للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مُسْتَقِلٌّ بِقُدْرَةِ اللَّهِ تَعَالَى.

(الْحَقِيقَةُ الثَّامِنَةُ) خَوَاصُّ النُّفُوسِ وَهُوَ نَوْعٌ خَاصٌّ مِنْ الْخَوَاصِّ الْمُودَعَةِ فِي الْعَالَمِ فَطَبِيعَةُ الْحَيَوَانَاتِ طَبَائِعُ مُخْتَلِفَةٌ حَتَّى لَا تَكَادَ تَتَّفِقُ بَلْ نَقْطَعُ أَنَّهُ لَا يَسْتَوِي اثْنَانِ مِنْ الْأَنَاسِيِّ فِي مِزَاجٍ وَاحِدٍ وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ أَنَّك لَا تَجِدُ أَحَدًا يُشْبِهُ أَحَدًا مِنْ جَمِيعِ الْوُجُوهِ، وَلَوْ عَظُمَ الشَّبَهُ لَا بُدَّ مِنْ فَرْقٍ بَيْنَهُمَا. وَمَعْلُومٌ أَنَّ صِفَاتِ الصُّوَرِ فِي الْوُجُوهِ وَغَيْرِهَا تَابِعَةٌ لِلْأَمْزِجَةِ فَلَمَّا حَصَلَ التَّبَايُنُ فِي الصِّفَاتِ عَلَى الْإِطْلَاقِ وَجَبَ التَّبَايُنُ فِي الْأَمْزِجَةِ عَلَى الْإِطْلَاقِ فَنَفْسٌ طُبِعَتْ عَلَى الشَّجَاعَةِ

ــ

[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]

قَالَ: (الْحَقِيقَةُ الثَّامِنَةُ خَوَاصُّ النُّفُوسِ وَهُوَ نَوْعٌ خَاصٌّ مِنْ الْخَوَاصِّ الْمُودَعَةِ فِي الْعَالَمِ فَطَبِيعَةُ الْحَيَوَانَاتِ طَبَائِعُ مُخْتَلِفَةٌ حَتَّى لَا تَكَادَ تَتَّفِقُ) إلَى آخِرِ مَا قَالَهُ فِي هَذِهِ الْحَقِيقَةِ قُلْتُ فِي كَلَامِهِ ذَلِكَ تَسَامُحٌ فِي إطْلَاقِ لَفْظِ الْخَوَاصِّ، وَهُوَ يُرِيدُ مُقْتَضَى الْأَمْزِجَةِ وَالطَّبَائِعِ، وَلَفْظُ الْخَوَاصِّ لَا يُطْلِقُهُ أَهْلُ عِلْمِ الْخَوَاصِّ، وَهُمْ الطَّبِيعِيُّونَ عَلَى ذَلِكَ مُطْلَقًا بَلْ عَلَى أَمْرٍ لَا يَنْسُبُونَهُ إلَى الْأَمْزِجَةِ وَالطَّبَائِعِ، وَمَا حَكَاهُ عَنْ الْهِنْدِ لَا أَدْرِي صِحَّتَهُ مِنْ سَقَمِهِ، وَمَا قَالَهُ مِنْ أَنَّ فِي الْحَدِيثِ الَّذِي ذَكَرَهُ إشَارَةً إلَى تَبَايُنِ الْأَخْلَاقِ وَالْخَلْقِ وَالسَّجَايَا هُوَ الظَّاهِرُ مِنْهُ وَيُحْتَمَلُ غَيْرُ ذَلِكَ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ، وَمَا قَالَهُ فِي الْحَقِيقَةِ التَّاسِعَةِ صَحِيحٌ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ، وَمَا ذَكَرَهُ فِي الْحَقِيقَةِ الْعَاشِرَةِ مُمْكِنٌ، وَلَمْ يَذْكُرْ حُكْمَ الْعَزَائِمِ فِي الشَّرْعِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ حُكْمُهَا حُكْمَ الرُّقِيِّ إذَا تَحَقَّقَتْ وَتَحَقَّقَ أَنْ لَا مَحْذُورَ فِي تِلْكَ الْأَلْفَاظِ قَالَ

ــ

[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]

حِصَّتُهُ فَقَطْ قَالَ فِي رِوَايَةِ يَحْيَى بَعْدَ يَمِينِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ مِنْ ابْنِ يُونُسَ مِنْ قَوْلِهِ وَالْيَمِينُ فِي ذَلِكَ قَالَ ابْنُ سَهْلٌ، وَلَا يُكَلِّفُ الْوَرَثَةَ أَنْ يَزِيدُوا فِي يَمِينِهِمْ أَنَّ الشَّيْءَ الْمُسْتَحَقَّ كَانَ فِي مِلْكِ مُوَرِّثِهِمْ لِأَنَّ الْبَيِّنَةَ قَدْ شَهِدُوا بِذَلِكَ، وَقَطَعُوا بِهِ.

