للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مَعَ أَنَّ الْقَاعِدَةَ أَنَّ الْفَرْقَ بَيْنَ الْكُفْرِ وَالْكَبِيرَةِ إنَّمَا هُوَ بِعِظَمِ الْمَفْسَدَةِ وَصِغَرِهَا لِاشْتِرَاكِ الْجَمِيعِ فِي الْمَفْسَدَةِ وَالنَّهْيِ وَالتَّحْرِيمِ، وَمَا بَيْنَ هَاتَيْنِ الصُّورَتَيْنِ مِنْ الْمَفْسَدَةِ الَّتِي نَعْلَمُهَا مَا يَقْتَضِي الْكُفْرَ فِي إحْدَاهُمَا دُونَ الْأُخْرَى وَقَدْ أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى الْمَلَائِكَةَ بِالسُّجُودِ لِآدَمَ فَسَجَدُوا لَهُ، وَلَمْ يَكُنْ قِبْلَةً عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ بَلْ هُوَ الْمَقْصُودُ بِالتَّعْظِيمِ بِذَلِكَ السُّجُودِ، وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ إنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَمَرَ هُنَالِكَ بِمَا نَهَى عَنْهُ مِنْ الْكُفْرِ، وَلَا أَنَّهُ أَبَاحَ الْكُفْرَ لِأَجْلِ آدَمَ، وَلَا أَنَّ فِي السُّجُودِ لِآدَمَ مَفْسَدَةً تَقْتَضِي كُفْرًا.

وَلَوْ فَعَلَ مِنْ غَيْرِ أَمْرِ رَبِّهِ، وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ إنَّ الْأَمْرَ وَالنَّهْيَ عَنْهُمَا سَبَبَا الْمَفَاسِدِ وَالْمَصَالِحِ

ــ

[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]

كُفْرٌ؛ لِأَنَّهَا قَدْ عُبِدَتْ مُدَّةً، وَمُجَرَّدُ السُّجُودِ لِلْوَالِدِ لَيْسَ بِكُفْرٍ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَعْبُدْ مُدَّةً فَيَفْتَقِرُ ذَلِكَ إلَى تَوْقِيفٍ. قَالَ: (مَعَ أَنَّ الْقَاعِدَةَ أَنَّ الْفَرْقَ بَيْنَ الْكُفْرِ وَالْكَبِيرَةِ إنَّمَا هُوَ بِعِظَمِ الْمَفْسَدَةِ وَصِغَرِهَا لِاشْتِرَاكِ الْجَمِيعِ فِي الْمَفْسَدَةِ وَالنَّهْيِ وَالتَّحْرِيمِ، وَمَا بَيْنَ هَاتَيْنِ الصُّورَتَيْنِ مِنْ الْمَفْسَدَةِ الَّتِي نَعْلَمُهَا مَا يَقْتَضِي الْكُفْرَ فِي إحْدَاهُمَا دُونَ الْأُخْرَى وَقَدْ أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى الْمَلَائِكَةَ بِالسُّجُودِ لِآدَمَ فَسَجَدُوا لَهُ، وَلَمْ يَكُنْ قِبْلَةً عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ بَلْ هُوَ الْمَقْصُودُ بِالتَّعْظِيمِ بِذَلِكَ السُّجُودِ، وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ إنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَمَرَ هُنَالِكَ بِمَا نَهَى عَنْهُ مِنْ الْكُفْرِ، وَلَا أَنَّهُ أَبَاحَ الْكُفْرَ لِأَجْلِ آدَمَ، وَلَا أَنَّ فِي السُّجُودِ لِآدَمَ مَفْسَدَةً تَقْتَضِي كُفْرًا لَوْ فَعَلَ مِنْ غَيْرِ أَمْرِ رَبِّهِ، وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ إنَّ الْأَمْرَ وَالنَّهْيَ عَنْهُمَا سَبَبَا الْمَفَاسِدِ وَالْمَصَالِحِ

ــ

[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]

الْأُولَى لِشَهَادَةِ الْعُرْفِ لَهُ، وَهِيَ مُدَّعِيَةٌ، وَهُمَا فِي الثَّانِيَةِ عَلَى الْعَكْسِ، وَفَرْقُ ابْنِ الْمُسَيِّبِ يَقْتَضِي أَنَّهَا فِي الْأُولَى مُدَّعًى عَلَيْهَا لِأَنَّهَا تَقُولُ لَمْ يَكُنْ، وَفِي الثَّانِيَةِ مُدَّعِيَةٌ لِأَنَّهَا تَقُولُ قَدْ كَانَ كَمَا فِي التَّسَوُّلِيِّ عَلَى الْعَاصِمِيَّةِ قَالَ وَأُجِيبُ بِأَنَّ الرَّدَّ الْمَذْكُورَ لِلتَّعْرِيفَيْنِ أَيْ لِلْمُدَّعِي، وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِمَا ذُكِرَ أَيْ الْفَرْقُ الْأَوَّلُ.

