(الْفَرْقُ الْخَامِسُ وَالْأَرْبَعُونَ وَالْمِائَتَانِ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْقَذْفِ إذَا وَقَعَ مِنْ الْأَزْوَاجِ لِلزَّوْجَاتِ فَإِنَّ اللِّعَانَ يَتَعَدَّدُ بِتَعَدُّدِهِنَّ إذَا قَذَفَ الزَّوْجُ زَوْجَاتِهِ فِي مَجْلِسٍ أَوْ مَجْلِسَيْنِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ الْجَمَاعَةِ يَقْذِفُهُمْ الْوَاحِدُ فَإِنَّ الْحَدَّ يَتَّحِدُ عِنْدَنَا) فَإِنْ قَامَ بِهِ وَاحِدٌ سَقَطَ كُلُّ قَذْفٍ قَبْلَهُ وَقَالَهُ أَبُو حَنِيفَةَ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ إنْ قَذَفَهُمْ بِكَلِمَاتٍ مُتَفَرِّقَةٍ فَعَلَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ حَدٌّ وَقَالَهُ ابْنُ حَنْبَلٍ أَوْ بِكَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ فَقَوْلَانِ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَبَنَاهُ الْحَنَفِيَّةُ عَلَى أَنَّهُ حَقٌّ لِلَّهِ فَصَحَّ التَّدَاخُلُ فِيهِ وَبَنَاهُ الْآخَرُونَ عَلَى أَنَّهُ حَقٌّ لِآدَمِيٍّ فَيَتَعَدَّدُ وَيَلْزَمُنَا أَنْ يَكُونَ عِنْدَنَا قَوْلَانِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ حَدَّ الْقَذْفِ حَقٌّ لِلَّهِ تَعَالَى أَمْ لَا؛ لِأَنَّ لَنَا فِي هَذِهِ الْقَاعِدَةِ قَوْلَيْنِ حَكَاهُمَا الْعَبْدِيُّ وَاللَّخْمِيُّ وَغَيْرُهُمَا لَنَا أَنَّ «هِلَالَ بْنَ أُمَيَّةَ الْعَجْلَانِيَّ رَمَى امْرَأَتَهُ بِشَرِيكِ ابْنِ سَحْمَاءَ فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَدٌّ فِي ظَهْرِك أَوْ تَلْتَعِنُ» ، وَلَمْ يَقُلْ حَدَّانِ وَجَلَدَ عُمَرُ الشُّهُودَ عَلَى الْمُغِيرَةِ حَدًّا وَاحِدًا مَعَ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ قَذَفَ الْمُغِيرَةَ وَالْمَزْنِيَّ بِهَا وَقَدْ «حَدَّ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَذَفَةَ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - ثَمَانِينَ ثَمَانِينَ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد مَعَ أَنَّهُمْ قَذَفُوا عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - وَصَفْوَانَ بْنَ الْمُعَطِّلِ وَقِيَاسًا عَلَى حَدِّ الزِّنَا احْتَجُّوا بِوُجُوهٍ: أَحَدِهَا الْقِيَاسُ عَلَى الزَّوْجَاتِ الْأَرْبَعِ فَإِنَّهُ يَحْتَاجُ لِلْعَانَاتِ أَرْبَعٍ. وَثَانِيهَا أَنَّهُ حَقٌّ لِآدَمِيٍّ فَلَا يَدْخُلُهُ التَّدَاخُلُ كَالْغَصْبِ وَغَيْرِهِ. وَالثَّالِثِ أَنَّهُ لَا يَسْقُطُ بِالرُّجُوعِ فَلَا يَتَدَاخَلُ كَالْإِقْرَارِ بِالْمَالِ، وَالْجَوَابُ عَنْ الْأَوَّلِ وَهُوَ الْفَرْقُ
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
الْقَصَّارِ جَازَ أَنْ تَكُونَ طَاهِرَةً وَهُوَ الْغَالِبُ أَوْ نَجِسَةً بِأَنْ يُصِيبَهَا بَوْلُ فَأْرٍ أَوْ غَيْرِهِ مِنْ الْحَيَوَانِ وَهُوَ النَّادِرُ فَإِنَّا لَوْ كُنَّا نَحْكُمُ بِطَهَارَتِهَا بِنَاءً عَلَى الْغَالِبِ لِأَنَّا قَدْ حَكَمْنَا بِطَهَارَةِ الثِّيَابِ الْمَقْصُورَةِ لِأَنَّهَا خَرَجَتْ مِنْ الْقِصَارَةِ لَكَانَ هَذَا الثَّوْبُ الْمُتَرَدِّدُ بَيْنَ النَّادِرِ وَالْغَالِبِ الَّذِي خَرَجَ مِنْ الْقِصَارَةِ مِنْ جِنْسِ الْغَالِبِ الَّذِي قَضَيْنَا بِطَهَارَتِهِ فَيُحْكَمُ بِهِ.
