للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَاعْلَمْ أَنَّ السِّحْرَ يَلْتَبِسُ بِالْهِيمْيَاءِ وَالسِّيمْيَاءِ وَالطَّلْسَمَاتِ وَالْأَوْفَاقِ وَالْخَوَاصِّ الْمَنْسُوبَةِ لِلْحَقَائِقِ وَالْخَوَاصِّ الْمَنْسُوبَةِ لِلنُّفُوسِ وَالرُّقَى وَالْعَزَائِمِ وَالِاسْتِخْدَامَات فَهَذِهِ عَشْرُ حَقَائِقَ.

(الْحَقِيقَةُ الْأُولَى) السِّحْرُ وَقَدْ وَرَدَ الْكِتَابُ الْعَزِيزُ بِذَمِّهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى} [طه: ٦٩] وَفِي السُّنَّةِ أَيْضًا لَمَّا عَدَّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - الْكَبَائِرَ قَالَ وَالسِّحْرُ غَيْرَ أَنَّ الْكُتُبَ الْمَوْضُوعَةَ فِي السِّحْرِ وُضِعَ فِيهَا هَذَا الِاسْمُ عَلَى مَا هُوَ كَذَلِكَ كُفْرٌ وَمُحَرَّمٌ وَعَلَى مَا لَيْسَ كَذَلِكَ وَكَذَلِكَ السَّحَرَةُ يُطْلِقُونَ لَفْظَ السِّحْرِ عَلَى الْقِسْمَيْنِ فَلَا بُدَّ مِنْ التَّعَرُّضِ لِبَيَانِ ذَلِكَ فَنَقُولُ السِّحْرُ اسْمُ جِنْسٍ لِثَلَاثَةِ أَنْوَاعٍ.

(النَّوْعُ الْأَوَّلُ) السِّيمِيَاءُ وَهُوَ عِبَارَةٌ عَمَّا يُرَكَّبُ مِنْ خَوَاصَّ أَرْضِيَّةٍ كَدُهْنٍ خَاصٍّ أَوْ مَائِعَاتٍ خَاصَّةٍ أَوْ كَلِمَاتٍ خَاصَّةٍ تُوجِبُ تَخَيُّلَاتٍ خَاصَّةً وَإِدْرَاكَ الْحَوَاسِّ الْخَمْسِ أَوْ بَعْضًا لِحَقَائِقَ مِنْ الْمَأْكُولَاتِ وَالْمَشْمُومَاتِ وَالْمُبْصَرَاتِ وَالْمَلْمُوسَاتِ

ــ

[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]

السِّحْرَ عَلَى الْجُمْلَةِ مِنْهُ مَا هُوَ خَارِقٌ لِلْعَوَائِدِ، وَمِنْهُ غَيْرُ ذَلِكَ وَجَمِيعُهُ مِنْ جُمْلَةِ أَفْعَالِ اللَّهِ تَعَالَى الْجَائِزَةِ عَقْلًا فَلَا غَرْوَ أَنْ يَنْتَهِيَ إلَى الْإِحْيَاءِ وَالْإِمَاتَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يَكُونَ هُنَالِكَ مَانِعٌ سَمْعِيٌّ مِنْ وُقُوعِ بَعْضِ تِلْكَ الْجَائِزَاتِ وَقَدْ سَبَقَتْ لَهُ حِكَايَةُ إجْمَاعِ الْأُمَّةِ عَلَى أَنَّهُ لَا يَصِلُ إلَى إحْيَاءِ الْمَوْتَى، وَإِبْرَاءِ الْأَكْمَهِ وَفَلْقِ الْبَحْرِ، وَإِنْطَاقِ الْبَهَائِمِ وَهَذَا الْإِجْمَاعُ الَّذِي حَكَاهُ لَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ مُسْتَنَدُهُ إلَّا التَّوْقِيفَ، وَلَا أَعْرِفُ الْآنَ صِحَّةَ ذَلِكَ الْإِجْمَاعِ، وَلَا التَّوْقِيفَ الَّذِي اسْتَنَدَ إلَيْهِ ذَلِكَ الْإِجْمَاعُ

ــ

[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]

نَوْعَانِ: الْأَوَّلُ مَا يَشْهَدُ بِهَا الْعُرْفُ فَيُشْرَعُ التَّحْلِيفُ بِمُجَرَّدِهَا بِلَا شَرْطِ خُلْطَةٍ وَنَحْوِهَا، وَتَتَّفِقُ الْأَئِمَّةُ فِيهَا، وَحَصَرَ أَبُو عُمَرَ هَذَا النَّوْعَ فِي خَمْسِ مَوَاطِنَ:

(الْمَوْطِنُ الْأَوَّلُ) أَهْلُ التُّهَمِ وَالْعَدَاءِ وَالظُّلْمِ لِكُلِّ مَنْ كَانَ مُتَّهَمًا بِمَا ادَّعَى عَلَيْهِ مِنْ الْمُعَامَلَاتِ.