وَقَدْ أُنْكِرَ هَذَا عَلَى بَعْضِ الْقُضَاةِ لَمَّا فَعَلَهُ فَلَا يَنْبَغِي لِلْحَاكِمِ أَنْ يَحْكُمَ إلَّا فِيمَا لَا بُدَّ مِنْهُ فَيَنْبَغِي التَّحَفُّظُ فِي هَذِهِ الزِّيَادَةِ وَشَبَهِهَا، وَفِي الْمُدَوَّنَةِ مَنْ أَقَامَ بِبَيِّنَةٍ عَلَى حَاضِرٍ بِدَيْنٍ فَلَا يَحْلِفُ مَعَ بَيِّنَتِهِ عَلَى إثْبَاتِ الْحَقِّ، وَلَا عَلَى أَنَّهُ مَا قَبَضَ مِنْهُ حَتَّى يَدَّعِيَ الْمَطْلُوبُ أَنَّهُ دَفَعَهُ إلَيْهِ أَوْ دَفَعَهُ عَنْهُ دَافِعٌ مِنْ وَكِيلٍ أَوْ غَيْرِهِ فَحِينَئِذٍ يَحْلِفُ اهـ مِنْ تَبْصِرَةِ ابْنِ فَرْحُونٍ

(الْوَصْلُ الثَّالِثُ) فِي تَبْصِرَةِ ابْنِ فَرْحُونٍ يَمِينُ الْقَضَاءِ لَا نَصَّ عَلَى وُجُوبِهَا لِعَدَمِ الدَّعْوَى عَلَى الْحَالِفِ بِمَا يُوجِبُهَا إلَّا أَنَّ أَهْلَ الْعِلْمِ رَأَوْا ذَلِكَ عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِحْسَانِ نَظَرًا لِلْمَيِّتِ وَالْغَائِبِ، وَحِيَاطَةً عَلَيْهِ، وَحِفْظًا لِمَالِهِ لِلشَّكِّ فِي بَقَاءِ الدَّيْنِ عَلَيْهِ اهـ فَمِنْ هُنَا قَالَ الْأَصْلُ قَوْلُ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَوْ شَهِدَ الشَّاهِدَانِ لِشَخْصٍ بِعَيْنٍ فِي يَدِ وَاحِدٍ لَا يَسْتَحِقُّهَا حَتَّى يَحْلِفَ مَا بَاعَ وَلَا وَهَبَ، وَلَا خَرَجَتْ عَنْ يَدِهِ بِطَرِيقٍ مِنْ الطُّرُقِ الْمُزِيلَةِ لِلْمِلْكِ، وَهُوَ الَّذِي عَلَيْهِ الْفَتْوَى، وَالْقَضَاءُ، وَإِنْ عَلَّلَهُ الْأَصْحَابُ بِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ بَاعَهَا لِهَذَا الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَوْ لِمَنْ اشْتَرَاهَا هَذَا الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مِنْهُ، وَمَعَ قِيَامِ الِاحْتِمَالِ لَا بُدَّ مِنْ الْيَمِينِ مُشْكِلٌ بِأَنَّا لَا نَعْلَمُ عِنْدَنَا، وَلَا عِنْدَ غَيْرِنَا خِلَافًا فِي قَبُولِ شَهَادَةِ شَاهِدَيْنِ مُسْلِمَيْنِ عَدْلَيْنِ فِي الدِّمَاءِ وَالدُّيُونِ مَعَ أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ أَبْرَأَهُ مِنْ الدَّيْنِ أَوْ دَفَعَهُ لَهُ أَوْ عَارَضَهُ عَلَيْهِ، وَيَجُوزُ أَيْضًا الْعَفْوُ عَنْ الْقَاتِلِ الَّذِي يُقْتَلُ بِهِمَا فَكَمَا لَا اعْتِبَارَ بِهَذِهِ الِاحْتِمَالَاتِ فِي الدِّمَاءِ وَالدُّيُونِ لَا سِيَّمَا، وَجُلُّ الشَّهَادَاتِ فِي الدِّمَاءِ وَغَيْرِهَا الِاسْتِصْحَابُ كَذَلِكَ لَا اعْتِبَارَ بِهَا فِي الْأَمْوَالِ فَكَانَ الشَّأْنُ أَنْ يَقْضِيَ بِمُجَرَّدِ الشَّاهِدَيْنِ فِي الْأَمْوَالِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى مِنْ الْقَضَاءِ بِمُجَرَّدِهَا فِي الدِّمَاءِ وَالدُّيُونِ.

