للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِوُجُودِهِ عَلَى كُفْرِ فَاعِلِيهِ يَعْسُرُ عَلَيْهِ ذَلِكَ جِدًّا فَإِنَّك إذَا قُلْتُ لَهُ: السِّحْرُ وَالرُّقَى وَالْخَوَاصُّ وَالسِّيمْيَا وَالْهِيمْيَا وَقُوَى النُّفُوسِ شَيْءٌ وَاحِدٌ وَكُلُّهَا سِحْرٌ أَوْ بَعْضُ هَذِهِ الْأُمُورِ سِحْرٌ وَبَعْضُهَا لَيْسَ بِسِحْرٍ فَإِنْ قَالَ الْكُلُّ سِحْرٌ يَلْزَمُهُ أَنَّ سُورَةَ الْفَاتِحَةِ سِحْرٌ؛ لِأَنَّهَا رُقْيَةٌ إجْمَاعًا، وَإِنْ قَالَ بَلْ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْ هَذِهِ خَاصِّيَّةٌ يَخْتَصُّ بِهَا فَيُقَالُ بَيِّنْ لَنَا خُصُوصَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا، وَمَا بِهِ تَمْتَازُ وَهَذَا لَا يَكَادُ يَعْرِفُهُ أَحَدٌ مِنْ الْمُتَعَرِّضِينَ لِلْفُتْيَا، وَأَنَا طُولَ عُمُرِي مَا رَأَيْتُ مَنْ يُفَرِّقُ بَيْنَ هَذِهِ الْأُمُورِ فَكَيْفَ يُفْتِي أَحَدٌ بَعْدَ هَذَا بِكُفْرِ شَخْصٍ مُعَيَّنٍ أَوْ بِمُبَاشَرَةِ شَيْءٍ مُعَيَّنٍ بِنَاءً عَلَى أَنَّ ذَلِكَ سِحْرٌ وَهُوَ لَا يَعْرِفُ السِّحْرَ مَا هُوَ؟ ، وَلَقَدْ وُجِدَ فِي بَعْضِ الْمَدَارِسِ بَعْضُ الطَّلَبَةِ عِنْدَهُ كُرَّاسَةٌ فِيهَا آيَاتٌ لِلْمَحَبَّةِ وَالْبِغْضَةِ وَالتَّهْيِيجِ وَالنَّزِيفِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْأُمُورِ الَّتِي تُسَمِّيهَا الْمَغَارِبَةُ عِلْمَ الْمِخْلَاةِ فَأَفْتَوْا بِكُفْرِهِ، وَإِخْرَاجِهِ مِنْ الْمَدْرَسَةِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْأُمُورَ سِحْرٌ، وَأَنَّ السِّحْرَ كُفْرٌ وَهَذَا جَهْلٌ عَظِيمٌ وَإِقْدَامٌ عَلَى شَرِيعَةِ اللَّهِ بِجَهْلٍ وَعَلَى عِبَادِهِ بِالْفَسَادِ مِنْ غَيْرِ عِلْمٍ فَاحْذَرْ هَذِهِ الْخُطَّةَ الرَّدِيَّةَ الْمُهْلِكَةَ عِنْدَ اللَّهِ وَسَتَقِفُ فِي الْفَرْقِ الَّذِي بَعْدَ هَذَا عَلَى الصَّوَابِ فِي ذَلِكَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.