(الْمَوْطِنُ الثَّانِي) الصُّنَّاعُ فِيمَا ادَّعَى عَلَيْهِ مِنْ أَعْمَالِهِمْ أَنَّهُمْ اسْتَصْنَعُوهُمْ، وَالتُّجَّارُ لِمَنْ تَاجَرَهُمْ، وَأَهْلُ الْأَسْوَاقِ، وَأَهْلُ الْحَوَانِيتِ فِيمَا ادَّعَى عَلَيْهِمْ أَنَّهُمْ بَاعُوهُ مِمَّا يُرِيدُونَهُ، وَيَتَّجِرُونَ فِيهِ بِخِلَافِ غَيْرِ مَا يُرِيدُونَهُ وَيَتَّجِرُونَ فِيهِ فَلَا يَمِينَ فِيهِ إلَّا بِشُبْهَةٍ.

(الْمَوْطِنُ الثَّالِثُ) الْقَائِلُ عِنْدَ مَوْتِهِ لِي عِنْدَ فُلَانٍ دَيْنٌ أَوْ تَدَّعِي وَرَثَةُ الْمُتَوَفَّى عَلَى رَجُلٍ بِأَنَّ لِمُوَرِّثِهِمْ مَالًا عَلَيْهِ مِنْ وَجْهٍ نَصُّوهُ لِأَنَّ مَنْ ادَّعَى بِسَبَبٍ مُتَوَفًّى فَهُوَ بِخِلَافِ الْحَيِّ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ.

(الْمَوْطِنُ الرَّابِعُ) الْمُتَضَيِّفُ عِنْدَ الرَّجُلِ فَيَدَّعِي عَلَيْهِ.

(الْمَوْطِنُ الْخَامِسُ) الْعَارِيَّةُ الْوَدِيعَةُ كَأَنْ يَنْزِلَ الْغَرِيبُ الْمَدِينَةَ فَيَدَّعِي أَنَّهُ اسْتَوْدَعَ رَجُلًا مَالًا، وَزَادَ فِي التَّبْصِرَةِ مَوْطِنًا سَادِسًا، وَهُوَ الْقَاتِلُ يَدَّعِي أَنَّ وَلِيَّ الْمَقْتُولِ عَفَا عَنْهُ فَفِي أَحْكَامِ ابْنِ سَهْلٍ عَنْ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ يَحْلِفُ، وَأَنْكَرَهُ أَشْهَبُ وَمَوْطِنًا سَابِعًا، وَهُوَ مَنْ بَاعَ سِلْعَةَ رَجُلٍ، وَادَّعَى أَنَّهُ أَمَرَهُ بِبَيْعِهَا، وَأَنْكَرَهُ صَاحِبُهَا، وَهِيَ قَائِمَةٌ بِعَيْنِهَا فَإِنَّهُ يَحْلِفُ، وَيَأْخُذُهَا، وَمَوْضِعًا ثَامِنًا، وَهُوَ مَنْ ادَّعَى عَلَى مَنْ لَقِيَهُ بَقِيَّةَ كِرَاءٍ حَلَفَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَنَّهُ مَا اكْتَرَى مِنْهُ شَيْئًا، وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ هُوَ صَاحِبُ الدَّابَّةِ حَلَفَ إنْ كَانَ مُنْكِرًا.

