للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْجِنَايَةِ وَالْجَانِي وَالْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ.

(التَّاسِعِ) أَنَّ التَّعْزِيرَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَعْصَارِ وَالْأَمْصَارِ فَرُبَّ تَعْزِيرٍ فِي بِلَادٍ يَكُونُ إكْرَامًا فِي بَلَدٍ آخَرَ كَقَلْعِ الطَّيْلَسَانِ بِمِصْرَ تَعْزِيرٌ وَفِي الشَّامِ إكْرَامٌ وَكَشْفُ الرَّأْسِ عِنْدَ الْأَنْدَلُسِ لَيْسَ هَوَانًا وَبِالْعِرَاقِ، وَمِصْرَ هَوَانٌ. (الْعَاشِرِ) أَنَّهُ يَتَنَوَّعُ لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى الصِّرْفِ كَالْجِنَايَةِ عَلَى الصَّحَابَةِ أَوْ الْكِتَابِ الْعَزِيزِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَإِلَى حَقِّ الْعَبْدِ الصِّرْفِ كَشَتْمِ زَيْدٍ وَنَحْوِهِ، وَالْحُدُودُ لَا يَتَنَوَّعُ مِنْهَا حَدٌّ بَلْ الْكُلُّ حَقٌّ لِلَّهِ تَعَالَى إلَّا الْقَذْفَ عَلَى خِلَافٍ فِيهِ إمَّا أَنَّهُ تَارَةً يَكُونُ حَدًّا حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى وَتَارَةً يَكُونُ حَقًّا لِآدَمِيٍّ فَلَا يُوجَدُ أَلْبَتَّةَ.

(الْفَرْقُ السَّابِعُ وَالْأَرْبَعُونَ وَالْمِائَتَانِ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْإِتْلَافِ بِالصِّيَالِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ الْإِتْلَافِ بِغَيْرِهِ) اعْلَمْ أَنَّ الصِّيَالَ يَخْتَصُّ بِنَوْعٍ مِنْ إسْقَاطِ اعْتِبَارِ إتْلَافِهِ بِسَبَبِ عِدَاهُ وَعُدْوَانِهِ وَيَقْوَى الضَّمَانُ فِي غَيْرِهِ عَلَى مُتْلِفِهِ لِعَدَمِ الْمُسْقِطِ، وَلَهُ خَصِيصَةٌ أُخْرَى، وَهِيَ أَنَّ السَّاكِتَ عَنْ الدَّفْعِ عَنْ نَفْسِهِ حَتَّى يُقْتَلَ لَا يُعَدُّ آثِمًا، وَلَا قَاتِلًا لِنَفْسِهِ بِخِلَافِ لَوْ مَنَعَ مِنْ نَفْسِهِ طَعَامَهَا وَشَرَابَهَا حَتَّى مَاتَ فَإِنَّهُ آثِمٌ قَاتِلٌ لِنَفْسِهِ، وَلَوْ لَمْ يَمْنَعْ عَنْهَا الصَّائِلَ مِنْ الْآدَمِيِّينَ لَمْ يَأْثَمْ بِذَلِكَ وَبَسْطُ ذَلِكَ أَنَّ كُلَّ إنْسَانٍ أَوْ غَيْرَهُ صَالَ فَدَفَعَ عَنْ مَعْصُومٍ مِنْ نَفْسٍ أَوْ بُضْعٍ أَوْ مَالٍ دَفْعًا لَا يَقْصِدُ قَتْلَهُ بَلْ الدَّفْعَ خَاصَّةً، وَإِنْ أَدَّى إلَى الْقَتْلِ إلَّا أَنْ يَعْلَمَ أَنَّهُ لَا يَنْدَفِعُ إلَّا بِالْقَتْلِ فَيَقْصِدُ قَتْلَهُ ابْتِدَاءً لِتَعَيُّنِهِ طَرِيقًا إلَى الدَّفْعِ فَمَنْ خَشِيَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ فَدَفَعَهُ عَنْ نَفْسِهِ فَهُوَ هَدَرٌ لَا يُضْمَنُ حَتَّى الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ، وَكَذَلِكَ

ــ

[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]