(الْفَرْقُ الثَّانِي وَالْأَرْبَعُونَ وَالْمِائَتَانِ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا هُوَ سِحْرٌ يَكْفُرُ بِهِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَا لَيْسَ كَذَلِكَ) :

ــ

[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]

قَالَ (الْفَرْقُ الثَّانِي وَالْأَرْبَعُونَ وَالْمِائَتَانِ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا هُوَ سِحْرٌ يَكْفُرُ بِهِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَا لَيْسَ كَذَلِكَ إلَى مُنْتَهَى قَوْلِهِ فَهَذِهِ أَنْوَاعُ السَّحَرِ الثَّلَاثَةِ) :

قُلْتُ ذَلِكَ نَقْلٌ لَا كَلَامَ فِيهِ إلَّا أَنَّ

ــ

[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]

أَسِيرًا فَفِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد وَابْنِ مَاجَهْ «عَنْ الْهِرْمَاسِ بْنِ حَبِيبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ أَتَيْت النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِغَرِيمٍ لِي فَقَالَ الْزَمْهُ ثُمَّ قَالَ لِي يَا أَخَا بَنِي تَمِيمٍ مَا تُرِيدُ أَنْ تَفْعَلَ بِأَسِيرِك» ، وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ مَاجَهْ مَرَّ بِي آخَرَ النَّهَارِ فَقَالَ مَا فَعَلَ أَسِيرُك يَا أَخَا بَنِي تَمِيمٍ، وَهَذَا كَانَ هُوَ الْحَبْسُ فِي زَمَنِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ حَبْسٌ مُعَدٌّ لِحَبْسِ الْخُصُومِ فَلَمَّا انْتَشَرَتْ الرَّعِيَّةُ فِي زَمَنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ابْتَاعَ بِمَكَّةَ دَارًا، وَجَعَلَهَا سِجْنًا يَحْبِسُ فِيهَا، وَجَاءَ أَنَّهُ اشْتَرَى مِنْ صَفْوَانَ بْنِ أُمَيَّةَ دَارًا بِأَرْبَعَةِ آلَافِ دِرْهَمٍ، وَجَعَلَهَا حَبْسًا، وَفِي هَذَا دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ اتِّخَاذِ الْحَبْسِ اهـ.

وَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَرَجِ الْمَعْرُوفُ بِابْنِ الطَّلَّاعِ الْأَنْدَلُسِيِّ الْمَالِكِيِّ فِي كِتَابِهِ الْمُسَمَّى بِأَحْكَامِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اخْتَلَفَتْ الْآثَارُ هَلْ سَجَنَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَبُو بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَحَدًا أَمْ لَا فَذَكَرَ بَعْضُهُمْ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لَهُمَا سِجْنٌ، وَلَا سَجَنَا أَحَدًا، وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَجَنَ فِي الْمَدِينَةِ فِي تُهْمَةِ دَمٍ» رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ وَالنَّسَائِيُّ فِي مُصَنَّفَيْهِمَا، وَفِي غَيْرِ الْمُصَنَّفِ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَبَسَ فِي تُهْمَةٍ سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ ثُمَّ خَلَّى عَنْهُ» .

وَوَقَعَ فِي أَحْكَامِ ابْنِ زِيَادٍ عَنْ الْفَقِيهِ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَيُّوبَ بْنِ سُلَيْمَانَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَجَنَ رَجُلًا أَعْتَقَ شِرْكًا لَهُ فِي عَبْدٍ» فَأَوْجَبَ عَلَيْهِ اسْتِتْمَامَ عِتْقِهِ قَالَ فِي الْحَدِيثِ حَتَّى بَاعَ غَنِيمَةً لَهُ.

