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لِذَلِكَ الرَّجُلِ مَالٌ غَيْرَهُمْ
(الثَّانِي) فِي الصِّحَاحِ أَنَّ «رَجُلًا أَعْتَقَ سِتَّةَ مَمَالِيكَ لَهُ فِي مَرَضِهِ لَا مَالَ لَهُ غَيْرُهُمْ فَدَعَاهُمْ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَجَزَّاهُمْ فَأَقْرَعَ بَيْنَهُمْ فَأَعْتَقَ اثْنَيْنِ وَرَقَّ أَرْبَعَةً»
(الثَّالِثُ) إجْمَاعُ التَّابِعِينَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - عَلَى ذَلِكَ قَالَهُ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَخَارِجَةُ بْنُ زَيْدٍ وَأَبَانُ بْنُ عُثْمَانَ وَابْنُ سِيرِينَ وَغَيْرُهُمْ، وَلَمْ يُخَالِفْهُمْ مِنْ عَصْرِهِمْ أَحَدٌ
(الرَّابِعُ) وَافَقَنَا أَبُو حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي قِسْمَةِ الْأَرْضِ لِعَدَمِ الْمُرَجِّحِ، وَذَلِكَ هُنَا مَوْجُودٌ فَثَبَتَ قِيَاسًا عَلَيْهِ
(الْخَامِسُ) أَنَّ فِي الِاسْتِسْعَاءِ مَشَقَّةً وَضَرَرًا عَلَى الْعَبِيدِ بِالْإِلْزَامِ، وَعَلَى الْوَرَثَةِ بِتَأْخِيرِ الْحَقِّ وَتَعْجِيلِ حَقِّ الْمُوصَى لَهُ، وَالْقَوَاعِدُ تَقْتَضِي تَقْدِيمَ حَقِّ الْوَارِثِ لِأَنَّ لَهُ الثُّلُثَيْنِ
(السَّادِسُ) أَنَّ مَقْصُودَ الْوَصِيِّ كَمَالُ الْعِتْقِ فِي الْعَبْدِ لِيَتَفَرَّغَ لِلطَّاعَاتِ، وَيَجُوزُ الِاكْتِسَابُ وَالْمَنَافِعُ مِنْ نَفْسِهِ، وَتَجْزِئَةُ الْعِتْقِ تَمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ، وَقَدْ لَا يَحْصُلُ الْكَمَالُ أَبَدًا احْتَجُّوا بِوُجُوهٍ: (الْأَوَّلُ) قَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا عِتْقَ إلَّا فِيمَا يَمْلِكُ ابْنُ آدَمَ» ، وَالْمَرِيضُ مَالِكُ الثُّلُثِ مِنْ كُلِّ عَبْدٍ فَيَنْفُذُ عِتْقُهُ فِيهِ، وَلِأَنَّ الْحَدِيثَ الْمُتَقَدِّمَ وَاقِعَةُ عَيْنٍ لَا عُمُومَ فِيهَا، وَلِأَنَّ قَوْلَهُ اثْنَيْنِ يَحْتَمِلُ شَائِعَيْنِ لَا مُعَيَّنَيْنِ، وَيُؤَكِّدُهُ أَنَّ الْعَادَةَ تُحْصِي اخْتِلَافَ قِيَمِ الْعَبِيدِ فَيَتَعَذَّرُ أَنْ يَكُونَ اثْنَانِ مُعَيِّنَانِ ثُلُثِ مَالِهِ.
(الثَّانِي) أَنَّ الْقُرْعَةَ عَلَى خِلَافِ الْقُرْآنِ لِأَنَّهَا مِنْ الْمُيَسَّرِ، وَعَلَى خِلَافِ الْقَوَاعِدِ لِأَنَّ فِيهِ نَقْلُ الْحُرِّيَّةِ بِالْقُرْعَةِ. (الثَّالِثُ) أَنَّهُ لَوْ أَوْصَى بِثُلُثِ كُلِّ وَاحِدٍ صَحَّ فَيَنْفُذُ هَاهُنَا قِيَاسًا عَلَى ذَلِكَ، وَعَلَى حَالِ الصِّحَّةِ.
