الْبَهِيمَةُ لِأَنَّهُ نَابَ عَنْ صَاحِبِهَا فِي دَفْعِهَا وَهُوَ سِرُّ الْفَرْقِ بَيْنَ الْقَاعِدَتَيْنِ فَإِنَّ الْمُتْلِفَ ابْتِدَاءً لَمْ يَنُبْ عَنْ غَيْرِهِ فِي الْقِيَامِ بِذَلِكَ الْإِتْلَافِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ: أَعْظَمُ الْمَدْفُوعِ عَنْهُ النَّفْسُ، وَأَمْرُهُ بِيَدِهِ إنْ شَاءَ أَسْلَمَ نَفْسَهُ أَوْ دَفَعَ عَنْهَا وَيَخْتَلِفُ الْحَالُ فَفِي زَمَنِ الْفِتْنَةِ الصَّبْرُ أَوْلَى تَقْلِيلًا لَهَا أَوْ هُوَ يَقْصِدُ وَحْدَهُ مِنْ غَيْرِ فِتْنَةٍ عَامَّةٍ فَالْأَمْرُ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ، وَإِنْ عَضَّ الصَّائِلُ يَدَك فَنَزَعْتَهَا مِنْ فِيهِ فَقَلَعْتَ أَسْنَانَهُ ضَمِنْتَ دِيَةَ الْأَسْنَانِ؛ لِأَنَّهَا مِنْ فِعْلِك وَقِيلَ لَا تَضْمَنُ؛ لِأَنَّهُ أَلْجَأَك لِذَلِكَ، وَإِنْ نَظَرَ إلَى حَرَمٍ مِنْ كَوَّةٍ لَمْ يَجُزْ لَك أَنْ تَقْصِدَ عَيْنَهُ أَوْ غَيْرَهَا؛ لِأَنَّهُ لَا تُدْفَعُ الْمَعْصِيَةُ بِالْمَعْصِيَةِ، وَفِيهِ الْقَوَدُ إنْ فَعَلْت وَيَجِبُ تَقَدُّمُ الْإِنْذَارِ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ فِيهِ دَفْعٌ وَمُسْتَنَدُ تَرْكِ الدَّفْعِ عَنْ النَّفْسِ مَا فِي الصَّحِيحِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «كُنْ عَبْدَ اللَّهِ الْمَقْتُولَ وَلَا تَكُنْ عَبْدَ اللَّهِ الْقَاتِلَ» وَلِقِصَّةِ ابْنَيْ آدَمَ {إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الآخَرِ} [المائدة: ٢٧] ثُمَّ قَالَ: {إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ} [المائدة: ٢٩] وَلَمْ يَدْفَعْهُ عَنْ نَفْسِهِ لَمَّا أَرَادَ قَتْلَهُ وَعَلَى ذَلِكَ اعْتَمَدَ عُثْمَانُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَلَى أَحَدِ الْأَقْوَالِ؛ وَلِأَنَّهُ تَعَارَضَتْ مَفْسَدَةٌ أَنْ يَقْتُلَ أَوْ يُمَكِّنَ مِنْ الْقَتْلِ، وَالتَّمْكِينُ مِنْ الْمَفْسَدَةِ أَخَفُّ مَفْسَدَةً مِنْ مُبَاشَرَةِ الْمَفْسَدَةِ نَفْسِهَا فَإِذَا تَعَارَضَتَا سَقَطَ اعْتِبَارُ الْمَفْسَدَةِ الدُّنْيَا بِدَفْعِ الْمَفْسَدَةِ الْعُلْيَا فَهَذَا أَقْرَبُ الْفُرُوقِ بَيْنَ الْقَاعِدَتَيْنِ.
