للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عَسِيرٌ عَلَى أَكْثَرِ النَّاسِ فَكَانَ اللَّبْسُ فِيهِ عُذْرًا، وَمَا هُوَ مَشْهُورٌ لَا يَكُونُ اللَّبْسُ فِيهِ عُذْرًا وَنَظِيرُ الْحَائِضِ وَالْمَرِيضِ فِي الْكَفَّارَاتِ فِي الْحُدُودِ أَنْ يَشْرَبَ خَمْرًا يَعْتَقِدُ أَنَّهُ سَيَصِيرُ خَلًّا أَوْ يَطَأَ امْرَأَةً يَعْتَقِدُ أَنَّهُ سَيَتَزَوَّجُهَا فَإِنَّ الْحَدَّ لَا يَسْقُطُ لِعَدَمِ اعْتِقَادِ مُقَارَنَةِ الْعِلْمِ لِسَبَبِهِ بِخِلَافِ أَنْ يَعْتَقِدَ أَنَّهُ فِي الْوَقْتِ الْحَاضِرِ حِلٌّ أَوْ هِيَ امْرَأَتُهُ أَوْ جَارِيَتُهُ فِي الْوَقْتِ الْحَاضِرِ فَهَذَا لَا حَدَّ عَلَيْهِ فَيَتَحَصَّلُ لَك مِنْ ذَلِكَ الْفَرْقُ بَيْنَ مَسَائِلِ مَالِكٍ الَّتِي اخْتَلَفَ قَوْلُهُ فِيهَا وَيَتَحَصَّلُ أَيْضًا قَيْدٌ آخَرُ يَنْعَطِفُ عَلَى الشُّبْهَةِ فَيَكُونُ شَرْطًا فِيهَا وَهُوَ أَنَّا نَشْتَرِطُ اعْتِقَادَ الْمُقَارَنَةِ فِي دَرْءِ الْكَفَّارَاتِ وَالْحُدُودِ فَهَذَا هُوَ ضَابِطُ الشُّبْهَةِ الْمُسْقِطَةِ لِلْحُدُودِ وَالْكَفَّارَاتِ، وَمَا خَرَجَ عَنْ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ فِيهِ الْحَدُّ وَالْكَفَّارَةُ كَمَنْ تَزَوَّجَ خَامِسَةً أَوْ مَبْتُوتَةً ثَلَاثًا قَبْلَ زَوْجٍ أَوْ أُخْتَهُ مِنْ الرَّضَاعِ أَوْ النَّسَبِ أَوْ ذَاتَ مَحْرَمٍ عَامِدًا عَالِمًا بِالتَّحْرِيمِ أَوْ انْتَهَكَ حُرْمَةَ رَمَضَانَ بِالْفِطْرِ، وَمَا خَرَجَ عَنْ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ فَفِيهِ الْحَدُّ وَالْكَفَّارَةُ.

(سُؤَالٌ) قُلْتُ لِبَعْضِ الْفُضَلَاءِ: الْحَدِيثُ الَّذِي يَسْتَدِلُّ بِهِ الْفُقَهَاءُ وَهُوَ مَا يُرْوَى «ادْرَءُوا الْحُدُودَ بِالشُّبُهَاتِ» لَمْ يَصِحَّ، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ صَحِيحًا مَا يَكُونُ مُعْتَمَدُنَا فِي هَذِهِ الْأَحْكَامِ؟ . (جَوَابُهُ) قَالَ لِي يَكْفِينَا أَنْ نَقُولَ حَيْثُ أَجْمَعْنَا عَلَى إقَامَةِ الْحَدِّ كَانَ سَالِمًا عَنْ الشُّبْهَةِ وَمَا قَصُرَ عَنْ مَحَلِّ الْإِجْمَاعِ لَا يَلْحَقُ بِهِ عَمَلًا بِالْأَصْلِ حَتَّى يَدُلَّ دَلِيلٌ عَلَى إقَامَةِ الْحَدِّ فِي صُوَرِ الشُّبُهَاتِ وَهُوَ جَوَابٌ حَسَنٌ.