وَالرُّقَى وَالْخَوَاصُّ وَالسِّيمْيَا وَالْهِيمْيَا وَقُوَى النُّفُوسِ شَيْءٌ وَاحِدٌ وَكُلُّهَا سِحْرٌ أَوْ بَعْضُ هَذِهِ الْأُمُورِ سِحْرٌ وَبَعْضُهَا لَيْسَ بِسِحْرٍ فَإِنْ قَالَ الْكُلُّ سِحْرٌ يَلْزَمُهُ أَنَّ سُورَةَ الْفَاتِحَةِ سِحْرٌ؛ لِأَنَّهَا رُقْيَةٌ إجْمَاعًا، وَإِنْ قَالَ بَلْ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْ هَذِهِ خَاصِّيَّةٌ تَخْتَصُّ بِهَا فَيُقَالُ بَيِّنْ لَنَا خُصُوصَ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهَا، وَمَا بِهِ تَمْتَازُ وَهَذَا لَا يَكَادُ يَعْرِفُهُ أَحَدٌ مِنْ الْمُعْتَرِضِينَ لِلْفُتْيَا، وَأَنَا طُولَ عُمُرِي مَا رَأَيْت مَنْ يُفَرِّقُ بَيْنَ هَذِهِ الْأُمُورِ فَكَيْفَ يُفْتِي أَحَدٌ بَعْدَ هَذَا بِكُفْرِ شَخْصٍ مُعَيَّنٍ أَوْ بِمُبَاشَرَةِ شَيْءٍ مُعَيَّنٍ بِنَاءً عَلَى أَنَّ ذَلِكَ سِحْرٌ، وَهُوَ لَا يَعْرِفُ السِّحْرَ مَا هُوَ، وَلَقَدْ وُجِدَ فِي بَعْضِ الْمَدَارِسِ عِنْدَ بَعْضِ الطَّلَبَةِ كُرَّاسَةٌ فِيهَا آيَاتٌ لِلْمَحَبَّةِ وَالْبُغْضِ وَالتَّهَيُّجِ وَالنَّزِيفِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ هَذِهِ الْأُمُورِ الَّتِي تُسَمِّيهَا الْمَغَارِبَةُ عِلْمَ الْمُخِلَّاتِ فَأَفْتَوْا بِكُفْرِهِ، وَإِخْرَاجِهِ مِنْ الْمَدْرَسَةِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ هَذِهِ الْأُمُورَ سِحْرٌ، وَأَنَّ السِّحْرَ كُفْرٌ وَهَذَا جَهْلٌ عَظِيمٌ، وَإِقْدَامٌ عَلَى شَرِيعَةِ اللَّهِ بِجَهْلٍ وَعَلَى عِبَادِهِ بِالْفَسَادِ مِنْ غَيْرِ عِلْمٍ فَاحْذَرْ هَذِهِ الْخُطَّةَ الرَّدِيئَةَ الْمُهْلِكَةَ عِنْدَ اللَّهِ وَسَتَقِفُ فِي الْفَرْقِ الَّذِي بَعْدَ هَذَا عَلَى الصَّوَابِ فِي ذَلِكَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. اهـ

كَلَامُ الْأَصْلِ وَذَهَبَ الْإِمَامُ أَبُو الْقَاسِمِ بْنُ الشَّاطِّ إلَى عَدَمِ صِحَّةِ قَوْلِهِ بِالْتِبَاسِ الْكُفْرِ بِالْكَبَائِرِ قَالَ فَإِنَّ قَوْلَهُ أَنَّ النَّهْيَ يَعْتَمِدُ الْمَفَاسِدَ إنْ أَرَادَ الْمَفَاسِدَ بِمُقْتَضَى الشَّرْعِ فَلَا شَكَّ أَنَّ الْكُفْرَ أَعْظَمُ الْمَفَاسِدِ، وَمَا عَدَاهُ مِنْ الْمَعَاصِي تَتَفَاوَتُ رُتْبَتُهُ عَلَى أَنَّهُ كَيْفَ يَلْتَبِسُ بِهَا وَالْكُفْرُ أَمْرٌ اعْتِقَادِيٌّ وَالْكَبَائِرُ أَعْمَالٌ وَلَيْسَتْ بِاعْتِقَادٍ سَوَاءٌ كَانَتْ أَعْمَالٌ قَلْبِيَّةٌ أَوْ بَدَنِيَّةٌ، قَالَ: وَلَيْسَ الْكُفْرُ انْتِهَاكَ حُرْمَةِ الرُّبُوبِيَّةِ إذْ لَا يَصْدُرُ عَادَةً مِمَّنْ يَدِينُ بِالرُّبُوبِيَّةِ بَلْ يَتَعَذَّرُ عَادَةً مَعَ الْعِلْمِ بِاَللَّهِ تَعَالَى، وَإِنَّمَا يَكُونُ مَعَ الْجَهْلِ بِهِ تَعَالَى فَالْكُفْرُ إمَّا الْجَهْلُ بِوُجُودِ الصَّانِعِ أَوْ صِفَاتِهِ خَاصَّةً عِنْدَ مَنْ لَا يُصَحِّحُ الْكُفْرَ، وَإِمَّا الْجَهْلُ بِاَللَّهِ تَعَالَى أَوْ جَحْدُهُ عِنْدَ مَنْ يُصَحِّحُ الْكُفْرَ عِنَادًا قَالَ: وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ مُجَرَّدَ رَمْيِ الْمُصْحَفِ فِي الْقَاذُورَاتِ كُفْرٌ بَلْ رَمْيُهُ فِيهَا إنْ كَانَ مَعَ الْجَهْلِ فَالْكُفْرُ هُوَ الْجَهْلُ لَا عَيْنُ رَمْيِهِ، وَإِنْ كَانَ مَعَ الْعِلْمِ بِاَللَّهِ تَعَالَى فَإِنْ كَانَ مَعَ التَّكْذِيبِ بِهِ هُوَ كُفْرٌ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ فَهُوَ مَعْصِيَةٌ غَيْرُ كُفْرٍ.