(الرَّابِعُ) أَنَّهُ لَوْ بَاعَ ثُلُثَ كُلِّ عَبْدٍ جَازَ، وَالْبَيْعُ يَلْحَقُهُ الْفَسْخُ، وَالْعِتْقُ لَا يَلْحَقُهُ الْفَسْخُ فَهُوَ أَوْلَى بِعَدَمِ الْقُرْعَةِ لِأَنَّ فِيهَا تَحْوِيلَ الْعِتْقِ. (الْخَامِسُ) أَنَّهُ لَوْ كَانَ مَالِكًا لِثُلُثِهِمْ فَأَعْتَقَهُ لَمْ يَجْتَمِعْ ذَلِكَ فِي اثْنَيْنِ مِنْهُمْ، وَالْمَرِيضُ لَمْ يَمْلِكْ غَيْرَ الثُّلُثِ فَلَا يَجْتَمِعُ لِأَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ عَدَمِ الْمَالِكِ، وَالْمَنْعِ مِنْ التَّصَرُّفِ فِي نُفُوذِ الْعِتْقِ.
(السَّادِسُ) أَنَّ الْقُرْعَةَ إنَّمَا تَدْخُلُ فِي جَمِيعِ الْحُقُوقِ فِيمَا يَجُوزُ التَّرَاضِي عَلَيْهِ لِأَنَّ
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
حَيْثُ تُشْتَرَطُ الْعَدَالَةُ، وَاخْتَلَفُوا فِي شَهَادَةِ الصِّبْيَانِ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الْجِرَاحِ، وَفِي الْقَتْلِ فَرَدَّهَا جُمْهُورُ فُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ لِمَا قُلْنَاهُ مِنْ وُقُوعِ الْإِجْمَاعِ عَلَى أَنَّ مِنْ شَرْطِ الشَّهَادَةِ الْعَدَالَةُ، وَمِنْ شَرْطِ الْعَدَالَةِ الْبُلُوغُ، وَلَك لَيْسَتْ فِي الْحَقِيقَةِ شَهَادَةٌ عِنْدَ مَالِكٍ، وَإِنَّمَا هِيَ قَرِينَةُ حَالٍ، وَلِذَلِكَ اشْتَرَطَ فِيهَا أَنْ لَا يَتَفَرَّقُوا لِئَلَّا يُجَنَّبُوا، وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُ مَالِكٍ هَلْ تَجُوزُ إذَا كَانَ بَيْنَهُمْ كَبِيرٌ أَمْ لَا، وَلَمْ يَخْتَلِفُوا أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِيهَا الْعِدَّةُ الْمُشْتَرَطَةُ فِي الشَّهَادَةِ، وَاخْتَلَفُوا هَلْ يُشْتَرَطُ فِيهَا الذُّكُورَةُ أَمْ لَا، وَاخْتَلَفُوا أَيْضًا هَلْ تَجُوزُ فِي الْقَتْلِ الْوَاقِعِ بَيْنَهُمْ، وَلَا عُمْدَةَ لِمَالِكٍ فِي هَذَا إلَّا أَنَّهُ مِنْ بَابِ إجَازَتِهِ قِيَاسَ الْمَصْلَحَةِ، وَإِمَّا أَنَّهُ مَرْوِيٌّ عَنْ ابْنِ الزُّبَيْرِ فَقَالَ الشَّافِعِيُّ إنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ قَدْ رَدَّهَا، وَالْقُرْآنُ يَدُلُّ عَلَى بُطْلَانِهَا نَعَمْ قَالَ بِقَوْلِ مَالِكٍ ابْنُ أَبِي لَيْلَى، وَقَوْمٌ مِنْ التَّابِعِينَ اهـ.
بِتَصَرُّفٍ، وَأَمَّا الْحُرِّيَّةُ فَفِي الْبِدَايَةِ أَيْضًا جُمْهُورُ فُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ عَلَى اشْتِرَاطِهَا فِي قَبُولِ الشَّهَادَةِ، وَقَالَ أَهْلُ الظَّاهِرِ تَجُوزُ شَهَادَةُ الْعَبْدِ لِأَنَّ الْأَصْلَ إنَّمَا هُوَ اشْتِرَاطُ الْعَدَالَةِ، وَالْعُبُودِيَّةُ لَيْسَ لَهَا تَأْثِيرٌ فِي الرَّدِّ إلَّا أَنْ يَثْبُتَ ذَلِكَ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ أَوْ سُنَّةٍ أَوْ إجْمَاعٍ، وَكَأَنَّ الْجُمْهُورَ رَأَوْا أَنَّ الْعُبُودِيَّةَ أَثَرٌ مِنْ أَثَرِ الْكُفْرِ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ لَهَا تَأْثِيرٌ فِي رَدِّ الشَّهَادَةِ اهـ.
