للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الصَّائِلِ لِلتَّمْكِينِ وَالْفَرْقُ بَيْنَ تَرْكِ الْغِذَاءِ أَنَّهُ يَحْرُمُ وَبَيْنَ تَرْكِ الدَّوَاءِ فَلَا يَحْرُمُ أَنَّ الدَّوَاءَ غَيْرُ مُنْضَبِطِ النَّفْعِ فَقَدْ يُفِيدُ وَقَدْ لَا يُفِيدُ وَالْغِذَاءُ ضَرُورِيُّ النَّفْعِ، وَوَافَقَنَا الشَّافِعِيُّ أَنَّهُ لَا يَضْمَنُ الْفَحْلَ الصَّائِلَ وَالْمَجْنُونَ وَالصَّغِيرَ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: يُبَاحُ لَهُ الدَّفْعُ وَيَضْمَنُ وَاتَّفَقُوا إذَا كَانَ آدَمِيًّا بَالِغًا عَاقِلًا أَنَّهُ لَا يَضْمَنُ. لَنَا وُجُوهٌ: الْأَوَّلُ أَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الضَّمَانِ. الثَّانِي الْقِيَاسُ عَلَى الْآدَمِيِّ. الثَّالِثُ الْقِيَاسُ عَلَى الدَّابَّةِ الْمَعْرُوفَةِ بِالْأَذَى أَنَّهَا تَقْتُلُ، وَلَا تُضْمَنُ إجْمَاعًا، وَلَا يَلْزَمُنَا إذَا غَصَبَهُ فَصَالَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ ضَمِنَ هُنَالِكَ بِالْغَصْبِ لَا بِالدَّفْعِ، وَإِلَّا إذَا اُضْطُرَّ لَهُ لِجُوعٍ فَأَكَلَهُ فَإِنَّهُ يَضْمَنُ؛ لِأَنَّ الْجُوعَ الْقَاتِلَ فِي نَفْسِ الْجَامِعِ لَا فِي نَفْسِ الصَّائِلِ وَالْقَتْلُ بِالصِّيَالِ مِنْ جِهَةِ الصَّائِلِ احْتَجُّوا بِوُجُوهٍ الْأَوَّلِ أَنَّ مُدْرِكَ عَدَمِ الضَّمَانِ إنَّمَا هُوَ إذْنُ الْمَالِكِ لَا جَوَازُ الْفِعْلِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَذِنَ لَهُ فِي قَتْلِ عَبْدِهِ لَمْ يَضْمَنْ، وَلَوْ أَكَلَهُ لِمَجَاعَةٍ ضَمِنَهُ. الثَّانِي أَنَّ الْآدَمِيَّ لَهُ قَصْدٌ وَاخْتِيَارٌ فَلِذَلِكَ لَمْ يَضْمَنْ وَالْبَهِيمَةُ لَا اخْتِيَارَ لَهَا؛ لِأَنَّهُ لَوْ حَفَرَ بِئْرًا فَطَرَحَ إنْسَانٌ نَفْسَهُ فِيهَا لَمْ يَضْمَنْهُ، وَلَوْ طَرَحَتْ بَهِيمَةٌ نَفْسَهَا فِيهَا ضُمِنَتْ وَجِنَايَةُ الْعَبْدِ تَتَعَلَّقُ بِرَقَبَتِهِ وَجِنَايَةُ الْبَهِيمَةِ لَا تَتَعَلَّقُ بِرَقَبَتِهَا. الثَّالِثُ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «جُرْحُ الْعَجْمَاءِ جُبَارٌ» فَلَوْ لَمْ يَضْمَنْ لَمْ يَكُنْ جُبَارًا كَالْآدَمِيِّ وَالْجَوَابُ عَنْ الْأَوَّلِ أَنَّ الضَّمَانَ يَتَوَقَّفُ عَلَى عَدَمِ جَوَازِ الْفِعْلِ بِدَلِيلِ أَنَّ الصَّيْدَ إذَا صَالَ عَلَى مُحْرِمٍ لَمْ يَضْمَنْهُ أَوْ صَالَ عَلَى الْعَبْدِ سَيِّدُهُ فَقَتَلَهُ الْعَبْدُ أَوْ الْأَبُ عَلَى ابْنِهِ فَقَتَلَهُ ابْنُهُ لَا يَضْمَنُونَ لِجَوَازِ الْفِعْلِ وَعَنْ الثَّانِي أَنَّ الْبَهِيمَةَ لَهَا اخْتِيَارٌ اعْتَبَرَهُ الشَّرْعُ؛ لِأَنَّ الْكَلْبَ لَوْ

ــ

[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]