وَلَا أَنَّ مُجَرَّدَ السُّجُودِ لِلصَّنَمِ كُفْرٌ بَلْ إنْ كَانَ مَعَ اعْتِقَادِ كَوْنِهِ إلَهًا فَهُوَ كُفْرٌ، وَإِلَّا فَلَا بَلْ يَكُونُ مَعْصِيَةً إنْ كَانَ لِغَيْرِ إكْرَاهٍ وَجَائِزًا إنْ كَانَ لِلْإِكْرَاهِ وَلَا أَنَّ مُجَرَّدَ التَّرَدُّدِ إلَى الْكَنَائِسِ فِي أَعْيَادِهِمْ بِزِيِّ النَّصَارَى، وَمُبَاشَرَةِ أَحْوَالِهِمْ كُفْرٌ بَلْ لَيْسَ هُوَ بِكُفْرٍ إلَّا أَنْ يَعْتَقِدَ مُعْتَقَدَهُمْ قَالَ وَجَحْدُ الْمُجْمَعِ عَلَيْهِ الْمَعْلُومِ مِنْ الدِّينِ بِالضَّرُورَةِ كُفْرٌ إنْ كَانَ جَحَدَ بَعْدَ عِلْمِهِ فَيَكُونُ تَكْذِيبًا، وَإِلَّا فَهُوَ جَهْلٌ وَذَلِكَ الْجَهْلُ مَعْصِيَةٌ؛ لِأَنَّهُ مَطْلُوبٌ بِإِزَالَةِ مِثْلِ هَذَا الْجَهْلِ عَلَى وَجْهِ الْوُجُوبِ وَحِينَئِذٍ فَلَا يَكْفِي الِاقْتِصَارُ عَلَى اشْتِرَاطِ شُهْرَةِ ذَلِكَ الْأَمْرِ مِنْ الدِّينِ بَلْ لَا بُدَّ مَعَ اشْتِهَارِ ذَلِكَ مِنْ وُصُولِ ذَلِكَ إلَى هَذَا الشَّخْصِ وَعِلْمِهِ بِهِ فَيَكُونُ إذْ ذَاكَ مُكَذِّبًا لِلَّهِ تَعَالَى وَلِرَسُولِهِ فَيَكُونُ بِذَلِكَ كَافِرًا أَمَّا إذَا لَمْ يَعْلَمْ ذَلِكَ الْأَمْرَ وَكَانَ مِنْ مَعَالِمِ الدِّينِ الْمُشْتَهِرَةِ فَهُوَ عَاصٍ بِتَرْكِ التَّسَبُّبِ إلَى عِلْمِهِ لَيْسَ بِكَافِرٍ بِذَلِكَ، وَمَا يُفِيدُهُ كَلَامُ الشِّهَابِ مِنْ نَقْصِ شَرْطِ عِلْمِ الشَّخْصِ بِذَلِكَ الْأَمْرِ الْمُشْتَهَرِ لَيْسَ بِصَحِيحٍ، قَالَ: وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْكَبَائِرَ وَالصَّغَائِرَ انْتِهَاكٌ لِحُرْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَإِنَّمَا هِيَ جُرْأَةٌ عَلَى مُخَالَفَةٍ تُحْمَلُ عَلَيْهَا الْأَغْرَاضُ وَالشَّهَوَاتُ.

قَالَ وَبِنَاءُ الشَّخْصِ الْكَنَائِسَ لِيَكْفُرَ فِيهَا إنْ كَانَ الِاعْتِقَادُ رُجْحَانَ الْكُفْرِ عَلَى الْإِسْلَامِ فَهُوَ كُفْرٌ لَا شَكَّ فِيهِ، وَإِنْ كَانَ لِكَافِرٍ إرَادَةُ التَّقَرُّبِ إلَيْهِ وَالتَّوَدُّدُ لَهُ بِذَلِكَ فَهُوَ مَعْصِيَةٌ لَا كُفْرٌ وَقَتْلُ الشَّخْصِ نَبِيًّا مَعَ اعْتِقَادِهِ صِحَّةَ رِسَالَتِهِ لِيُمِيتَ شَرِيعَتَهُ لَا يَتَأَتَّى فَرْضُ كَوْنِهِ كُفْرًا إلَّا عَلَى قَوْلِ مَنْ يُجَوِّزُ الْكُفْرَ عِنَادًا، وَإِشَارَةُ الشَّخْصِ عَلَى مَنْ أَتَى لِيُسْلِمَ عَلَى يَدَيْهِ بِتَأْخِيرِ الْإِسْلَامِ لَا تَكُونُ كُفْرًا إلَّا إنْ كَانَتْ لِاعْتِقَادِهِ رُجْحَانَ الْكُفْرِ أَمَّا إنْ كَانَتْ لِكَوْنِهِ لَا يُرِيدُ لِهَذَا

<<  <  ج: ص:  >  >>