وَقَالَ ابْنُ شَعْبَانَ فِي كِتَابِهِ وَقَدْ رُوِيَ «عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ حَكَمَ بِالضَّرْبِ وَالسِّجْنِ» فَثَبَتَ بِهَذَا أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَجَنَ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ فِي سِجْنٍ مُتَّخَذٍ لِذَلِكَ، وَثَبَتَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّهُ كَانَ لَهُ سِجْنٌ، وَأَنَّهُ سَجَنَ الْحُطَيْئَةَ عَلَى الْهَجْوِ، وَسَجَنَ ضَبُعًا عَلَى سُؤَالِهِ عَنْ الذَّارِيَاتِ وَالْمُرْسَلَاتِ وَالنَّازِعَاتِ، وَشَبَهِهِنَّ وَأَمْرِهِ النَّاسَ بِالتَّفَقُّهِ فِي ذَلِكَ، وَضَرَبَهُ مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ، وَنَفَاهُ إلَى الْعِرَاقِ، وَقِيلَ إلَى الْبَصْرَةِ، وَكَتَبَ أَنْ لَا يُجَالِسَهُ أَحَدٌ قَالَ الْمُحَدِّثُ فَلَوْ جَاءَنَا، وَنَحْنُ مِائَةٌ لَتَفَرَّقْنَا عَنْهُ ثُمَّ كَتَبَ أَبُو مُوسَى إلَى عُمَرَ أَنَّهُ قَدْ حَسُنَتْ تَوْبَتُهُ فَأَمَرَهُ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فَخَلَّى بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّاسِ، وَسَجَنَ عُثْمَانُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - صَابِئَ بْنَ حَارِثٍ، وَكَانَ مِنْ لُصُوصِ بَنِي تَمِيمٍ وَفُتَّاكِهِمْ حَتَّى مَاتَ فِي الْحَبْسِ، وَسَجَنَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فِي الْكُوفَةِ، وَسَجَنَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ فِي مَكَّةَ، وَسَجَنَ أَيْضًا فِي سِجْنِ عَارِمَ مُحَمَّدَ بْنَ الْحَنَفِيَّةِ إذْ امْتَنَعَ مِنْ بَيْعَتِهِ اهـ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

(الْفَرْقُ التَّاسِعُ وَالثَّلَاثُونَ وَالْمِائَتَانِ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَنْ يُشْرَعُ إلْزَامُهُ بِالْحَلِفِ وَقَاعِدَةِ مَنْ لَا يَلْزَمُهُ الْحَلِفُ)

وَهُوَ أَنَّ الدَّعْوَى الصَّحِيحَةَ الْمُسْتَكْمِلَةَ لِشُرُوطِهَا الْمُتَقَدِّمَةِ إمَّا أَنْ تَثْبُتَ بِدُونِ الشَّاهِدَيْنِ، وَإِمَّا أَنْ لَا تَثْبُتَ إلَّا بِشَاهِدَيْنِ فَهِيَ قِسْمَانِ، وَفِي الْقِسْمِ الثَّانِي قَالَ أَبُو عَمْرُو بْنُ الْحَاجِبِ كُلُّ دَعْوَى لَا تَثْبُتُ إلَّا بِشَاهِدَيْنِ فَلَا يَمِينَ بِمُجَرَّدِهَا، وَلَا تُرَدُّ كَالْقَتْلِ الْعَمْدِ وَالطَّلَاقِ وَالْعِتْقِ وَالنَّسَبِ وَالْوَلَاءِ وَالرَّجْعَةِ، وَأَلْحَقَ ابْنُ فَرْحُونٍ فِي تَبْصِرَتِهِ بِهَذِهِ أَمْثِلَةً كَثِيرَةً، وَقَالَ، وَهَذَا بَابٌ وَاسِعٌ، وَسَيَأْتِي كَثِيرٌ مِنْهُ فِي بَابِ الْقَضَاءِ بِقَوْلِ الْمُدَّعِي، وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ اهـ فَانْظُرْهُ.

وَفِي الْقِسْمِ الْأَوَّلِ قَالَ الْأَصْلُ وَسَلَّمَهُ ابْنُ الشَّاطِّ كُلُّ مَنْ تَوَجَّهَتْ عَلَيْهِ دَعْوَى صَحِيحَةٌ أَيْ مُسْتَكْمِلَةٌ لِشُرُوطِهَا الْمُتَقَدِّمَةِ الَّتِي مِنْهَا أَنْ لَا يُكَذِّبَهَا الْعُرْفُ، وَكَانَتْ مِمَّا تَثْبُتُ بِدُونِ الشَّاهِدَيْنِ

<<  <  ج: ص:  >  >>