للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَأَصْلُ الْكُفْرِ إنَّمَا هُوَ انْتِهَاكٌ خَاصٌّ لِحُرْمَةِ الرُّبُوبِيَّةِ إمَّا بِالْجَهْلِ بِوُجُودِ الصَّانِعِ أَوْ صِفَاتِهِ الْعُلَى وَيَكُونُ الْكُفْرُ بِفِعْلٍ كَرَمْيِ الْمُصْحَفِ فِي الْقَاذُورَاتِ أَوْ السُّجُودِ لِلصَّنَمِ

ــ

[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]

هُوَ بِالْكَبَائِرِ لَيْسَ بِصَحِيحٍ وَكَيْفَ يَلْتَبِسُ الْكُفْرُ بِالْكَبَائِرِ وَالْكُفْرُ أَمْرٌ اعْتِقَادِيٌّ وَالْكَبَائِرُ أَعْمَالٌ، وَلَيْسَتْ بِاعْتِقَادٍ سَوَاءٌ كَانَتْ أَعْمَالًا قَلْبِيَّةً أَوْ بَدَنِيَّةً. قَالَ: (وَأَصْلُ الْكُفْرِ أَنَّهُ انْتِهَاكٌ خَاصٌّ لِحُرْمَةِ الرُّبُوبِيَّةِ) قُلْتُ: لَيْسَ الْكُفْرُ انْتِهَاكَ حُرْمَةِ الرُّبُوبِيَّةِ، وَلَكِنَّهُ الْجَهْلُ بِالرُّبُوبِيَّةِ فَلَا يَصْدُرُ عَادَةً مِمَّنْ يَدِينُ بِالرُّبُوبِيَّةِ. قَالَ: (أَمَّا الْجَهْلُ بِوُجُودِ الصَّانِعِ أَوْ صِفَاتِهِ الْعُلَى) قُلْتُ: الْجَهْلُ بِذَلِكَ هُوَ الْكُفْرُ خَاصَّةً عِنْدَ مَنْ لَا يُصَحِّحُ الْكُفْرَ عِنَادًا، وَأَمَّا عِنْدَ مَنْ يُصَحِّحُهُ فَالْكُفْرُ إمَّا الْجَهْلُ بِاَللَّهِ تَعَالَى، وَإِمَّا جَحْدُهُ وَانْتِهَاكُ الْحُرْمَةِ إنَّمَا يَكُونُ مَعَ الْجَهْلِ أَمَّا مَعَ الْعِلْمِ فَيَتَعَذَّرُ عَادَةً وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.

قَالَ: (وَيَكُونُ الْكُفْرُ بِفِعْلٍ كَرَمْيِ الْمُصْحَفِ فِي الْقَاذُورَاتِ) قُلْتُ: رَمْيُ الْمُصْحَفِ فِي الْقَاذُورَاتِ لَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ مَعَ الْعِلْمِ بِاَللَّهِ تَعَالَى أَوْ مَعَ الْجَهْلِ بِهِ فَإِنْ كَانَ مَعَ الْجَهْلِ فَالْكُفْرُ هُوَ الْجَهْلُ لَا عَيْنُ رَمْيِهِ، وَإِنْ كَانَ مَعَ الْعِلْمِ بِاَللَّهِ تَعَالَى فَلَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ مَعَ التَّكْذِيبِ بِهِ أَوْ لَا فَإِنْ كَانَ مَعَ التَّكْذِيبِ بِهِ فَهُوَ كُفْرٌ، وَإِلَّا فَهُوَ مَعْصِيَةٌ غَيْرُ كُفْرٍ. قَالَ: (وَالسُّجُودُ لِلصَّنَمِ) قُلْتُ: إنْ كَانَ السُّجُودُ لِلصَّنَمِ مَعَ اعْتِقَادِ كَوْنِهِ إلَهًا فَهُوَ كُفْرٌ، وَإِلَّا فَلَا، بَلْ يَكُونُ مَعْصِيَةً إنْ كَانَ لِغَيْرِهِ إكْرَاهٌ أَوْ جَائِزٌ عِنْدَ الْإِكْرَاهِ

ــ

[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]

بِأَحَدِ نَوْعَيْنِ:

(النَّوْعُ الْأَوَّلُ) بِبَيَانِ عَيْنِهِ كَدَعْوَى أَنَّ هَذَا الثَّوْبَ أَوْ الْفَرَسَ اشْتَرَاهُ مِنْهُ أَوْ أَنَّ هَذِهِ الدَّرَاهِمَ غُصِبَتْ مِنْهُ أَوْ بَيَانُ صِفَتِهِ كَلِيِّ فِي ذِمَّتِهِ ثَوْبٌ أَوْ فَرَسٌ صِفَتُهُمَا كَذَا أَوْ دَرَاهِمُ يَزِيدِيَّةٌ أَوْ مُحَمَّدِيَّةٌ أَوْ سَبَّنِي أَوْ شَتَمَنِي أَوْ قَذَفَنِي بِلَفْظِ كَذَا إذْ لَيْسَ كُلُّ سَبٍّ وَشَتْمٍ يُوجِبُ الْحَدَّ