وَالْفَرْقُ بَيْنَ تَرْكِ دَفْعِ الصَّائِلُ، وَبَيْنَ تَرْكِ الْغِذَاءِ وَالشَّرَابِ حَتَّى يَمُوتَ أَنَّ تَرْكَ الْغِذَاءِ هُوَ السَّبَبُ الْعَامُّ فِي الْمَوْتِ لَمْ يُضِفْ إلَيْهِ غَيْرَهُ، وَلَا بُدَّ أَنْ يُضَافَ فِعْلُ
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
الشَّخْصِ الْإِسْلَامَ لِحِقْدٍ لَهُ عَلَيْهِ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا لَا يَسْتَلْزِمُ أَنْ يَعْتَقِدَ الْمُشِيرُ رُجْحَانَ الْكُفْرِ فَلَا تَكُونُ كُفْرًا قَالَ وَيُوَافِقُ قَوْلُنَا فِي مَسْأَلَةِ الْإِشَارَةِ بِتَأْخِيرِ الْإِسْلَامِ مِنْ أَنَّهَا لَيْسَتْ بِكُفْرٍ مِنْ أَنَّهُ جِهَةٌ لَمْ يُشِرْ بِذَلِكَ عَلَيْهِ إلَّا لِقَصْدِ إثْبَاتِهِ لَا لِاعْتِقَادِهِ رُجْحَانَ الْكُفْرِ قَوْلَ شِهَابِ الدِّينِ، وَلَا يَنْدَرِجُ فِي إرَادَةِ الْكُفْرِ الدُّعَاءُ بِسُوءِ الْخَاتِمَةِ عَلَى مَنْ تُعَادِيهِ، وَإِنْ كَانَ فِيهِ إرَادَةُ الْكُفْرِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مَقْصُودًا فِيهِ انْتِهَاكُ حُرْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى بَلْ إذَايَةُ الْمَدْعُوِّ عَلَيْهِ. وَقَوْلُهُ: وَلَيْسَ مِنْهُ أَيْضًا اخْتِيَارُ الْإِمَامِ عَقْدَ الْجِزْيَةِ عَلَى الْأُسَارَى الْمُوجِبِ لِاسْتِمْرَارِ الْكُفْرِ فِي قُلُوبِهِمْ عَلَى الْقَتْلِ إلَى قَوْلِهِ وَقَعَ بِالْعَرَضِ فَإِنَّ مَعْنَاهُ أَنَّ اسْتِبْقَاءَ الْأُسَارَى وَضَرْبَ الْجِزْيَةِ عَلَيْهِمْ لَا يَتَعَيَّنُ أَنَّهُ إيثَارٌ لِاسْتِمْرَارِ الْكُفْرِ وَإِذَا لَمْ يَتَعَيَّنْ أَنْ يَكُونَ لِذَلِكَ لَمْ يَكُنْ كُفْرًا وَأَمَّا مَا قَالَهُ مِنْ أَنَّهُ مَشْرُوعٌ مَأْمُورٌ بِهِ عِنْدَ تَعَيُّنِ مُقْتَضِيهِ فَنَقُولُ كَذَلِكَ يَكُونُ لَوْ تَعَيَّنَ الْمُقْتَضِي، وَمَتَى يَتَعَيَّنُ عِنْدَنَا وَنَحْنُ لَا نَعْلَمُ مَا عَاقِبَةُ أَمْرِ الْأَسِيرِ.
قَالَ: وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْ السَّاجِدِ لِلشَّجَرَةِ وَالسَّاجِدِ لِلْوَالِدِ إنْ سَجَدَ مَعَ اعْتِقَادِ أَنَّ الْمَسْجُودَ لَهُ شَرِيكٌ لِلَّهِ تَعَالَى فَهُوَ كُفْرٌ، وَإِنْ سَجَدَ لَا مَعَ ذَلِكَ الِاعْتِقَادِ بَلْ تَعْظِيمًا عَارِيًّا عَنْ ذَلِكَ الِاعْتِقَادِ فَهُوَ مَعْصِيَةٌ لَا كُفْرٌ، وَإِنْ سَجَدَ السَّاجِدُ لِلشَّجَرَةِ مَعَ اعْتِقَادِ أَنَّهُ شَرِيكٌ لِلَّهِ تَعَالَى وَسَجَدَ السَّاجِدُ لِلْوَالِدِ لَا مَعَ ذَلِكَ الِاعْتِقَادِ بَلْ تَعْظِيمًا فَالْأَوَّلُ كُفْرٌ وَالثَّانِي مَعْصِيَةٌ غَيْرُ كُفْرٍ أَوْ كَانَ الْأَمْرُ بِالْعَكْسِ فَبِالْعَكْسِ.
وَأَمَّا إذَا قُلْنَا إنَّ مُجَرَّدَ السُّجُودِ لِلشَّجَرَةِ كُفْرٌ؛ لِأَنَّهَا عُبِدَتْ مُدَّةً، وَمُجَرَّدَ السُّجُودِ لِلْوَالِدِ لَيْسَ بِكُفْرٍ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُعْبَدْ مُدَّةً قَالَ: ذَلِكَ يَفْتَقِرُ إلَى تَوْقِيفٍ قَالَ، وَمَعْنَى تَبَعِيَّةِ الْأَمْرِ بِالْمَأْمُورِ بِهِ الْوَاجِبِ مَثَلًا لِمَصْلَحَتِهِ وَالْمُرَادُ بِهَا أَنَّهُ لَوْلَا الْقَصْدُ إلَى حُصُولِ الْمَصْلَحَةِ مَا شُرِعَ، وَمَعْنَى تَبَعِيَّةِ الْمَصْلَحَةِ لِلْأَوَامِرِ وَالْمُرَادُ بِهَا أَنَّهُ لَوْلَا شَرْعِيَّةُ الْأَمْرِ الْبَاعِثِ عَلَى فِعْلِ الْمَأْمُورِ بِهِ مَا حَصَلَتْ فَالْمَأْمُورُ بِهِ تَابِعٌ لِلْمَصْلَحَةِ وُجُوبًا، وَالْمَصْلَحَةُ تَابِعَةٌ لَهُ وُجُودًا وَحِينَئِذٍ فَلَا غَرْوَ أَنْ يَكُونَ أَحَدُ الشَّيْئَيْنِ تَابِعًا لِلْآخَرِ مِنْ وَجْهٍ وَيَكُونَ الْآخَرُ تَابِعًا لَهُ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ كَمَا أَنَّ الشَّجَرَةَ تَابِعَةٌ لِلثَّمَرَةِ وُجُوبًا أَيْ لَوْلَا الْقَصْدُ إلَى تَحْصِيلِ الثَّمَرَةِ مَا زُرِعَتْ الشَّجَرَةُ وَالثَّمَرَةُ تَابِعَةٌ لِلشَّجَرَةِ وُجُودًا أَيْ لَوْلَا زَرْعُ الشَّجَرَةِ مَا حَصَلَتْ الثَّمَرَةُ فَصَحَّ مَا قَالَهُ الْأَغْبِيَاءُ مِنْ الطَّلَبَةِ مِنْ أَنَّ الثَّوَابَ هِيَ الْمَصْلَحَةُ وَهِيَ تَابِعَةٌ وُجُودَ الْفِعْلِ الْوَاجِبِ وَفِعْلُ الْوَاجِبِ تَابِعٌ وُجُوبًا بِالتَّحَيُّلِ الْمَصْلَحَةَ، وَبَطَلَ مَا ادَّعَاهُ الشِّهَابُ مِنْ الدَّوْرِ الْمُمْتَنِعِ، وَإِنَّمَا الْمُوجِبُ لِتَوَهُّمِهِ هُوَ الْغَفْلَةُ عَنْ تَغَايُرِ جِهَتَيْ التَّبَعِيَّةِ فَانْزَاحَ الْإِشْكَالُ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ ذِي الْمَنِّ وَالْأَفْضَالِ قَالَ وَكَلَامُ الشِّهَابِ فِي الْقِسْمِ الْأَوَّلِ مِنْ أَقْسَامِ الْجَهْلِ الْعَشَرَةِ يَقْتَضِي الْجَزْمَ بِأَنَّ هُنَاكَ صِفَةٌ زَائِدَةٌ عَلَى مَا دَلَّتْ عَلَيْهِ الصَّنْعَةُ لَكِنَّنَا لَا نَعْلَمُهَا فَإِنْ أَرَادَ أَنَّا لَا نَعْلَمُهَا لَا جُمْلَةً، وَلَا تَفْصِيلًا فَقَدْ تَنَاقَضَ كَلَامُهُ فَإِنَّ مَسَاقَ كَلَامِهِ يَقْتَضِي الْجَزْمَ بِثُبُوتِهَا عَلَى الْجُمْلَةِ، وَإِنْ كُنَّا لَا نَعْلَمُهَا عَلَى التَّفْصِيلِ، وَإِنْ أَرَادَ أَنَّا لَا نَعْلَمُهَا عَلَى التَّفْصِيلِ، وَإِنْ عَلِمْنَاهَا عَلَى الْجُمْلَةِ كَانَ قَوْلُهُ ذَلِكَ دَعْوَى لَا دَلِيلَ عَلَيْهَا، وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَا أُحْصِي إلَخْ يَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ لَا أَسْتَطِيعُ الْمُدَاوَمَةَ وَالِاسْتِمْرَارَ عَلَى الثَّنَاءِ عَلَيْك لِلْقَوَاطِعِ عَنْ ذَلِكَ بِكَالنَّوْمِ وَشِبْهِهِ قَوْلُ الصِّدِّيقِ الْعَجْزُ إلَخْ يَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ أَنَّ الْعَجْزَ عَنْ الِاطِّلَاعِ عَلَى جَمِيعِ مَعْلُومَاتِ اللَّهِ تَعَالَى اطِّلَاعٌ عَلَى الْفَرْقِ بَيْنَ الرَّبِّ وَالْمَرْبُوبِ وَالْمَالِكِ وَالْمَمْلُوكِ وَالْخَالِقِ وَالْمَخْلُوقِ وَذَلِكَ هُوَ صَرِيحُ الْإِيمَانِ وَصَحِيحُ الْإِيقَانِ.
قَالَ: وَهَذَا الْمَقَامُ مِمَّا اخْتَلَفَ النَّاسُ فِيهِ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقْتَضِي كَلَامُهُ أَنَّهُ لَا صِفَةَ وَرَاءَ مَا عَلِمْنَاهُ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَقْتَضِي كَلَامُهُ أَنَّ هُنَاكَ صِفَاتٌ لَا نَعْلَمُهَا، وَمِنْهُمْ مَنْ يَقْتَضِي كَلَامُهُ الْوَقْفَ فِي ذَلِكَ وَهُوَ الصَّحِيحُ وَيَتَرَتَّبُ عَلَى ذَلِكَ أَنَّهُ لَا تَكْلِيفَ بِإِزَالَةِ هَذَا الْجَهْلِ، وَلَا مُؤَاخَذَةَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute