وَالْمَسْمُوعَاتِ وَقَدْ يَكُونُ لِذَلِكَ وُجُودٌ حَقِيقِيٌّ يَخْلُقُ اللَّهُ تِلْكَ الْأَعْيَانَ عِنْدَ تِلْكَ الْمُحَاوَلَاتِ وَقَدْ لَا تَكُونُ لَهُ حَقِيقَةٌ بَلْ تَخَيُّلُ صَرْفٍ وَقَدْ يَسْتَوْلِي ذَلِكَ عَلَى الْأَوْهَامِ حَتَّى يَتَخَيَّلَ الْوَهْمُ مُضِيَّ السِّنِينَ الْمُتَطَاوِلَةِ فِي الزَّمَنِ الْيَسِيرِ وَتَكَرُّرَ الْفُصُولِ وَتَخَيَّلَ السِّنَّ وَحُدُوثَ الْأَوْلَادِ وَانْقِضَاءَ الْأَعْمَارِ فِي الْوَقْتِ الْمُتَقَارِبِ مِنْ السَّاعَةِ وَنَحْوِهَا وَيَسْلُبُ الْفِكْرَ الصَّحِيحَ بِالْكُلِّيَّةِ وَيَصِيرُ أَحْوَالُ الْإِنْسَانِ مَعَ تِلْكَ الْمُحَاوَلَاتِ كَحَالَاتِ النَّائِمِ مِنْ غَيْرِ فَرْقٍ وَيَخْتَصُّ ذَلِكَ كُلُّهُ بِمَنْ عُمِلَ لَهُ، وَمَنْ لَمْ يُعْمَلْ لَهُ لَا يَجِدُ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ.
(النَّوْعِ الثَّانِي) الْهِيمْيَاءِ وَامْتِيَازُهَا عَنْ السِّيمِيَاءِ أَنَّ مَا تَقَدَّمَ يُضَافُ لِلْآثَارِ السَّمَاوِيَّةِ مِنْ الِاتِّصَالَاتِ الْفَلَكِيَّةِ وَغَيْرِهَا مِنْ أَحْوَالِ الْأَفْلَاكِ فَيَحْدُثُ جَمِيعُ مَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ فَخَصَّصُوا هَذَا النَّوْعَ لِهَذَا الِاسْمِ تَمْيِيزًا بَيْنَ الْحَقَائِقِ.
(النَّوْعُ الثَّالِثُ) بَعْضُ خَوَاصِّ الْحَقَائِقِ مِنْ الْحَيَوَانَاتِ وَغَيْرِهَا كَمَا تُؤْخَذُ سَبْعٌ مِنْ الْحِجَارَةِ فَيُرْجَمُ بِهَا نَوْعٌ مِنْ الْكِلَابِ شَأْنُهُ إذَا رَمَى بِحَجَرٍ عَضَّهُ وَبَعْضُ الْكِلَابِ لَا يَعَضُّهُ فَالنَّوْعُ الْأَوَّلُ إذَا رُمِيَ بِهَذِهِ السَّبْعَةِ الْأَحْجَارِ فَيَعَضُّهَا كُلَّهَا لُقِطَتْ بَعْدَ ذَلِكَ وَطُرِحَتْ فِي مَاءٍ فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ ظَهَرَتْ فِيهِ آثَارٌ عَجِيبَةٌ خَاصَّةٌ نَصَّ عَلَيْهَا السَّحَرَةُ وَنَحْوُ هَذَا النَّوْعِ مِنْ الْخَوَاصِّ الْمُغَيِّرَةِ لِأَحْوَالِ النُّفُوسِ، وَأَمَّا خَوَاصُّ الْحَقَائِقِ الْمُخْتَصَّةِ بِانْفِعَالَاتِ الْأَمْزِجَةِ صِحَّةً أَوْ سَقَمًا نَحْوَ الْأَدْوِيَةِ وَالْأَغْذِيَةِ مِنْ الْجَمَادِ وَالنَّبَاتِ وَالْحَيَوَانِ الْمَسْطُورَةِ فِي كُتُبِ الْأَطِبَّاءِ وَالْعَشَّابِينَ والطبائعيين فَلَيْسَ مِنْ هَذَا النَّوْعِ بَلْ هَذَا مِنْ عِلْمِ الطِّبِّ لَا مِنْ عِلْمِ السِّحْرِ وَيَخْتَصُّ
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
وَمُقَابِلُ الْمَشْهُورِ قَوْلُ ابْنِ نَافِعٍ أَنَّ الْخُلْطَةَ لَا تُشْتَرَطُ فِي هَذَا النَّوْعِ كَمَا فِي تَبْصِرَةِ ابْنِ فَرْحُونٍ قَالَ وَفِي الْمُتَيْطِيَّةِ عَنْ ابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ مِثْلُهُ، وَأَنَّ الْيَمِينَ تَجِبُ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ دُونَ خُلْطَةٍ، وَبِهِ أَخَذَ ابْنُ لُبَابَةَ، وَغَيْرُهُ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي وَالْيَمِينُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ» اهـ.