وَأَمَّا نَفْيُ التُّهْمَةِ فَأَمَّا التُّهَمُ بِالِاجْتِرَاءِ عَلَى الْكَذِبِ الَّتِي سَبَبُهَا ارْتِكَابُ بَعْضِ الْمَعَاصِي فَقَدْ تَضَمَّنَهَا اشْتِرَاطُ الْعَدَالَةِ كَمَا عَرَفَتْ، وَأَمَّا التُّهْمَةُ الَّتِي سَبَبُهَا الْمَحَبَّةُ وَالْقَرَابَةُ أَوْ الْبِغْضَةُ لِلْعَدَاوَةِ الدُّنْيَوِيَّةِ فَفِي الْبِدَايَةِ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهَا مُؤَثِّرَةٌ فِي إسْقَاطِ الشَّهَادَةِ، وَاخْتَلَفُوا فِي رَدِّ شَهَادَةِ الْعَدْلِ بِالتُّهْمَةِ لِمَوْضِعِ الْمَحَبَّةِ أَوْ الْبِغْضَةِ الَّتِي سَبَبُهَا الْعَدَاوَةُ الدُّنْيَوِيَّةُ فَقَالَ بِرَدِّهَا فُقَهَاءُ الْأَمْصَارِ إلَّا أَنَّهُمْ اتَّفَقُوا فِي مَوَاضِعَ عَلَى أَعْمَالِ التُّهْمَةِ، وَفِي مَوَاضِعَ عَلَى إسْقَاطِهَا، وَاخْتَلَفُوا فِي مَوَاضِعَ فَأَعْمَلَهَا بَعْضُهُمْ، وَأَسْقَطَهَا بَعْضُهُمْ اهـ.
الْمُرَادُ فَانْظُرْهَا، وَسَيَأْتِي فِي الْفَرْقِ بَعْدَ تَوْضِيحِ ذَلِكَ فَتَرَقَّبْ، وَأَمَّا التُّهْمَةُ الْمُشْعِرَةُ بِخَلَلٍ فِي عَقْلِهِ فَبِفِعْلِ بَعْضِ الْمُبَاحِ الْمُخِلِّ بِقَبُولِ الشَّهَادَةِ كَالْأَكْلِ فِي الْأَسْوَاقِ وَنَحْوِهِ قَالَ أَبُو الْقَاسِمِ بْنُ الشَّاطِّ، وَالضَّابِطُ أَنَّ مُخَالَفَةَ الْعَادَةِ الْجَارِيَةِ مِنْ الشَّاهِدِ فِي أُمُورِهِ الْمُبَاحَةِ رُبَّمَا أَشْعَرَتْ بِخَلَلٍ فِي عَقْلِهِ فَيَتَطَرَّقُ الْخَلَلُ إلَى ضَبْطِهِ، وَرُبَّمَا لَمْ تُشْعِرْ، وَذَلِكَ بِحَسَبِ قَرَائِنِ الْأَحْوَالِ فَإِنْ أَشْعَرَ بِذَلِكَ أَوْ احْتَمَلَ رُدَّتْ شَهَادَتُهُ أَوْ تُوُقِّفَ فِي قَبُولِهَا، وَإِلَّا فَلَا اهـ بِلَفْظِهِ.
(تَنْبِيهٌ) قَالَ الْأَصْلُ الْمَشْهُورُ عِنْدَنَا قَبُولُ شَهَادَةِ الْقَاذِفِ قَبْلَ جَلْدِهِ بِدُونِ تَوْبَتِهِ، وَإِنْ كَانَ الْقَذْفُ كَبِيرَةً اتِّفَاقًا، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَرَدَّهَا عَبْدُ الْمَلِكِ وَمُطَرِّفٌ وَالشَّافِعِيُّ وَابْنُ حَنْبَلٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - لَنَا أَنَّهُ قَبْلَ الْجَلْدِ غَيْرُ فَاسِقٍ لِأَنَّهُ مَا لَمْ يَفْرُغْ مِنْ جَلْدِهِ يَجُوزُ رُجُوعُ الْبَيِّنَةِ أَوْ تَصْدِيقُ الْمَقْذُوفِ لَهُ فَلَا يَتَحَقَّقُ الْفِسْقُ إلَّا بَعْدَ