للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَحْدَهُ. لَنَا الْعُمُومَاتُ الْمُتَقَدِّمَةُ وَقَوْلُ عُمَرَ الْمُتَقَدِّمُ وَقِيَاسًا عَلَى الْمُمْسِكِ لِلصَّيْدِ الْمُحَرَّمِ فَإِنَّ عَلَيْهِ الْجَزَاءَ وَعَلَى الْمُكْرَهِ.

(الْفَرْقُ التَّاسِعُ وَالْأَرْبَعُونَ وَالْمِائَتَانِ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْعَيْنِ وَقَاعِدَةِ كُلِّ اثْنَيْنِ مِنْ الْجَسَدِ فِيهِمَا دِيَةٌ وَاحِدَةٌ كَالْأُذُنَيْنِ وَنَحْوِهِمَا) . أَنَّهُ إذَا ذَهَبَ سَمْعُ أَحَدِ أُذُنَيْهِ بِضَرْبَةِ رَجُلٍ ثُمَّ أَذْهَبَ سَمْعَ الْأُخْرَى فَعَلَيْهِ نِصْفُ الدِّيَةِ وَفِي عَيْنِ الْأَعْوَرِ الدِّيَةُ كَامِلَةً وَوَافَقَنَا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ نِصْفُ الدِّيَةِ. لَنَا وُجُوهٌ (الْأَوَّلُ) أَنَّ عُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيًّا وَابْنَ عُمَرَ قَضَوْا بِذَلِكَ مِنْ غَيْرِ مُخَالِفٍ فَكَانَ ذَلِكَ إجْمَاعًا. (الثَّانِي) أَنَّ الْعَيْنَ الذَّاهِبَةَ يَرْجِعُ ضَوْءُهَا لِلْبَاقِيَةِ؛ لِأَنَّ مَجْرَاهَا فِي النُّورِ الَّذِي يَحْصُلُ بِهِ الْإِبْصَارُ وَاحِدٌ كَمَا شَهِدَ بِهِ عِلْمُ التَّشْرِيحِ وَلِذَلِكَ أَنَّ الصَّحِيحَ إذَا غَمَّضَ إحْدَى عَيْنَيْهِ اتَّسَعَ ثُقْبُ الْأُخْرَى بِسَبَبِ مَا انْدَفَعَ لَهَا مِنْ الْأُخْرَى وَقَوِيَ إبْصَارُهَا، وَلَا يُوجَدُ ذَلِكَ فِي إحْدَى الْأُذُنَيْنِ إذَا سُدَّتْ الْأُخْرَى أَوْ إحْدَى الْيَدَيْنِ إذَا ذَهَبَتْ الْأُخْرَى أَوْ قُطِعَتْ وَكَذَلِكَ جَمِيعُ أَعْضَاءِ الْجَسَدِ إلَّا الْعَيْنَ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ اتِّحَادِ الْمَجْرَى فَكَانَتْ الْعَيْنُ الْبَاقِيَةُ فِي مَعْنَى الْعَيْنَيْنِ فَوَجَبَ فِيهَا دِيَةٌ كَامِلَةٌ.

احْتَجُّوا بِوُجُوهٍ الْأَوَّلِ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «فِي الْعَيْنِ خَمْسُونَ مِنْ الْإِبِلِ» الثَّانِي قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «فِي الْعَيْنَيْنِ الدِّيَةُ» وَهُوَ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا تَجِبُ عَلَيْهِ دِيَةٌ إلَّا إذَا قَلَعَ عَيْنَيْنِ وَهَذَا لَمْ يَقْلَعْ عَيْنَيْنِ. الثَّالِثِ أَنَّ مَا ضُمِنَ بِنِصْفِ الدِّيَةِ، وَمَعَهُ

ــ

[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]