وَأَمَّا لَوْ كُنَّا لَا نَقْضِي بِطَهَارَةِ الثِّيَابِ الْمَقْصُورَةِ لِكَوْنِهَا خَرَجَتْ مِنْ الْقِصَارَةِ بَلْ نَقْضِي بِطَهَارَتِهَا لِأَنَّهَا تُغْسَلُ بَعْدَ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ هَذَا الثَّوْبُ الْمُتَرَدِّدُ بَيْنَ النَّادِرِ، وَالْغَالِبُ الَّذِي لَمْ يُغْسَلْ بَعْدَ ذَلِكَ مِنْ جِنْسِ الْغَالِبِ الَّذِي قَضَيْنَا بِطَهَارَتِهِ فَلَا نَقْضِي بِطَهَارَتِهِ لِأَجْلِ عَدَمِ الْغُسْلِ بَعْدَ الْقِصَارَةِ الَّذِي لِأَجْلِهِ حَكَمْنَا بِالطَّهَارَةِ وَكَذَا يُقَالُ فِي الْأَلْفَاظِ فَإِذَا لَمْ نَقْضِ عَلَى لَفْظٍ بِأَنَّهُ مَجَازٌ أَوْ مَخْصُوصٌ بِمُجَرَّدِ كَوْنِهِ لَفْظًا بَلْ نَقْضِ عَلَيْهِ بِذَلِكَ لِأَجْلِ اقْتِرَانِهِ بِالْقَرِينَةِ الصَّادِقَةِ مِنْ الْحَقِيقَةِ إلَى الْمَجَازِ وَاقْتِرَانُهُ بِالْمُخَصِّصِ الصَّارِفِ عَنْ الْعُمُومِ لِلتَّخْصِيصِ كَانَ هَذَا اللَّفْظُ الْوَارِدُ ابْتِدَاءً الَّذِي حَمَلْنَاهُ عَلَى حَقِيقَتِهِ دُونَ مَجَازِهِ، وَالْعُمُومُ دُونَ الْخُصُوصِ لَيْسَ مَعَهُ صَارِفٌ مِنْ قَرِينَةٍ صَارِفَةٍ عَنْ الْحَقِيقَةِ.
وَلَا مُخَصِّصَ صَارِفٌ عَنْ الْعُمُومِ فَهُوَ حِينَئِذٍ لَيْسَ مِنْ ذَلِكَ الْغَالِبِ فَلَوْ حَمَلْنَاهُ عَلَى الْمَجَازِ أَوْ التَّخْصِيصِ لَحَمَلْنَاهُ عَلَى غَيْرِ غَالِبٍ فَإِنَّهُ لَمْ يُوجَدْ لَفْظٌ مِنْ حَيْثُ هُوَ لَفْظٌ حُمِلَ عَلَى الْمَجَازِ، وَلَا عَلَى الْخُصُوصِ أَلْبَتَّةَ فَضْلًا عَنْ كَوْنِهِ غَالِبًا بَلْ هُوَ اللَّفْظُ قَاعِدَةً مُسْتَقِلَّةً بِنَفْسِهَا لَيْسَ فِيهَا غَالِبٌ وَنَادِرٌ بَلْ شَيْءٌ وَاحِدٌ، وَهُوَ الْحَقِيقَةُ مُطْلَقًا، وَالْعُمُومُ مُطْلَقًا فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ فَهُوَ شَرْطٌ خَفِيٌّ فِي حَمْلِ الشَّيْءِ عَلَى غَالِبِهِ دُونَ نَادِرِهِ لِيَظْهَرَ لَك جَلِيًّا أَنَّ حَمْلَ اللَّفْظِ عَلَى حَقِيقَةِ دُونَ مَجَازٍ ابْتِدَاءً، وَالْعُمُومِ دُونَ الْخُصُوصِ ابْتِدَاءً لَيْسَ مِنْ بَابِ الْحَمْلِ عَلَى النَّادِرِ دُونَ الْغَالِبِ فَهَذَا سُؤَالٌ حَسَنٌ لَقَدْ أَوْرَدْته عَلَى جَمْعِ كَثِيرٍ مِنْ الْفُضَلَاءِ قَدِيمًا وَحَدِيثًا فَلَمْ يَحْصُلْ عَنْهُ جَوَابٌ، وَهَذَا جَوَابُهُ حَسَنٌ جِدًّا اهـ.