(النَّوْعُ الثَّانِي) مَا لَمْ يَتَعَرَّضْ الْعُرْفُ لِتَكْذِيبِهَا، وَلَا تَصْدِيقِهَا فَلَا يُشْرَعُ فِيهَا التَّحْلِيفُ إلَّا بِإِثْبَاتِ خُلْطَةِ مَشْهُورِ الدَّعْوَى دَيْنٌ عَلَى غَيْرِ مَنْ تَقَدَّمَ فِي الْمَوَاطِنِ الْمَذْكُورَةِ، وَكَمَا إذَا ادَّعَى عَلَى الرَّجُلِ الْمُبَرَّزِ مَنْ لَيْسَ مِنْ شَكْلِهِ وَلَا نَمَطِهِ لَمْ تَجِبْ لَهُ الْيَمِينُ عَلَيْهِ إلَّا بِثُبُوتِ الْخُلْطَةِ كَمَا فِي التَّبْصِرَةِ عَنْ وَثَائِقِ ابْنِ الْهِنْدِيِّ، وَلِأَصْحَابِنَا فِي الْخُلْطَةِ الَّتِي اُشْتُرِطَتْ فِي هَذَا النَّوْعِ عَلَى مَشْهُورِ الْمَذْهَبِ أَرْبَعَةُ أَقْوَالٍ: (الْأَوَّلُ) لِابْنِ الْقَاسِمِ هِيَ أَنْ يُسَالِفَهُ أَوْ يُبَايِعَهُ مِرَارًا، وَإِنْ تَقَابَضَا فِي ذَلِكَ الثَّمَنِ أَوْ السِّلْعَةِ، وَتَفَاصَلَا قَبْلَ التَّفْرِقَةِ. (وَالثَّانِي) لِسَحْنُونٍ لَا بُدَّ مِنْ الْبَيْعِ بَيْنَ الْمُتَدَاعِيَيْنِ. (وَالثَّالِثُ) لِلْأَبْهَرِيِّ هِيَ أَنْ تَكُونَ الدَّعْوَى تَشْبِيهٌ أَنْ يَدَّعِيَ مِثْلَهَا عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، وَإِلَّا فَلَا يَحْلِفُ إلَّا أَنْ يَأْتِيَ الْمُدَّعِي بِلَطْخٍ.

(وَالرَّابِعُ) لِلْقَاضِي أَبِي حَسَنِ بْنِ الْقَصَّارِ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ يُشْبِهُ أَنْ يُعَامَلَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ كَمَا فِي الْأَصْلِ قَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ فِي التَّبْصِرَةِ وَفِي الْمُتَيْطِيَّةِ، وَفَسَّرَ أَصْبَغُ الْخُلْطَةَ فَلَمْ يَرَ الَّذِينَ يُصَلُّونَ فِي مَسْجِدٍ وَاحِدٍ، وَلَا الْجُلَسَاءُ فِي الْأَسْوَاقِ، وَلَا الْجِيرَانُ خُلْطَةً، وَلَمْ يَرَهَا إلَّا بِتَكَرُّرِ الْمُبَايَعَةِ، وَأَنْ يَبِيعَ مِنْهُ بِالنَّسِيئَةِ اهـ.

قُلْت وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا هُوَ مُرَادُ سَحْنُونٍ فَافْهَمْ قَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ، وَفَائِدَةُ اشْتِرَاطِ كُلٍّ مِنْ تَكْرَارِ الْمُبَايَعَةِ وَالنَّسِيئَةِ أَنَّهُ لَوْ بَايَعَهُ مَرَّةً بِالنَّقْدِ، وَقَبَضَ الثَّمَنَ وَتَفَاصَلَا لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ خُلْطَةً لِأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ بَيْنَهُمَا بَقِيَّةٌ تُوجِبُ الْيَمِينَ قَالَ وَوَقَعَ فِي كَلَامِ ابْنِ رَاشِدٍ التَّفْرِقَةُ بَيْنَ خُلْطَةِ الْمُبَايَعَةِ وَبَيْنَ خُلْطَةِ الْمُصَاحَبَةِ وَالْمُؤَاخَاةِ فَإِنَّهُ بَعْدَ قَوْلِهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ إذَا ادَّعَى رَجُلٌ عَلَى رَجُلٍ كَفَالَةً فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ لَا بُدَّ مِنْ الْخُلْطَةِ قَالَ يُرِيدُ خُلْطَةَ صُحْبَةٍ وَمُؤَاخَاةٍ لَا خُلْطَةَ مُبَايَعَةٍ قَالَ ابْنُ مُحْرِزٍ ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ أَنَّ الْخُلْطَةَ تُعْتَبَرُ بِصُحْبَةِ مُدَّعِي الدَّيْنِ، وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِالْحَمَالَةِ، وَالصَّوَابُ عِنْدِي أَنَّهُ يُرَاعِي ذَلِكَ مِنْ الْغَرِيمِ، وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ الْحَمَالَةُ.

وَوَجْهُ ابْنِ يُونُسَ ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ بِأَنَّ الَّذِي لَهُ الدَّيْنُ يَقُولُ إنَّمَا وَثِقْت بِمُبَايَعَةِ مَنْ لَا أَعْرِفُ لِكَفَالَتِك إيَّاهُ فَلِذَلِكَ تَوَجَّهَتْ لَهُ عَلَيْهِ الْيَمِينُ اهـ.

قُلْت، وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا قَوْلٌ خَامِسٌ فِي الْخُلْطَةِ

<<  <  ج: ص:  >  >>