صَحِيحٌ أَيْضًا كَقَوْلِهِ إنَّ مُعَلِّمَ الْكُفْرِ، وَمُتَعَلِّمَهُ لِيَرُدَّ عَلَيْهِ لَيْسَ بِكَافِرٍ قَالَ ابْنُ الشَّاطِّ، وَإِذَا صَحَّ أَنَّ كَوْنَ أَمْرٍ مَا كُفْرًا أَمْرٌ وَضْعِيٌّ شَرْعِيٌّ وَثَبَتَ بِدَلِيلٍ شَرْعِيٍّ أَنَّ السِّحْرَ كُفْرٌ، وَأَنَّهُ عَلَامَةُ الْكُفْرِ فَلَا إشْكَالَ؛ لِأَنَّهُ يَكُونُ حِينَئِذٍ مِنْ شَرْطِ الْمُؤْمِنِ أَنْ لَا يَعْمَلَ سِحْرًا وَعِنْدَ ذَلِكَ يَصِحُّ إيمَانُهُ إمَّا ظَاهِرًا وَبَاطِنًا إنْ كَانَ السِّحْرُ بِنَفْسِهِ كُفْرًا، وَإِمَّا ظَاهِرًا فَقَطْ إنْ كَانَ عَلَامَةُ الْكُفْرِ بِحَسَبِ الظَّاهِرِ فَسَقَطَ قَوْلُ الشِّهَابِ فِي تَوْجِيهِ الْإِشْكَالِ: لِأَنَّا نَعْلَمُ إلَى قَوْلِهِ عَلَى خِلَافِ الْوَاقِعِ. قَالَ: وَلَا أَعْرِفُ مَا قَالُوهُ مِنْ رَبْطِ اللَّهِ تِلْكَ الْآثَارِ بِخَوَاصِّ نُفُوسِهِمْ عِنْدَ اعْتِقَادِهِمْ أَنَّ الْكَوَاكِبَ تَفْعَلُ ذَلِكَ بِقُدْرَةِ اللَّهِ تَعَالَى قَالَ وَقَوْلُ الشِّهَابِ، وَإِنْ اعْتَقَدُوا أَنَّ الْكَوَاكِبَ وَالشَّيَاطِينَ تَفْعَلُ ذَلِكَ بِقُدْرَتِهَا لَا بِقُدْرَةِ اللَّهِ تَعَالَى إلَى قَوْلِهِ فَكَمَا لَا نُكَفِّرُ الْمُعْتَزِلَةَ بِذَلِكَ لَا نُكَفِّرُ هَؤُلَاءِ إنْ كَانَ الْمُرَادُ أَنَّهَا تَفْعَلُ بِقُدْرَتِهَا مِنْ غَيْرِ تَعَلُّقِ قُدْرَةِ اللَّهِ تَعَالَى بِقُدْرَتِهَا فَذَلِكَ كُفْرٌ صَرِيحٌ، وَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ أَنَّهَا تَفْعَلُ بِقُدْرَتِهَا مُبَاشَرَةً مَعَ تَعَلُّقِ قُدْرَةِ اللَّهِ تَعَالَى بِقُدْرَتِهَا فَهُوَ مَذْهَبُ الْمُعْتَزِلَةِ قَالَ: وَقَوْلُهُ وَتَفْرِيقُ بَعْضِهِمْ إلَى قَوْلِهِ كَانَ كُفْرًا إنْ كَانَ ذَلِكَ لِاعْتِقَادِ أَنَّ الْكَوَاكِبَ مُسْتَغْنِيَةٌ بِقُدْرَتِهَا عَنْ قُدْرَةِ اللَّهِ تَعَالَى فَذَلِكَ كُفْرٌ صَرِيحٌ، وَلَيْسَ تَأْثِيرُ الْحَيَوَانِ بِمُشَاهَدٍ، وَإِنَّمَا الْمُشَاهَدُ التَّأَثُّرُ لَا غَيْرُ قَالَ: وَفِي قَوْلِهِ: وَكَذَلِكَ نَقُولُ إذَا عَمِلَ السِّحْرَ بِأَمْرٍ مُبَاحٍ، نَظَرٌ إذْ لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ إنَّ عَمَلَ السِّحْرِ الْمَقْصُودِ بِهِ تَحْصِيلُ أَثَرِهِ عَلَى أَيِّ وَجْهٍ كَانَ كُفْرًا أَوْ دَلِيلُ الْكُفْرِ بِوَضْعِ الشَّارِعِ، وَهُوَ ظَاهِرُ الْآيَةِ كَمَا سَبَقَ وَتَوَهُّمُ كَوْنِهِ إذَا كَانَ أَثَرُهُ أَمْرًا مُبَاحًا التَّلَبُّسَ بِهِ فِي الشَّرْعِ كَانَ عَمَلُهُ مُبَاحًا لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ هَذَا مَا رَدَّهُ ابْنُ الشَّاطِّ مِنْ كَلَامِ الْأَصْلِ، وَأَمَّا مَا عَدَاهُ فَصَحَّحَهُ قُلْتُ فَتَحَصَّلَ أَنَّ أَقْوَالَ أَصْحَابِنَا فِي السِّحْرِ ثَلَاثَةٌ. (الْأَوَّلُ) أَنَّهُ كُفْرٌ مُطْلَقًا، وَهُوَ الَّذِي أَيَّدَهُ ابْنُ الْعَرَبِيِّ فِي أَحْكَامِهِ (وَالثَّانِي) أَنَّهُ عَلَامَةُ الْكُفْرِ مُطْلَقًا وَهُوَ الَّذِي أَيَّدَهُ ابْنُ الشَّاطِّ وَعَلَيْهِمَا فَيُقْتَلُ إذَا عَمِلَ ذَلِكَ بِنَفْسِهِ، وَأَمَّا مَنْ لَيْسَ بِمُبَاشِرٍ عَمَلَهُ وَلَكِنْ ذَهَبَ إلَى مَنْ يَعْمَلُهُ لَهُ فَفِي الْمَوَّازِيَّةِ يُؤَدَّبُ أَدَبًا شَدِيدًا كَمَا فِي التَّبْصِرَةِ.

