فَإِنْ نَهَى عَنْ السُّجُودِ كَانَ مَفْسَدَةً، وَإِنْ أَمَرَ بِهِ كَانَ مَصْلَحَةً؛ لِأَنَّ هَذَا يَلْزَمُ مِنْهُ الدَّوْرُ؛ لِأَنَّ الْمَفْسَدَةَ تَكُونُ حِينَئِذٍ تَابِعَةً لِلنَّهْيِ مَعَ أَنَّ النَّهْيَ يَتْبَعُ الْمَفْسَدَةَ فَيَكُونُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا تَابِعًا لِصَاحِبِهِ فَيَلْزَمْ الدَّوْرَ بَلْ الْحَقُّ أَنَّ الْمَفْسَدَةَ يَتْبَعُهَا النَّهْيُ، وَمَا لَا مَفْسَدَةَ فِيهِ لَا يَكُونُ مَنْهِيًّا عَنْهُ وَاسْتِقْرَاءُ الشَّرَائِعِ يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ فَإِنَّ السَّرِقَةَ لَمَّا كَانَ فِيهَا ضَيَاعُ الْمَالِ نَهَى عَنْهَا، وَلَمَّا كَانَ فِي الْقَتْلِ فَوَاتُ الْحَيَاةِ نَهَى عَنْهُ وَلَمَّا كَانَ فِي الزِّنَا مَفْسَدَةُ اخْتِلَاطِ الْأَنْسَابِ نَهَى عَنْهُ، وَلَمَّا كَانَ فِي الْخَمْرِ ذَهَابُ الْعُقُولِ نَهَى عَنْهُ فَلَا جَرَمَ لَمَّا صَارَ الْخَمْرُ خَلًّا ذَهَبَ عَنْهُ النَّهْيُ وَلَمَّا كَانَ عَصِيرًا لَا يُفْسِدُ الْعَقْلَ لَمْ يَكُنْ مَنْهِيًّا عَنْهُ فَالِاسْتِقْرَاءُ دَلَّ عَلَى أَنَّ الْمَفَاسِدَ وَالْمَصَالِحَ سَابِقَةٌ عَلَى الْأَوَامِرِ وَالنَّوَاهِي، وَالثَّوَابَ
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
فَإِنْ نَهَى عَنْ السُّجُودِ كَانَ مَفْسَدَةً، وَإِنْ أَمَرَ بِهِ كَانَ مَصْلَحَةً؛ لِأَنَّ هَذَا يَلْزَمُ مِنْهُ الدَّوْرُ؛ لِأَنَّ الْمَفْسَدَةَ تَكُونُ حِينَئِذٍ تَابِعَةً لِلنَّهْيِ مَعَ أَنَّ النَّهْيَ يَتْبَعُ الْمَفْسَدَةَ فَيَكُونُ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا تَابِعًا لِصَاحِبِهِ فَيَلْزَمُ الدَّوْرُ بَلْ الْحَقُّ أَنَّ الْمَفْسَدَةَ يَتْبَعُهَا النَّهْيُ، وَمَا لَا مَفْسَدَةَ فِيهِ لَا يَكُونُ مَنْهِيًّا عَنْهُ وَاسْتِقْرَاءُ الشَّرَائِعِ يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ فَإِنَّ السَّرِقَةَ لَمَّا كَانَ فِيهَا ضَيَاعُ الْمَالِ نَهَى عَنْهَا وَلَمَّا كَانَ فِي الْقَتْلِ فَوَاتُ الْحَيَاةِ نَهَى عَنْهُ وَلَمَّا كَانَ فِي الزِّنَا مَفْسَدَةُ اخْتِلَاطِ الْأَنْسَابِ نَهَى عَنْهُ وَلَمَّا كَانَ فِي الْخَمْرِ ذَهَابُ الْعُقُولِ نَهَى عَنْهُ فَلَا جَرَمَ لَمَّا صَارَ الْخَمْرُ خَلًّا ذَهَبَ النَّهْيُ عَنْهُ، وَلَمَّا كَانَ عَصِيرًا لَا يُفْسِدُ الْعَقْلَ لَمْ يَكُنْ مَنْهِيًّا عَنْهُ فَالِاسْتِقْرَاءُ دَلَّ عَلَى أَنَّ الْمَفَاسِدَ وَالْمَصَالِحَ سَابِقَةٌ عَلَى الْأَوَامِرِ وَالنَّوَاهِي، وَالثَّوَابُ
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
إلَّا أَنَّ الْعُرْفِيَّ لَا يَقْوَى عِنْدَهُمْ قُوَّةَ الْحَقِيقِيِّ فَلَيْسَتْ الْيَمِينُ مَعَهُ تَكْمِلَةً لِلنِّصَابِ حَتَّى يُؤَدِّيَ ذَلِكَ لِنَفْيِ يَمِينِ الْإِنْكَارِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ إذَا انْضَمَّ إلَيْهِ شَاهِدٌ حَقِيقِيٌّ لَا يَثْبُتُ الْحَقُّ بِدُونِ الْيَمِينِ كَمَا نَقَلَهُ بَعْضُهُمْ عَنْ الْمُتَيْطِيِّ عِنْدَ قَوْلِ خَلِيلٍ، وَهُوَ كَالشَّاهِدِ إلَخْ فَاعْتِرَاضُ التَّاوَدِيِّ عَلَى الْجَوَابِ السَّابِقِ بِكَوْنِهِ يُؤَدِّي لِنَفْيِ يَمِينِ الْإِنْكَارِ إلَخْ سَاقِطٌ اهـ بِتَوْضِيحِ الْمُرَادِ فَانْهَمْ.