وَفِي الْأَصْلِ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ لَنَا مَا رَوَاهُ سَحْنُونٌ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «الْبَيِّنَةُ عَلَى مَنْ ادَّعَى، وَالْيَمِينُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ إذَا كَانَتْ بَيْنَهُمَا خُلْطَةٌ» ، وَزِيَادَةُ الْعَدْلِ مَقْبُولَةٌ
وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَا يَدَّعِي الْحَاكِمُ عَلَى الْخَصْمِ إلَّا أَنْ يَعْلَمَ أَنَّ بَيْنَهُمَا مُعَامَلَةً، وَلَمْ يُرْوَ لَهُ مُخَالِفٌ مِنْ الصَّحَابَةِ فَكَانَ إجْمَاعًا، وَلِأَنَّ عَمَلَ الْمَدِينَةِ كَذَلِكَ، وَلِأَنَّهُ لَوْلَا ذَلِكَ لَتَجَرَّأَ السُّفَهَاءُ عَلَى ذَوِي الْأَقْدَارِ بِتَبْذِيلِهِمْ عِنْدَ الْأَحْكَامِ بِالتَّحْلِيفِ، وَذَلِكَ شَاقٌّ عَلَى ذَوِي الْهَيْئَاتِ، وَرُبَّمَا الْتَزَمُوا مَا لَا يَلْزَمْهُمْ مِنْ الْجُمَلِ الْعَظِيمَةُ مِنْ الْمَالِ فِرَارًا مِنْ الْحَلِفِ كَمَا فَعَلَهُ عُثْمَانُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وَقَدْ يُصَادِفُهُ عَقِبَ الْحَلِفِ مُصِيبَةٌ فَيُقَالُ هِيَ بِسَبَبِ الْحَلِفِ فَيَتَعَيَّنُ حَسْمُ الْبَابِ إلَّا عِنْدَ قِيَامِ مُرَجِّحٍ لِأَنَّ صِيَانَةَ الْأَعْرَاضِ وَاجِبَةٌ، وَالْقَوَاعِدُ تَقْتَضِي دَرْءَ مِثْلِ هَذِهِ الْمَفْسَدَةِ، وَأَمَّا احْتِجَاجُهُمْ بِالْحَدِيثِ السَّابِقِ بِدُونِ زِيَادَةٍ مِنْ جِهَةِ أَنَّهُ عَامٌّ فِي كُلِّ مُدَّعًى عَلَيْهِ فَيَسْقُطُ اعْتِبَارُ مَا ذَكَرَ مِنْ الشَّرْطِ فَجَوَابُهُ مِنْ جِهَتَيْنِ:
(الْأُولَى) أَنَّ مَقْصُودَ الْحَدِيثِ بَيَانُ مَنْ عَلَيْهِ الْبَيِّنَةُ، وَمَنْ عَلَيْهِ الْيَمِينُ لَا بَيَانُ حَالِ مَنْ تَتَوَجَّهَ عَلَيْهِ، وَالْقَاعِدَةُ أَنَّ اللَّفْظَ إذَا وَرَدَ لِمَعْنًى لَا يَحْتَجُّ بِهِ فِي غَيْرِهِ لِأَنَّ الْمُتَكَلِّمَ مُعْرِضٌ عَنْ ذَلِكَ الْغَيْرِ، وَلِهَذِهِ الْقَاعِدَةِ وَقَعَ الرَّدُّ عَلَى أَبِي حَنِيفَةَ فِي اسْتِدْلَالِهِ عَلَى وُجُوبِ الزَّكَاةِ فِي الْخَضْرَاوَاتِ بِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «فِيمَا سَقَتْ السَّمَاءُ الْعُشْرُ» بِأَنَّ مَقْصُودَ الْحَدِيثِ بَيَانُ الْجُزْءِ الْوَاجِبِ فِي الزَّكَاةِ لَا بَيَانُ مَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ.