(وَالثَّالِثُ) أَنَّهُ كُفْرٌ إنْ كَانَ بِمَا هُوَ كُفْرٌ وَغَيْرُ كُفْرٍ إنْ كَانَ بِأَمْرٍ مُبَاحٍ وَهُوَ الَّذِي أَيَّدَهُ الْأَصْلُ، وَفِي تَعْلِيمِهِ وَتَعَلُّمِهِ قَوْلَانِ الْأَوَّلُ أَنَّهُمَا كُفْرٌ إنْ كَانَا بِقَصْدِ تَحْصِيلِ أَثَرِهِ مَتَى احْتَاجَ إلَى ذَلِكَ لَا لِغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْمَقَاصِدِ وَهُوَ مَا أَيَّدَهُ ابْنُ الشَّاطِّ الثَّانِي أَنَّهُمَا كُفْرٌ إنْ كَانَا بِمُبَاشَرَةِ مَا هُوَ كُفْرٌ، وَإِلَّا فَقَدْ يَكُونَانِ قُرْبَةً وَهُوَ مَا أَيَّدَهُ الْأَصْلُ، وَأَمَّا الْقَوْلُ بِأَنَّ تَعْلِيمَهُ وَتَعَلُّمَهُ مُطْلَقًا كُفْرٌ فَقَدْ عَلِمْتَ اتِّفَاقَ الْأَصْلِ وَابْنِ الشَّاطِّ عَلَى أَنَّهُ خِلَافُ الْقَوَاعِدِ وَيَنْبَنِي الْخِلَافُ الْمَذْكُورُ فِي السِّحْرِ عَلَى مَا حَكَاهُ فِي التَّبْصِرَةِ عَنْ ابْنِ الْغَرْسِ مِنْ قَوْلِهِ وَاخْتَلَفَ السَّلَفُ هَلْ يَجُوزُ أَنْ يُسْأَلَ السَّاحِرُ حَلَّ السِّحْرِ عَنْ الْمَسْحُورِ أَمْ لَا فَكَرِهَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ عَمَلُ سِحْرٍ وَقَالَ لَا يَعْمَلُ ذَلِكَ إلَّا سَاحِرٌ، وَلَا يَجُوزُ إتْيَانُ السَّاحِرِ لِمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ مَنْ أَتَى إلَى كَاهِنٍ أَوْ سَاحِرٍ فَقَدْ كَفَرَ بِمَا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَأَجَازَهُ ابْنُ الْمُسَيِّبِ؛ لِأَنَّهُ رَآهُ نَوْعًا مِنْ الْعِلَاجِ فَيُخَصِّصُ بِذَلِكَ فِي قَوْلِهِ {يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ} [البقرة: ١٠٢] ذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ وَأَمَّا مَا حَكَاهُ فِيهَا مِنْ قَوْلِ ابْنِ الْغَرْسِ وَانْظُرْ هَلْ يَجُوزُ السِّحْرُ فِي الْإِصْلَاحِ بَيْنَ نَفْسَيْنِ كَالْمَرْأَةِ تَبْغِي إصْلَاحَ زَوْجِهَا وَاسْتِئْلَافَهُ وَعَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ السِّحْرَ كُفْرٌ فَإِنَّمَا يُرَادُ مَا شَهِدَ الشَّرْعُ لَهُ بِأَنَّهُ كُفْرٌ اهـ. فَمَبْنِيٌّ عَلَى مَا أَيَّدَهُ الْأَصْلُ فَافْهَمْ.

٢ -

(مَسْأَلَةٌ) قَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ فِي الطُّرَرِ لِابْنِ عَاتٍ قَالَ لَا يَجُوزُ الْجُعْلُ عَلَى حَلِّ الْمَرْبُوطِ وَالْمَسْحُورِ وَكَذَلِكَ لَا يَجُوزُ الْجُعْلُ عَلَى إخْرَاجِ الْجَانِّ مِنْ الرَّجُلِ؛ لِأَنَّهُ لَا تُعْرَفُ حَقِيقَتُهُ، وَلَا يُوقَفُ عَلَيْهِ، وَلَا يَنْبَغِي لِأَهْلِ الْوَرَعِ الدُّخُولُ فِيهِ وَنُسِبَ نَقْلُ ذَلِكَ إلَى الِاسْتِغْنَاءِ لِابْنِ عَبْدِ الْغَفُورِ. اهـ بِلَفْظِهِ.

ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ السِّحْرَ مِنْ جِهَةِ الْخِلَافِ

<<  <  ج: ص:  >  >>