وَفَرَقُ ابْنِ الْمُسَيِّبِ إنَّمَا يَتِمُّ وَلَوْ كَانَ الْقَائِلُ بِهِمَا يُسَلِّمُ أَنَّ الطَّالِبَ، وَمَنْ يَقُولُ قَدْ كَانَ فِيمَا ذُكِرَ أَيْ مِنْ الْمَسَائِلِ الَّتِي تَقْضِي بِهَا الرَّادُّ كُلًّا مِنْ التَّعْرِيفَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ مُدَّعًى عَلَيْهِ، وَإِلَّا فَقَدْ يَقُولُ إنَّهُ مُدَّعٍ قَامَ لَهُ شَاهِدٌ مِنْ عُرْفٍ أَوْ أَصْلٍ، وَلَا يُحْتَجُّ عَلَى الْإِنْسَانِ بِمَذْهَبٍ مِثْلِهِ، وَاخْتَارَ هَذَا الْجَوَابَ ابْنُ رَحَّالٍ

وَالْحَاصِلُ عَلَى مَا يَظْهَرُ مِنْ كَلَامِهِمْ، وَهُوَ الَّذِي يُوجِبُهُ النَّظَرُ أَنَّ الْمُتَدَاعِيَيْنِ أَنْ يَتَمَسَّكَ أَحَدُهُمَا بِالْعُرْفِ فَقَطْ كَالِاخْتِلَافِ فِي مَتَاعِ الْبَيْتِ، وَدَعْوَى الشَّبَهِ وَاخْتِلَافِ الْقَاضِي وَالْجُنْدِيِّ فِي الرُّمْحِ، وَالْجَزَّارِ وَالدَّبَّاغِ فِي الْجِلْدِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا لَمْ يَتَعَارَضْ فِيهِ الْعُرْفُ وَالْأَصْلُ، وَأَمَّا أَنْ يَتَمَسَّكَ بِالْأَصْلِ فَقَطْ كَالِاخْتِلَافِ فِي أَصْلِ الدَّيْنِ وَفِي قَضَائِهِ، وَفِي دَعْوَى الْحَائِزِ نَفْسَهُ الْحُرِّيَّةَ، وَدَعْوَى رَبِّ الْمَالِ وَالْمُودِعِ عَدَمَ الرَّدِّ مَعَ دَفْعِهِمَا بِإِشْهَادٍ، وَدَعْوَى الْيَتِيمِ عَدَمَ الْقَبْضِ، وَنَحْوَ ذَلِكَ فَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ فِي هَذَيْنِ أَيْ أَمْثِلَةُ شَهَادَةِ الْعُرْفِ فَقَطْ أَوْ الْأَصْلِ فَقَطْ، هُوَ الْمُتَمَسِّكُ بِذَلِكَ الْعُرْفِ أَوْ الْأَصْلِ عَلَى تَعْرِيفِ الْأَصْحَابِ، وَهُوَ الْمَطْلُوبُ، وَمَنْ يَقُولُ لَمْ يَكُنْ عَلَى التَّعْرِيفَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ، وَإِمَّا أَنْ يَتَمَسَّكَ أَحَدُهُمَا بِالْأَصْلِ، وَالْآخَرُ بِالْعُرْفِ فَيَأْتِي الْخِلَافُ كَدَعْوَى الزَّوْجِ عَلَى سَيِّدِ الْأَمَةِ أَنَّهُ غَرَّهُ بِتَزْوِيجِهَا فَالْأَصْلُ عَدَمُ الْغُرُورِ، وَبِهِ قَالَ سَحْنُونٌ، وَالْغَالِبُ عَدَمُ رِضَا الْحُرِّ بِتَزْوِيجِ الْأَمَةِ، وَبِهِ قَالَ أَشْهَبُ، وَهُوَ الرَّاجِحُ، وَكَمَسْأَلَةِ اخْتِلَافِ الْمُتَرَاهِنَيْنِ فِي قَدْرِ الدَّيْنِ فَإِنَّ الرَّهْنَ شَاهِدٌ عُرْفِيٌّ، وَالْأَصْلُ بَرَاءَةُ ذِمَّةِ الرَّاهِنِ، وَكَمَسْأَلَةِ الْحِيَازَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ، وَدَعْوَى عَامِلِ الْقِرَاضِ وَالْمُودِعِ عِنْدَهُ الرَّدَّ مَعَ عَدَمِ الْإِشْهَادِ لِأَنَّ الْغَالِبَ صِدْقُ الْأَمِينِ، وَدَعْوَى الْمَرْأَةِ الْمَسِيسَ، وَعَدَمَ الْإِنْفَاقِ، وَنَحْوَ ذَلِكَ فَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ فِي مِثْلِ هَذَا عَلَى تَعْرِيفِ الْأَصْحَابِ هُوَ الْمُتَمَسِّكُ بِالْعُرْفِ لِأَنَّ قَوْلَهُمْ أَوْ عُرْفٌ أَعَمُّ مِنْ كَوْنِهِ عَارَضَهُ أَصْلٌ أَمْ لَا، وَعَلَى التَّعْرِيفَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ.