وَبِالْجُمْلَةِ فَاشْتِرَاطُ الْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدَيْنِ ضَعِيفٌ مُخَالِفٌ لِظَاهِرِ النُّصُوصِ كَقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «شَاهِدَاك أَوْ يَمِينُهُ» وقَوْله تَعَالَى {شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ} [البقرة: ٢٨٢] وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا ظَهَرَهُ أَنَّهُمَا حُجَّةٌ تَامَّةٌ وَمَا عَلِمْت أَنَّهُ وَرَدَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ فِي اشْتِرَاطِ الْيَمِينِ.

وَإِثْبَاتُ شَرْطٍ بِغَيْرِ حُجَّةٍ بَلْ بِمُجَرَّدِ الِاحْتِمَالَاتِ وَالْمُسَبِّبَاتِ وَالْمُنَاسَبَاتِ، سَوَاءٌ كَانَ فِي الْأَمْوَالِ أَوْ فِي الدِّمَاءِ كَأَنْ يُقَالُ لَا نَقْبَلُ فِي الدِّمَاءِ مَنْ فِي طَبْعِهِ خَوَرٌ أَوْ خَوْفٌ مِنْ الْقَتْلِ مَعَ تَبْرِيزِهِ فِي الْعَدَالَةِ لِأَنَّ ذَلِكَ يَبْعَثُهُ عَلَى حَسْمِ مَادَّةِ الْقَتْلِ، وَلَا يُقْبَلُ فِي الدِّمَاءِ وَأَحْكَامِ الْأَبْدَانِ الشُّبَّانِ مِنْ الْعُدُولِ فِي الشُّيُوخِ لِعِظَمِ الْخَطَرِ فِي أَحْكَامِ الْأَبْدَانِ وَنَحْوِ ذَلِكَ خِلَافُ الْإِجْمَاعِ، وَمُرُوقٌ مِنْ الْقَوَاعِدِ، وَمُنْكَرٌ مِنْ الْقَوْلِ لَا سِيَّمَا، وَالْقِيَاسُ عَلَى الدَّيْنِ يَمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ، وَالْفَرْقُ فِي غَايَةِ الْعُسْرِ، وَإِنْ ثَبَتَ الْفَرْقُ فَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَغَيْرِهِ عَدَمُ هَذَا الشَّرْطِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ اهـ كَلَامُ الْأَصْلِ، وَسَلَّمَهُ ابْنُ الشَّاطِّ.

قُلْت لَكِنْ فِي قَوْلِهِ، وَإِنْ ثَبَتَ الْفَرْقُ إلَخْ نَظَرٌ فَإِنَّهُ إذَا ثَبَتَ الْفَرْقُ ظَهَرَ وَجْهُ اشْتِرَاطِ هَذَا الشَّرْطِ فِي الْأَمْوَالِ دُونَ الدِّمَاءِ وَالدُّيُونِ لَا سِيَّمَا عِنْدَ مَنْ يَقُولُ بِالِاسْتِحْسَانِ كَمَا يَشْهَدُ لِذَلِكَ كَلَامُ الْإِمَامِ أَبِي إِسْحَاقَ الشَّاطِبِيِّ فِي كِتَابِهِ الِاعْتِصَامِ حَيْثُ قَالَ إنَّ الِاسْتِحْسَانَ يَرَاهُ مُعْتَبَرًا فِي الْأَحْكَامِ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ بِخِلَافِ الشَّافِعِيِّ فَإِنَّهُ مُنْكِرٌ لَهُ جِدًّا حَتَّى قَالَ مَنْ اسْتَحْسَنَ فَقَدْ شَرَّعَ، وَاَلَّذِي يَسْتَقْرِي مِنْ مَذْهَبِهِمَا أَنَّهُ يَرْجِعُ إلَى الْعَمَلِ بِأَقْوَى الدَّلِيلَيْنِ هَكَذَا قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ قَالَ فَالْعُمُومُ إذَا اسْتَمَرَّ.

وَالْقِيَاسُ إذَا اطَّرَدَ فَإِنَّ مَالِكًا وَأَبَا حَنِيفَةَ يَرَيَانِ تَخْصِيصَ الْعُمُومِ

بِأَيِّ دَلِيلٍ كَانَ مِنْ ظَاهِرٍ أَوْ مَعْنًى قَالَ وَيَسْتَحْسِنُ مَالِكٌ أَنْ يَخْتَصَّ بِالْمَصْلَحَةِ، وَيَسْتَحْسِنُ أَبُو حَنِيفَةَ أَنْ يَخُصَّ بِقَوْلِ الْوَاحِدِ

<<  <  ج: ص:  >  >>