بِبَقَائِهِ كَمَا قَالَ الشِّهَابُ قَالَ وَفِي الِاسْتِدْلَالِ بِالْحَدِيثَيْنِ عَلَى مَا نَقَلَهُ فِي الْقِسْمِ الثَّانِي عَنْ شِفَاءِ عِيَاضٍ نَظَرٌ فَإِنَّهُ مَوْضِعُ قَطْعٍ لَا يَكْفِي فِي مِثْلِهِ الظَّوَاهِرُ مَعَ تَعَيُّنِ التَّأْوِيلِ فِي الْحَدِيثَيْنِ مِنْ جِهَةِ أَنَّ ظَاهِرَ حَدِيثِ لَئِنْ قَدَرَ اللَّهُ عَلَيَّ لَيُعَذِّبَنِّي بِنَفْيِ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَادِرٌ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ اللَّهُ تَعَالَى تَارَةً قَادِرًا أَوْ تَارَةً غَيْرَ قَادِرٍ وَلَيْسَ ظَاهِرُهُ نَفْيَ أَنَّهُ قَادِرٌ بِقُدْرَةٍ وَكَذَلِكَ ظَاهِرُ حَدِيثِ السَّوْدَاءِ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى مُسْتَقِرٌّ فِي السَّمَاءِ اسْتِقْرَارَ الْأَجْسَامِ، وَهَذَا وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُجْمَعٍ عَلَى أَنَّهُ كُفْرٌ إلَّا أَنَّهُ بَاطِلٌ قَطْعًا لِقِيَامِ الدَّلِيلِ عَلَى ذَلِكَ وَقَدْ أَقَرَّهَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى ذَلِكَ فَتَعَيَّنَ التَّأْوِيلُ هُنَا؛ لِأَنَّ إقْرَارَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى الْبَاطِلِ لَا يَجُوزُ، قَالَ، وَمَا قَالَهُ فِي الْقِسْمِ الثَّالِثِ صَحِيحٌ وَكَذَا مَا قَالَهُ فِي الْقِسْمِ الرَّابِعِ غَيْرَ أَنَّ قَوْلَهُ بَاقٍ بِغَيْرِ بَقَاءٍ لَمْ يُرِدْ مَنْ عَبَّرَ بِهِ ظَاهِرَهُ لِمَا فِيهِ مِنْ التَّنَاقُضِ بَلْ مُرَادُهُ أَنَّ الْبَقَاءَ لَيْسَ بِصِفَةٍ ثُبُوتِيَّةٍ، وَمَا قَالَهُ فِي الْقِسْمِ الْخَامِسِ صَحِيحٌ وَكَذَا مَا قَالَهُ فِي السَّادِسِ إلَّا أَنَّهُ كَانَ الْأَوْلَى لَهُ إبْدَالَ قَوْلِهِ جَهْلٌ يَتَعَلَّقُ بِالذَّاتِ بِقَوْلِهِ جَهْلٌ بِالصِّفَاتِ السَّلْبِيَّةِ، وَأَنْ يَحْذِفَ قَوْلَهُ مَعَ الِاعْتِرَافِ بِوُجُودِهَا فَإِنَّهُ فِي كَلَامِهِ كَالْمُتَنَاقِضِ مَعَ أَنَّ الْجَهْلَ بِسَلْبِ الْجِسْمِيَّةِ لَيْسَ مَذْهَبَ الْحَشَوِيَّةِ بَلْ مَذْهَبُهُمْ إثْبَاتُ الْجِسْمِيَّةِ، وَمَا فِي مَعْنَاهَا إلَّا أَنْ يُطْلِقَ عَلَى كُلِّ مَذْهَبٍ بَاطِلٍ أَنَّهُ جَهْلٌ فَذَلِكَ لَهُ وَجْهٌ، وَمَا قَالَهُ فِي الْقِسْمِ السَّابِعِ صَحِيحٌ، وَكَذَا مَا قَالَهُ فِي الثَّامِنِ.