هُوَ الْمَطْلُوبُ، وَمَنْ يَقُولُ لَمْ يَكُنْ لَكِنْ لَمَّا تَرَجَّحَ جَانِبُ الْمُدَّعِي فِيهَا بِشَهَادَةِ الْعُرْفِ لِأَنَّهُ أَقْوَى صَارَ الْمُدَّعِي مُدَّعًى عَلَيْهِ، وَيَدُلُّ لِهَذَا قَوْلُ ابْنِ رُشْدٍ مَا نَصُّهُ الْمَعْنَى الَّذِي مِنْ أَجْلِهِ وَجَبَ عَلَى الْمُدَّعِي إقَامَةَ الْبَيِّنَةِ تُجَرَّدُ دَعْوَاهُ مِنْ سَبَبٍ يَدُلُّ عَلَى صِدْقِهِ فِيمَا يَدَّعِيهِ فَإِنْ كَانَ لَهُ سَبَبٌ يَدُلُّ عَلَى صِدْقِهِ أَقْوَى مِنْ سَبَبِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ كَالشَّاهِدِ الْوَاحِدِ أَوْ الرَّهْنِ، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنْ إرْخَاءِ السِّتْرِ وَجَبَ أَنْ يَبْدَأَ بِالْيَمِينِ دُونَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ اهـ.

وَنَقَلَهُ الْقَلْشَانِيُّ، وَغَيْرُهُ فَتَأَمَّلْ كَيْفَ سَمَّاهُ مُدَّعِيًا، وَجَعَلَ الرَّهْنَ وَإِرْخَاءَ السُّتُورِ وَالشَّاهِدَ الْحَقِيقِيَّ سَبَبًا لِصَيْرُورَتِهِ مُدَّعًى عَلَيْهِ لِكَوْنِهِ فِي ذَلِكَ أَقْوَى مِنْ سَبَبِ خَصْمِهِ الْمُتَمَسِّكِ بِالْأَصْلِ، وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي الْعُرْفِ هَلْ هُوَ شَاهِدٌ أَوْ كَشَاهِدٍ أَنَّ الْبُرْزُلِيَّ الْقَاعِدَةُ إحْلَافُ مَنْ شَهِدَ لَهُ الْعُرْفُ فَيَكُونُ بِمَثَابَةِ الشَّاهِدِ، وَقِيلَ هُوَ كَالشَّاهِدَيْنِ اهـ. وَقَدْ دَرَجَ خَلِيلٌ فِي مَوَاضِعَ عَلَى أَنَّهُ كَالشَّاهِدِ مِنْهَا قَوْلُهُ فِي الرَّهْنِ، وَهُوَ كَالشَّاهِدِ فِي قَدْرِ الدَّيْنِ، وَقَدْ عَقَدَ فِي التَّبْصِرَةِ بَابًا فِي رُجْحَانِ قَوْلِ الْمُدَّعِي بِالْعَوَائِدِ، وَقَالَ الْقَرَافِيُّ أَجْمَعُوا عَلَى اعْتِبَارِ الْغَالِبِ وَإِلْغَاءِ الْأَصْلِ فِي الْبَيِّنَةِ إذَا شَهِدَتْ فَإِنَّ الْغَالِبَ صِدْقُهَا، وَالْأَصْلُ بَرَاءَةُ ذِمَّةِ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ اهـ فَهَذَا كُلُّهُ يُوَضِّحُ لَك الْجَوَابَ الْمُتَقَدِّمَ عَمَّا وَرَدَ عَلَى التَّعْرِيفَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ.

وَيَدُلُّك عَلَى عَدَمِ الْفَرْقِ بَيْنَ التَّعَارِيفِ الثَّلَاثَةِ لِأَنَّ الْمُدَّعِيَ قَدْ يَنْقَلِبُ مُدَّعًى عَلَيْهِ لِقِيَامِ سَبَبٍ أَقْوَى مِنْ سَبَبِ خَصْمِهِ كَانَ ذَلِكَ السَّبَبُ حَقِيقِيًّا أَوْ عُرْفِيًّا

<<  <  ج: ص:  >  >>