(الْجِهَةُ الثَّانِيَةُ) أَنَّ الْعَامَّ فِي الْأَشْخَاصِ غَيْرُ عَامٍّ فِي الْأَحْوَالِ وَالْأَزْمِنَةِ وَالْبِقَاعِ وَالْمُتَعَلِّقَاتِ كَمَا تَقَرَّرَ فِي عِلْمِ الْأُصُولِ فَيَكُونُ الْحَدِيثُ مُطْلَقًا فِي أَحْوَالِ الْحَالِفِينَ الْمُحْتَمِلَةِ عَلَى الْحَالَةِ الْمُحْتَمِلَةِ، وَهِيَ الْمُتَقَدِّمَةُ الَّتِي فِيهَا الْخُلْطَةُ لِأَنَّهَا الْمُجْمَعُ عَلَيْهَا فَلَا يَحْتَجَّ بِهِ فِي غَيْرِهَا، وَإِلَّا لَكَانَ عَامًّا فِي الْأَحْوَالِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ، وَأَمَّا احْتِجَاجُهُمْ بِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «شَاهِدَاك أَوْ يَمِينُهُ» ، وَلَمْ يَذْكُرْ مُخَالَطَةً فَجَوَابُهُ مِنْ جِهَتَيْنِ أَيْضًا:
(الْأُولَى) أَنَّ مَقْصُودَهُ بَيَانُ الْحَصْرِ، وَبَيَانُ مَا يَخْتَصُّ بِهِ مِنْهُمَا لَا بَيَانُ شَرْطِ ذَلِكَ أَلَا تَرَى أَنَّهُ أَعْرَضَ عَنْ شَرْطِ الْبَيِّنَةِ مِنْ الْعَدَالَةِ وَغَيْرِهَا
(الْجِهَةُ الثَّالِثَةُ) أَنَّهُ لَيْسَ عَامًّا فِي الْأَشْخَاصِ لِأَنَّ الْمُخَالَطَةَ لِلشَّخْصِ الْوَاحِدِ لَا تَعُمُّ فَيُحْمَلُ عَلَى الْحَالَةِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا لِلْحَدِيثِ الَّذِي رَوَيْنَاهُ، وَأَمَّا احْتِجَاجُهُمْ بِأَنَّ الْحُقُوقَ قَدْ تَثْبُتُ بِدُونِ الْخُلْطَةِ فَاشْتِرَاطُهَا يُؤَدِّي إلَى ضَيَاعِ الْحُقُوقِ، وَتَخْتَلُّ حِكْمَةُ الْحُكَّامِ فَجَوَابُهُ أَنَّهُ مُعَارَضٌ بِمَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ تَسَلُّطِ الْفَسَقَةِ السَّفَلَةِ عَلَى الْأَتْقِيَاءِ الْأَخْيَارِ عِنْدَ الْقُضَاةِ، وَأَنَّهُ يَفْتَحُ بَابَ دَعْوَى أَحَدِ الْعَامَّةِ عَلَى الْخَلِيفَةِ أَوْ الْقَاضِي أَنَّهُ اسْتَأْجَرَهُ أَوْ عَلَى أَعْيَانِ الْعُلَمَاءِ أَنَّهُ قَاوَلَهُ، وَعَاقَدَهُ عَلَى كَنْسِ مِرْحَاضِهِ أَوْ خِيَاطَةِ قَلَنْسُوَتِهِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا يَقْطَعُ بِكَذِبِهِ فِيهِ فَمَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ اشْتِرَاطِ الْخُلْطَةِ هُوَ الْمَنْهَجُ الْقَوِيمُ فِي الْجَمْعِ بَيْنَ النُّصُوصِ وَالْقَوَاعِدِ، وَسَلَّمَهُ ابْنُ الشَّاطِّ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(وَصْلٌ) فِي مَسَائِلَ تَتَعَلَّقُ بِهَذَا الْفَرْقِ
(الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى) قَالَ فِي الْجَوَاهِرِ تَثْبُتُ الْخُلْطَةُ حَيْثُ اشْتَرَطَتْ بِإِقْرَارِ الْخَصْمِ وَالشَّاهِدَيْنِ وَالشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ لِأَنَّهَا أَسْبَابُ الْأَمْوَالِ فَتَلْحَقُ بِهَا فِي الْحِجَاجِ، وَفِي كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ مَنْ أَقَامَ بِالْخُلْطَةِ شَاهِدًا وَاحِدًا حَلَفَ مَعَهُ، وَتَثْبُتُ الْخُلْطَةُ ثُمَّ يَحْلِفُ الْمَطْلُوبُ حِينَئِذٍ، وَقَالَهُ ابْنُ نَافِعٍ وَابْنُ كِنَانَةَ، وَفِي أَحْكَامِ ابْنِ بَطَّالٍ أَنَّ