(تَنْبِيهٌ) قَالَ الْأَصْلُ خُولِفَتْ قَاعِدَةُ الدَّعَاوَى أَيْ مِنْ قَبُولِ قَوْلِ الْمَطْلُوبِ دُونَ الطَّالِبِ فِي خَمْسِ مَوَاطِنَ يُقْبَلُ فِيهَا قَوْلُ الطَّالِبِ:
(أَحَدُهَا) اللِّعَانُ يُقْبَلُ فِيهِ قَوْلُ الزَّوْجِ لِأَنَّ الْعَادَةَ أَنَّ الرَّجُلَ يَنْفِي عَنْ زَوْجِهِ الْفَوَاحِش فَحَيْثُ أَقْدَمَ عَلَى رَمْيِهَا بِالْفَاحِشَةِ مَعَ أَيْمَانِهِ أَيْضًا قَدَّمَهُ الشَّرْعُ.
(وَثَانِيهَا) فِي الْقَسَامَةِ يُقْبَلُ فِيهَا قَوْلُ الطَّالِبِ لِتَرَجُّحِهِ بِاللَّوْثِ.
(وَثَالِثُهَا) قَبُولُ قَوْلِ الْأُمَنَاءِ فِي التَّلَفِ لِئَلَّا يَزْهَدَ النَّاسُ فِي قَبُولِ الْأَمَانَاتِ فَتَفُوتَ مَصَالِحُهَا الْمُتَرَتِّبَةُ عَلَى حِفْظِ الْأَمَانَاتِ، وَالْأَمِينُ قَدْ يَكُونُ أَمِينًا مِنْ جِهَةِ مُسْتَحِقِّ الْأَمَانَةِ، وَقَدْ يَكُونُ مِنْ جِهَةِ الشَّرْعِ كَالْوَصِيِّ وَالْمُتَلَقِّطِ، وَمَنْ أَلْقَتْ الرِّيحُ ثَوْبًا فِي بَيْتِهِ.
(وَرَابِعُهَا) قَبُولُ قَوْلِ الْحَاكِمِ فِي التَّجْرِيحِ وَالتَّعْدِيلِ وَغَيْرِهِمَا مِنْ الْأَحْكَامِ لِئَلَّا تَفُوتُ الْمَصَالِحُ الْمُرَتَّبَةُ عَلَى الْوِلَايَةِ لِلْأَحْكَامِ.