(وَالنَّوْعُ الثَّانِي) بَيَانُ سَبَبِ الْمُدَّعِي فِيهِ الْمُعَيَّنُ كَدَعْوَى الْمَرْأَةِ الطَّلَاقَ أَوْ الرِّدَّةَ لِتَحَرُّرِ نَفْسِهَا، وَهِيَ مُعَيَّنَةٌ أَوْ بَيَانُ سَبَبِ مَا فِي ذِمَّةِ الْمُعَيَّنِ كَدَعْوَى الْمَرْأَةِ الْمَسِيسَ أَوْ الْقَتْلَ خَطَأً لِيَتَرَتَّبَ الصَّدَاقُ أَوْ الدِّيَةُ فِي ذِمَّةِ الزَّوْجِ أَوْ الْعَاقِلَةِ الْمُعَيَّنَةِ بِالنَّوْعِ قَالَ تَسْتَوِي الْعَاصِمِيَّةُ، وَهَذَا النَّوْعُ بِمِثَالَيْهِ رَاجِعٌ فِي الْمَعْنَى لِلنَّوْعِ الْأَوَّلِ لِأَنَّ الْمُدَّعِيَ يَقُولُ فِيهِمَا أَحْرَزْت نَفْسِي لِأَنَّك طَلَّقْتنِي، وَلِي عَلَيْك صَدَاقٌ أَوْ دِيَةٌ لِأَنَّك مَسِسْتنِي أَوْ قَتَلَتْ وَلِيِّي، وَكَذَا لَوْ قَالَ بِعْت لَك دَارِي أَوْ أَجَرْتهَا مِنْك فَادْفَعْ لِي ثَمَنَهَا أَوْ أُجْرَتَهَا، وَلِذِكْرِ السَّبَبِ فِي هَذَا النَّوْعِ لَا يَحْتَاجُ الْمُدَّعِي فِيهِ لِبَيَانِ السَّبَبِ بِخِلَافِ النَّوْعِ الْأَوَّلِ فَإِنَّ فِي كَوْنِ بَيَانِ السَّبَبِ فِيهِ كَانَ يَقُولُ مَنْ تَعَدٍّ أَوْ بِيعَ قَالَ خَلِيلٌ وَكَفَى بِعْت وَتَزَوَّجْت، وَحَمَلَ عَلَى الصَّحِيحِ، وَإِلَّا فَلْيَسْأَلْهُ الْحَاكِمُ عَنْ السَّبَبِ ثُمَّ قَالَ وَلِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ السُّؤَالُ عَنْ السَّبَبِ اهـ.

لَيْسَ مِنْ تَمَامِ صِحَّةِ الدَّعْوَى أَوْ مِنْ تَمَامِ صِحَّتِهَا خِلَافَانِ الْأَوَّلُ لِلْحَطَّابِ قَالَ بِدَلِيلِ قَوْلِ خَلِيلٍ، وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ إلَخْ، وَالثَّانِي الرَّمَّاحِيُّ مُحْتَجًّا بِكَلَامِ الْمَجْمُوعَةِ وَابْنِ عَرَفَةَ قَالَ التَّسَوُّلِيُّ، وَاعْتِرَاضُ بَنَّانِيٍّ عَلَيْهِ بِأَنَّهُ لَوْ كَانَ شَرْطًا لَبَطَلَتْ الدَّعْوَى مَعَ عَدَمِ ادِّعَاءِ النِّسْيَانِ سَاقِطٌ لِمَا عَلِمْت مِنْ أَنَّ هَذَا إنَّمَا هُوَ شَرْطُ صِحَّةٍ إذَا لَمْ يَدَّعِ النِّسْيَانَ كَمَا أَنَّ الدَّعْوَى بِالْمَجْهُولِ سَاقِطَةٌ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى التَّفْسِيرِ عِنْدَ الْمَازِرِيِّ، وَغَيْرِهِ كَمَا يَأْتِي ثُمَّ قَالَ وَيُؤَيِّدُ الْقَوْلَ بِأَنَّ بَيَانَ السَّبَبِ مِنْ تَمَامِ صِحَّةِ الدَّعْوَى أَنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ سَبَبُ مَا يَدَّعِيهِ فَاسِدًا كَوْنُهُ ثَمَنَ خَمْرٍ أَوْ رِبًا، وَنَحْوَ ذَلِكَ.