ــ

[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]

وَهُوَ تَوَقُّعُ إسْلَامِ بَعْضِهِمْ فَعَقَدَ الْجِزْيَةَ لِذَلِكَ التَّوَقُّعِ النَّادِرِ رَحْمَةً بِالْعِبَادِ فِي عَدَمِ تَعْجِيلِ الْقَتْلِ وَحَسْمِ مَادَّةِ الْإِيمَانِ عَنْهُمْ

(الْمِثَالُ الثَّامِنَ عَشَرَ) الْغَالِبُ فِي إشْغَالِ النَّاسِ بِالْعِلْمِ أَنْ يَكُونَ وَسِيلَةً لِلرِّيَاءِ وَعَدَمِ الْإِخْلَاصِ، وَالنَّادِرُ أَنْ يَكُونَ وَسِيلَةً لِلْإِخْلَاصِ فَلَمْ يَعْتَبِرْ الشَّارِعُ حُكْمَ الْغَالِبِ الَّذِي هُوَ النَّهْيُ عَنْهُ لِأَنَّ وَسِيلَةَ الْمَعْصِيَةِ مَعْصِيَةٌ، وَأَثْبَتَ حُكْمَ النَّادِرِ فَرَغِبَ فِي الِاشْتِغَالِ بِالْعِلْمِ رَحْمَةً بِالْعِبَادِ

(الْمِثَالُ التَّاسِعَ عَشَرَ) أَحَدُ الْمُتَدَاعِيَيْنِ وَالْمُتَلَاعِنِينَ كَاذِبٌ قَطْعًا، وَالْغَالِبُ أَنْ يَعْلَمَ الْكَاذِبُ مِنْهُمَا بِكَذِبِهِ فَيَكُونُ تَحْلِيفُهُ سَعْيًا فِي وُقُوعِ الْيَمِينِ الْفَاجِرَةِ الْمُحَرَّمَةِ فَيَكُونُ حَرَامًا غَايَتُهُ أَنَّهُ يُعَارِضُهُ أَخْذُ الْحَقِّ، وَإِلْجَاؤُهُ إلَيْهِ، وَذَلِكَ إمَّا مُبَاحٌ أَوْ وَاجِبٌ،.

وَإِذَا تَعَارَضَ الْوَاجِبُ وَالْمُحَرَّمُ قُدِّمَ الْمُحَرَّمُ، وَمَعَ ذَلِكَ أَلْغَى الشَّارِعُ حُكْمَ الْغَالِبِ، وَأَثْبَتَ حُكْمَ النَّادِرِ الَّذِي هُوَ وُقُوعُ شُبْهَةٍ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْمُتَدَاعِيَيْنِ أَوْ الْمُتَلَاعِنَيْنِ لُطْفًا بِالْعِبَادِ عَلَى تَخْلِيصِ حُقُوقِهِمْ وَالسَّتْرِ عَلَيْهِمْ.

(الْمِثَالُ الْعِشْرُونَ) غَالِبُ الْمَوْتِ فِي الشَّبَابِ قَالَ الْغَزَالِيُّ فِي الْإِحْيَاءِ، وَلِذَلِكَ الشُّيُوخُ أَقَلُّ يَعْنِي أَنَّهُ لَوْ كَانَ الشَّبَابُ يَعِيشُونَ لَصَارُوا شُيُوخًا فَتَكْثُرُ الشُّيُوخُ فَلَمَّا كَانَ الشُّيُوخُ فِي الْوُجُودِ أَقَلَّ كَانَ مَوْتُ الْإِنْسَانِ شَابًّا أَكْثَرَ، وَحَيَاتُهُ لِلشَّيْخُوخَةِ نَادِرًا، وَمَعَ ذَلِكَ شَرَعَ صَاحِبُ الشَّرْعِ التَّعْمِيرَ فِي الْغَائِبِينَ إلَى سَبْعِينَ سَنَةً إلْغَاءً لِحُكْمِ الْغَالِبِ وَإِثْبَاتًا لِحُكْمِ النَّادِرِ لُطْفًا بِالْعِبَادِ فِي إبْقَاءِ مَصَالِحِهِمْ عَلَيْهِمْ قَالَ الْأَصْلُ وَنَظَائِرُ هَذَا الْبَابِ كَثِيرَةٌ فِي الشَّرِيعَةِ فَيَنْبَغِي أَنْ تُتَأَمَّلَ وَتُعْلَمَ فَقَدْ غَفَلَ قَوْمٌ فِي الطِّهَارَاتِ فَدَخَلَ عَلَيْهِمْ الْوَسْوَاسُ، وَهُمْ يَعْتَقِدُونَ أَنَّهُمْ عَلَى قَاعِدَةٍ شَرْعِيَّةٍ هِيَ الْحُكْمُ بِالْغَالِبِ نَعَمْ هُوَ غَالِبُ كَمَا قَالُوا مِنْ حَيْثُ إنَّهُمْ يَعْتَقِدُ أَنَّ الْغَالِبَ عَلَى النَّاسِ وَالْأَوَانِي وَالْكُتُبِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يُلَابِسُونَهُ النَّجَاسَةُ فَيَغْسِلُونَ ثِيَابَهُمْ وَأَنْفُسَهُمْ مِنْ جَمِيعِ ذَلِكَ بِنَاءً عَلَى الْقَاعِدَةِ الشَّرْعِيَّةِ، وَهِيَ الْحُكْمُ بِالْغَالِبِ، وَلَمْ يَفْهَمُوا بِأَنَّ هَذَا، وَإِنْ كَانَ هُوَ الْغَالِبُ كَمَا قَالُوا لَكِنَّ الشَّارِعَ أَلْغَى حُكْمَهُ، وَقَدَّمَ عَلَيْهِ حُكْمَ النَّادِرِ، وَإِنْ كَانَ مَرْجُوحًا فِي النَّفْسِ، وَظَنُّهُ مَعْدُومٌ بِالنِّسْبَةِ لِلظَّنِّ النَّاشِئِ عَنْ الْغَالِبِ إذْ لِصَاحِبِ الشَّرْعِ أَنْ يَصْنَعَ فِي شَرْعِهِ مَا شَاءَ، وَيَسْتَثْنِي مِنْ قَوَاعِدِهِ مَا يَشَاءُ هُوَ الْأَعْلَمُ بِمَصَالِحِ عِبَادِهِ فَيَنْبَغِي لِمَنْ قَصَدَ إثْبَاتَ حُكْمِ الْغَالِبِ دُونَ النَّادِرِ أَنْ لَا يَعْتَمِدَ عَلَيْهِ مُطْلَقًا كَيْفَ كَانَ بَلْ حَتَّى يَنْظُرَ هَلْ ذَلِكَ الْغَالِبُ مِمَّا أَلْغَاهُ الشَّرْعُ أَمْ لَا إذْ الِاعْتِمَادُ عَلَى مُطْلَقِ الْغَالِبِ كَيْفَ كَانَ فِي جَمِيعِ صُوَرِهِ خِلَافُ الْإِجْمَاعِ اهـ، وَسَلَّمَهُ ابْنُ الشَّاطِّ.