٢ -
(الْوَصْلُ الثَّانِي) فِيهِ عِشْرِينَ مِثَالًا مِنْ أَمْثِلَةِ مَا أَلْغَى الشَّارِعُ فِيهِ الْغَالِبَ وَالنَّادِرَ مَعًا (الْمِثَالُ الْأَوَّلُ) الْغَالِبُ صِدْقُ شَهَادَةِ الصِّبْيَانِ فِي الْأَمْوَالِ إذَا كَثُرَ عَدَدُهُمْ جِدًّا، وَالنَّادِرُ كَذِبُهُمْ فَأَهْمَلَهُمْ الشَّرْعُ، وَلَمْ يَعْتَبِرْ صِدْقَهُمْ، وَلَا قَضَى بِكَذِبِهِمْ رَحْمَةً بِالْعِبَادِ وَلُطْفًا بِالْمُدَّعَى عَلَيْهِ، وَأَمَّا فِي الْجِرَاحِ وَالْقَتْلِ فَقَبِلَهُمْ مَالِكٌ وَجَمَاعَةٌ لِلضَّرُورَةِ كَمَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ
(الْمِثَالُ الثَّانِي) الْغَالِبُ صِدْقُ الْجَمْعِ الْكَثِيرِ مِنْ جَمَاعَةِ النِّسْوَانِ فِي أَحْكَامِ الْأَبْدَانِ، وَالنَّادِرُ كَذِبُهُمْ لَا سِيَّمَا مَعَ الْعَادِلَةِ فَأَلْغَى صَاحِبُ الشَّرْعِ صِدْقَهُنَّ، وَلَمْ يَحْكُمْ بِهِ، وَلَا حَكَمَ بِكَذِبِهِنَّ لُطْفًا بِالْمُدَّعَى عَلَيْهِ
(الْمِثَالُ الثَّالِثُ) الْغَالِبُ صِدْقُ الْجَمْعِ الْكَثِيرِ مِنْ الْكُفَّارِ وَالرُّهْبَانِ وَالْأَحْبَارِ إذَا شَهِدُوا، وَالنَّادِرُ كَذِبُهُمْ فَأَلْغَى صَاحِبُ الشَّرْعِ صِدْقَهُمْ لُطْفًا بِالْمُدَّعَى عَلَيْهِ، وَلَمْ يَحْكُمْ بِكَذِبِهِمْ
(الْمِثَالُ الرَّابِعُ) الْغَالِبُ صِدْقُ شَهَادَةِ الْجَمْعِ الْكَثِيرِ مِنْ الْفَسَقَةِ، وَالنَّادِرُ كَذِبُهُمْ فَلَمْ يَحْكُمْ الشَّرْعُ بِصِدْقِهِمْ لُطْفًا بِالْمُدَّعَى عَلَيْهِ، وَلَمْ يَحْكُمْ بِكَذِبِهِمْ
(الْمِثَالُ الْخَامِسُ) الْغَالِبُ صِدْقُ شَهَادَةِ ثَلَاثَةِ عُدُولٍ فِي الزِّنَا فَلَمْ يَحْكُمْ الشَّرْعُ بِهِ سِتْرًا عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، وَلَمْ يَحْكُمْ بِكَذِبِهِمْ بَلْ أَقَامَ الْحَدَّ عَلَيْهِمْ مِنْ حَيْثُ إنَّهُمْ قَذَفُوهُ لَا مِنْ حَيْثُ إنَّهُمْ شُهُودُ زُورٍ
(الْمِثَالُ السَّادِسُ) الْغَالِبُ صِدْقُ شَهَادَةِ الْعَدْلِ الْوَاحِدِ فِي أَحْكَامِ الْأَبْدَانِ، وَالنَّادِرُ كَذِبُهُ فَلَمْ يَحْكُمْ الشَّرْعُ بِصِدْقِهِ لُطْفًا بِالْعِبَادِ وَرَحْمَةً بِالْمُدَّعَى عَلَيْهِ، وَلَمْ يُكَذِّبْهُ
(الْمِثَالُ السَّابِعُ) الْغَالِبُ صِدْقُ حَلِفِ الْمُدَّعِي الطَّالِبِ، وَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْخَيْرِ وَالصَّلَاحِ، وَالنَّادِرُ كَذِبُهُ فَلَمْ يَقْضِ الشَّارِعُ بِصِدْقِهِ فَيَحْكُمُ لَهُ بِيَمِينِهِ بَلْ اشْتَرَطَ فِي الْحُكْمِ لَهُ الْبَيِّنَةَ، وَلَمْ يَحْكُمْ بِكَذِبِهِ لُطْفًا بِالْمُدَّعَى عَلَيْهِ