وَلِذَا قَالَ ابْنُ حَارِثٍ إذَا لَمْ يَسْأَلْهُ الْقَاضِي عَنْهُ أَيْ السَّبَبِ كَانَ كَالْخَابِطِ خَبْطَ عَشْوَاءَ قَالَ فَإِنْ سَأَلَهُ الْحَاكِمُ أَوْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ عَنْهُ، وَامْتَنَعَ مِنْ بَيَانِهِ لَمْ يُكَلَّفْ الْمَطْلُوبُ بِالْجَوَابِ فَإِنْ ادَّعَى نِسْيَانَهُ قُبِلَ بِغَيْرِ يَمِينٍ اهـ.

قَالَ التَّسَوُّلِيُّ وَيَنْبَنِي عَلَى بَيَانِهِ أَنَّ الْمَطْلُوبَ إذَا قَالَ فِي جَوَابِهِ لَا حَقَّ لَك عَلَيَّ لَا يُكْتَفَى مِنْهُ بِذَلِكَ بَلْ حَتَّى يَنْفِيَ السَّبَبَ الَّذِي بَيَّنَهُ الْمُدَّعِي اهـ. وَفِي الْأَصْلِ قَالَتْ الشَّافِعِيَّةُ، وَلَا يَلْزَمُ ذِكْرُ سَبَبِ مِلْكِ الْمَالِ بِخِلَافِ سَبَبِ الْقَتْلِ وَالْجِرَاحِ لِاخْتِلَافِ الْحُكْمِ هَاهُنَا بِالْعَمْدِ وَالْخَطَأِ، وَهَلْ قَتَلَهُ وَحْدَهُ أَوْ مَعَ غَيْرِهِ بِخِلَافِ الْمَالِ، وَلِأَنَّ إتْلَافَهُ لَا يُسْتَدْرَكُ بِخِلَافِ الْمَالِ، وَهَذَا لَا يُخَالِفُهُ أَصْحَابُنَا وَقَوَاعِدُنَا تَقْتَضِيهِ.

وَأَمَّا قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَابْنِ حَنْبَلٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - لَا تُسْمَعُ الدَّعَاوَى فِي النِّكَاحِ حَتَّى يَقُولَ تَزَوَّجْتهَا بِوَلِيٍّ وَرِضَاهَا وَشَاهِدَيْ عَدْلٍ بِخِلَافِ دَعْوَى الْمَالِ وَغَيْرِهِ مُحْتَجِّينَ بِثَلَاثَةِ وُجُوهٍ: الْأَوَّلُ أَنَّ النِّكَاحَ خَطَرٌ كَالْقَتْلِ إذْ الْوَطْءُ لَا يُسْتَدْرَكُ. الثَّانِي أَنَّ النِّكَاحَ لَمَّا اخْتَصَّ بِشُرُوطٍ زَائِدَةٍ عَلَى الْبَيْعِ مِنْ الصِّدْقِ وَغَيْرِهِ خَالَفْت دَعْوَاهُ الدَّعَاوَى قِيَاسًا لِلدَّعْوَى عَلَى الْمُدَّعَى بِهِ الثَّالِثُ أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ جَمِيعِ الْعُقُودِ يَدْخُلُهُ الْبَدَلُ وَالْإِبَاحَةُ بِخِلَافِهِ فَكَانَ خَطَرًا فَيُحْتَاطُ فِيهِ فَهُوَ خِلَافُ مَذْهَبِنَا مِنْ أَنَّ الدَّعْوَى فِي النِّكَاحِ تُسْمَعُ، وَإِنْ لَمْ يَقُلْ تَزَوَّجْتُهَا بِوَلِيٍّ، وَبِرِضَاهَا بَلْ يَكْفِيهِ أَنْ يَقُولَ هِيَ زَوْجَتِي.

وَقَالَهُ أَبُو حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَنَا وَجْهَانِ الْأَوَّلُ الْقِيَاسُ عَلَى الْبَيْعِ وَالرِّدَّةُ وَالْعِدَّةُ فَلَا يُشْتَرَطُ التَّعَرُّضُ لَهُمَا فَكَذَلِكَ غَيْرُهُمَا الثَّانِي أَنَّ ظَاهِرَ عُقُودِ الْمُسْلِمِينَ الصِّحَّةُ وَأَمَّا مَا احْتَجُّوا بِهِ فَالْجَوَابُ عَنْ الْأَوَّلِ أَنَّ غَالِبَ دَعْوَى الْمُسْلِمِ الصِّحَّةُ كَمَا عَلِمْت فَالِاسْتِدْرَاكُ حِينَئِذٍ نَادِرٌ لَا عِبْرَةَ بِهِ، وَالْقَتْلُ خَطَرُهُ أَعْظَمُ مِنْ حُرْمَةِ النِّكَاحِ

<<  <  ج: ص:  >  >>