٢ -

(تَنْبِيهٌ) قَالَ الْأَصْلُ وَسَلَّمَهُ ابْنُ الشَّاطِّ حَمْلُ اللَّفْظِ عَلَى حَقِيقَتِهِ دُونَ مَجَازِهِ، وَعَلَى الْعُمُومِ دُونَ الْخُصُوصِ، وَإِنْ أَمْكَنَ أَنْ يُقَالَ إنَّهُ مِنْ بَابِ تَقْدِيمِ النَّادِرِ عَلَى الْغَالِبِ نَظَرًا لِغَلَبَةِ الْمَجَازِ عَلَى الْحَقِيقَةِ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ حَتَّى قَالَ ابْنُ جِنِّي: كَلَامُ الْعَرَبِ كُلُّهُ مَجَازٌ، وَغَلَبَةُ الْخُصُوصَاتِ عَلَى الْعُمُومَاتِ حَتَّى رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ مَا مِنْ عَامٍّ إلَّا وَقَدْ خُصَّ إلَّا قَوْله تَعَالَى {وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [البقرة: ٢٨٢] وَحِينَئِذٍ فَيَنْبَغِي إذَا ظَفِرْنَا بِلَفْظٍ ابْتِدَاءً أَنْ نَحْمِلَهُ عَلَى مَجَازِهِ تَغْلِيبًا لِلْغَالِبِ عَلَى النَّادِرِ، وَأَنْ نَحْمِلَ الْعُمُومَ ابْتِدَاءً عَلَى التَّخْصِيصِ لِأَنَّهُ الْغَالِبُ فَحَيْثُ عَكَسْنَا وَحَمَلْنَا اللَّفْظَ ابْتِدَاءً عَلَى حَقِيقَتِهِ، وَالْعُمُومَ ابْتِدَاءً عَلَى الْعُمُومِ كَانَ ذَلِكَ تَغْلِيبًا لِلنَّادِرِ عَلَى الْغَالِبِ إلَّا أَنَّ التَّحْقِيقَ أَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ مِنْ هَذَا الْبَابِ، وَذَلِكَ لِأَنَّ شَرْطَ الْفَرْدِ الْمُتَرَدِّدِ بَيْنَ النَّادِرِ وَالْغَالِبِ فَيُحْمَلُ عَلَى الْغَالِبِ أَنْ يَكُونَ مِنْ جِنْسِ الْغَالِبِ، وَإِلَّا فَلَا يُحْمَلُ عَلَى الْغَالِبِ.

وَبَيَانُهُ بِالْمِثَالِ أَنَّ الشُّقَّةَ إذَا جَاءَتْ مِنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>