لَكِنَّ إطْلَاقَ لَفْظِ الْجَهْلِ عَلَى الْمَذْهَبِ الْبَاطِلِ لَا عَلَى خُصُوصِ مَذْهَبِ الْفَلَاسِفَةِ، وَإِلَّا فَمَذْهَبُهُمْ الْجَزْمُ بِأَنْ لَا بَعْثَةَ لِلْأَجْسَامِ وَالْجَهْلُ فِي التَّاسِعِ إنْ أَرَادَ بِهِ الْجَهْلَ بِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَلَقَ شَيْئًا مِنْ الْحَيَوَانَاتِ الْمَوْجُودَاتِ الْمَعْلُومِ وُجُودُهَا فَذَلِكَ كُفْرٌ لَا شَكَّ فِيهِ، وَإِنْ أَرَادَ بِهِ الْجَهْلَ بِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَلَقَ حَيَوَانًا لَا يُعْلَمُ وُجُودُهُ فَذَلِكَ لَيْسَ بِكُفْرٍ، وَلَا مَعْصِيَةٍ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِرَاجِعٍ إلَى الْجَهْلِ لِتَعَلُّقِ صِفَاتِ اللَّهِ تَعَالَى بِهِ بَلْ بِوُجُودِ هَذَا الْمُتَعَلِّقِ وَبَعْضِ الصُّوَرِ الَّتِي قَدْ يُكَلِّفُ الشَّرْعُ بِمَعْرِفَتِهَا مِنْ ذَلِكَ لِأَمْرٍ يَخُصُّهَا إنْ أَرَادَ بِهَا مِثْلَ السِّحْرِ الَّذِي يَكْفُرُ بِهِ فَذَلِكَ وَإِلَّا فَلَا أَدْرِي مَا أَرَادَ، وَمَا قَالَهُ فِي الْعَاشِرِ نَقْلٌ وَتَرْجِيحٌ، وَمَا قَالَهُ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِالْجُرْأَةِ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى لَيْسَ بِصَحِيحٍ فَإِنَّ التَّكْفِيرَ لَا يَصِحُّ إلَّا بِقَاطِعٍ سَمْعِيٍّ، وَمَا ذَكَرَهُ لَيْسَ كَذَلِكَ فَلَا مُعَوَّلَ عَلَيْهِ، وَلَا مُسْتَنَدَ فِيهِ فَمَا قَالَهُ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى جَوَابًا عَمَّا اسْتَشْكَلَهُ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ مِنْ الْفَرْقِ بَيْنَ كَوْنِ السُّجُودِ لِلشَّجَرَةِ كُفْرًا وَالسُّجُودِ لِلْوَالِدِ لَيْسَ بِكُفْرٍ قَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهُ يَفْتَقِرُ إلَى تَوْقِيفٍ وَتَقَدَّمَ مَا يَدْفَعُ الْإِشْكَالَ فَلَا تَغْفُلْ، وَمَا قَالَهُ فِي الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ مِنْ لُزُومِ الْكُفْرِ لِكُلِّ مُمْتَنِعٍ مِنْ السُّجُودِ وَلِكُلِّ حَاسِدٍ وَلِكُلِّ عَاصٍ لَيْسَ بِصَحِيحٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْنَعُ فِي الْعَقْلِ أَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ تَعَالَى حَسَدًا مَا وَامْتِنَاعًا وَعِصْيَانًا مَا دُونَ سَائِرِ مَا هُوَ مِنْ جِنْسِهِ كُفْرًا إذْ كَوْنُ أَمْرٍ مَا كُفْرًا أَوْ غَيْرَ كُفْرٍ أَمْرٌ وَضْعِيٌّ وَضَعَهُ الشَّارِعُ لِذَلِكَ فَلَا مَانِعَ مِنْ أَنْ يَكُونَ كُفْرُهُ لِامْتِنَاعِهِ أَوْ لِحَسَدِهِ، وَمَا قَالَهُ فِي مُدْرَك كُفْرِ إبْلِيسَ فِي قَضِيَّتِهِ مَعَ آدَمَ هُوَ الظَّاهِرُ مَعَ احْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ كُفْرُهُ لِامْتِنَاعِهِ أَوْ لِحَسَدِهِ أَوْ لَهُمَا أَوْ مَعَ مَا ذَكَرَهُ مِنْ التَّجْوِيرِ أَوْ لِلتَّجْوِيرِ خَاصَّةً إذْ لَا مَانِعَ مِنْ عَقْلٍ وَلَا نَقْلٍ مِنْ ذَلِكَ، وَمَا قَالَهُ مِنْ الْإِجْمَاعِ صَحِيحٌ لَكِنْ لَا بِمَا عَلَّلَهُ بِهِ بِقَوْلِهِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ الْجُرْأَةِ الْعَظِيمَةِ فَإِنَّهُ لَيْسَ بِصَحِيحٍ بَلْ إنَّمَا كَانَ ذَلِكَ لِأَنَّهُ مِنْ الْجَهْلِ الْعَظِيمِ بِجَلَالِ اللَّهِ تَعَالَى، وَأَنَّهُ مُنَزَّهٌ عَنْ التَّصَرُّفِ الرَّدِيءِ وَالْجَوْرِ وَالظُّلْمِ، وَأَنَّ ذَلِكَ مُمْتَنِعٌ فِي حَقِّهِ عَقْلًا وَسَمْعًا، وَمَا قَالَهُ فِي الْمَسْأَلَةِ الثَّالِثَةِ صَحِيحٌ إنْ كَانَ مَا بَنَى عَلَيْهِ كَلَامَهُ صَحِيحًا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. اهـ كَلَامُهُ مُلَخَّصًا. قُلْتُ: وَمُرَادُهُ بِمَا بَنَى عَلَيْهِ كَلَامَهُ قَوْلُهُ فَإِنْ قَالَ الْكُلُّ سِحْرٌ يَلْزَمُهُ أَنَّ سُورَةَ الْفَاتِحَةِ سِحْرٌ وَقَدْ عَلِمْت مِمَّا مَرَّ عَنْهُ أَنَّ هَذَا اللُّزُومَ وَنَحْوَهُ لَيْسَ بِصَحِيحٍ إذْ لَا يَمْتَنِعُ عَقْلًا جَعْلُ نَوْعٍ مِنْ الرُّقَى سِحْرًا دُونَ مَا عَدَاهُ بَلْ سَيُصَرِّحُ الْأَصْلُ بِالْفَرْقِ الَّذِي بَعْدَ هَذَا بِذَلِكَ فَافْهَمْ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ

<<  <  ج: ص:  >  >>