(وَخَامِسُهَا) قَبُولُ قَوْلِ الْغَاصِبِ فِي التَّلَفِ مَعَ يَمِينِهِ لِضَرُورَةِ الْحَاجَةِ لِئَلَّا يَخْلُدَ فِي الْحَبْسِ اهـ، وَسَلَّمَهُ ابْنُ الشَّاطِّ لَكِنْ قَالَ التَّسَوُّلِيُّ عَلَى الْعَاصِمِيَّةِ فَتَأَمَّلْ عَدَّهُ اللِّعَانَ وَالْقَسَامَةَ وَالْأَمَانَةَ فَإِنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ ذَلِكَ مِمَّا قُدِّمَ فِيهِ الْغَالِبُ عَلَى الْأَصْلِ كَمَا مَرَّ فَلَمْ تَكُنْ فِيهِ مُخَالَفَةٌ، وَبَعْضُهُمْ يُعَبِّرُ عَنْ الْأَمِينِ أَنَّ الْغَالِبَ صِدْقُهُ أَيْ فِي الرَّدِّ وَالتَّلَفِ، وَبَعْدَ أَنْ ذَكَرَهَا الْمِكْنَاسِيُّ فِي مَجَالِسِهِ قَالَ، وَمِنْهَا اللُّصُوصُ إذَا قَدِمُوا بِمَتَاعٍ، وَادَّعَى شَخْصٌ أَنَّهُ لَهُ، وَأَنَّهُمْ نَزَعُوهُ مِنْهُ فَيُقْبَلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ، وَيَأْخُذُهُ، وَمِنْهَا السِّمْسَارُ إذَا ادَّعَى عَلَيْهِ أَنَّهُ غَيَّبَ مَا أَعْطَى لَهُ لِلْبَيْعِ، وَكَانَ مَعْلُومًا بِالْعَدَاءِ، وَبِإِنْكَارِ النَّاسِ فَيَصْدُقُ الْمُدَّعِي بِيَمِينِهِ، وَيَغْرَمُ السِّمْسَارُ، وَمِنْهَا السَّارِقُ إذَا سَرَقَ مَتَاعَ رَجُلٍ، وَانْتَهَبَ مَالَهُ، وَأَرَادَ قَتْلَهُ، وَقَالَ الْمَسْرُوقُ أَنَا أَعْرِفُهُ فَيُصَدَّقُ الْمَسْرُوقُ بِيَمِينِهِ، وَهَذِهِ الْمَسَائِلُ الَّتِي زَادَهَا لَا تَحْمِلُهَا الْأُصُولُ كَمَا لِأَبِي الْحَسَنِ، وَلَا يُخَالِفُ مَا لِلْمِكْنَاسِيِّ مِنْ قَبُولِ قَوْلِ مَنْ ادَّعَى عَلَى اللُّصُوصِ أَنَّهُمْ أَخَذُوا مَا قَدِمُوا بِهِ مِنْهُ، وَيَأْخُذُهُ وَنَحْوُ ذَلِكَ قَوْلُ الْقَرَافِيِّ الْآتِي فِي الْفَرْقِ بَيْنَ مَا يُقَدَّمُ فِيهِ النَّادِرُ عَلَى الْغَالِبِ، وَمَا لَا مَا نَصُّهُ: أَخْذُ السُّرَّاقِ الْمَنْهُومِينَ بِالتُّهَمِ وَقَرَائِنِ أَحْوَالِهِمْ كَمَا يَفْعَلُهُ الْأُمَرَاءُ الْيَوْمَ دُونَ الْإِقْرَارِ الصَّحِيحِ، وَالْبَيِّنَاتِ الْمُعْتَبَرَةِ الْغَالِبُ مُصَادَفَتُهُ لِلصَّوَابِ، وَالنَّادِرُ خَطَؤُهُ، وَمَعَ ذَلِكَ أَلْغَى الشَّارِعُ هَذَا الْغَالِبَ صَوْنًا لِلْأَعْرَاضِ وَالْأَطْرَافِ عَنْ الْقَطْعِ اهـ.
فَإِنَّهُ يُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّهُ إنَّمَا أَلْغَى الشَّارِعُ هَذَا الْغَالِبَ بِالنِّسْبَةِ لِلْأَعْرَاضِ وَالْأَطْرَافِ لَا بِالنِّسْبَةِ لِلْغَرَامَةِ فَإِنَّهُ يَغْرَمُ فَيُوَافِقُ مَا لِلْمِكْنَاسِيِّ، وَلِهَذَا دَرَجَ نَاظِمُ الْعَمَلِ عَلَى ذَلِكَ حَيْثُ قَالَ:
لِوَالِدِ الْقَتِيلِ مَعَ يَمِينِ ... الْقَوْلُ فِي الدَّعْوَى بِلَا تَبْيِينِ
إذَا ادَّعَى دَرَاهِمًا وَأَنْكَرَا ... الْقَاتِلُونَ مَا ادَّعَاهُ وَطَرَا
فَلَا مَفْهُومَ لِقَوْلِهِ الْقَتِيلِ بَلْ الْمَدَارُ عَلَى كَوْنِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مَعْرُوفًا بِالْغَصْبِ وَالْعَدَاءِ اُنْظُرْ شَرْحُهُ، وَانْظُرْ مَا يَأْتِي فِي الْغَصْبِ وَلَا بُدَّ اهـ.
وَفِي الْغَصْبِ لَمَّا ذَكَرَ كَلَامَ نَاظِمٍ الْعَمَلُ فِي شَرْحِهِ لِلْبَيْتَيْنِ، وَنَقَلَهُ عَنْ ابْنِ النَّعِيمِ مَا نَصُّهُ الَّذِي جَرَى بِهِ الْعَمَلُ عِنْدَنَا فِي هَذِهِ