فِيهَا.
وَهَاهُنَا ثَلَاثُ مَسَائِلَ. (الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى) : قَتْلُ الْجَمَاعَةِ بِالْوَاحِدِ إذَا قَتَلُوهُ عَمْدًا وَتَعَاوَنُوا عَلَى قَتْلِهِ بِالْحِرَابَةِ أَوْ غَيْرِهَا حَتَّى يُقْتَلَ عِنْدَنَا النَّاظُورُ وَوَافَقَنَا الشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ، وَمَشْهُورُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ فِي قَتْلِ الْجَمَاعَةِ بِالْوَاحِدِ مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةُ وَعَنْ أَحْمَدَ وَجَمَاعَةٍ مِنْ التَّابِعِينَ وَالصَّحَابَةِ أَنَّ عَلَيْهِمْ الدِّيَةَ وَعَنْ الزُّهْرِيِّ وَجَمَاعَةٍ أَنَّهُ يُقْتَلُ مِنْهُمْ وَاحِدٌ وَعَلَى الْبَاقِي حِصَصُهُمْ مِنْ الدِّيَةِ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مُكَافِئٌ لَهُ فَلَا يَسْتَوِي إبْدَالٌ فِي مُبْدَلٍ مِنْهُ وَاحِدٌ كَمَا لَا تَجِبُ دِيَاتٌ وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى {الْحُرُّ بِالْحُرِّ} [البقرة: ١٧٨] وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى {النَّفْسَ بِالنَّفْسِ} [المائدة: ٤٥] ؛ وَلِأَنَّ تَفَاوُتَ الْأَوْصَافِ يُمْنَعُ كَالْحُرِّ وَالْعَبْدِ فَالْعَدَدُ أَوْلَى بِالْمَنْعِ لَنَا إجْمَاعُ الصَّحَابَةِ عَلَى قَتْلِ عُمَرَ سَبْعَةً مِنْ أَهْلِ صَنْعَاءَ بِرَجُلٍ وَاحِدٍ وَقَالَ لَوْ تَمَالَأَ عَلَيْهِ أَهْلُ صَنْعَاءَ لَقَتَلْتُهُمْ بِهِ وَقَتَلَ عَلِيٌّ ثَلَاثَةً وَهُوَ كَثِيرٌ، وَلَمْ يُعْرَفْ لَهُمْ مُخَالِفٌ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ؛ وَلِأَنَّهَا عُقُوبَةٌ كَحَدِّ الْقَذْفِ وَتُفَارِقُ الدِّيَةَ فَإِنَّهَا تَتَبَعَّضُ دُونَ الْقِصَاصِ؛ لِأَنَّ الشَّرِكَةَ لَوْ أَسْقَطَتْ الْقِصَاصَ كَانَ ذَلِكَ ذَرِيعَةً لِلْقَتْلِ.
(الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) وَافَقَنَا الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ فِي أَنَّهُ لَا يُقْتَلُ مُسْلِمٌ بِذِمِّيٍّ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يُقْتَلُ الْمُسْلِمُ بِالذِّمِّيِّ لَنَا مَا فِي الْبُخَارِيِّ «لَا يُقْتَلُ مُسْلِمٌ بِكَافِرٍ» احْتَجُّوا بِوُجُوهٍ الْأَوَّلِ قَوْله تَعَالَى {وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا} [الإسراء: ٣٣] وَهَذَا قُتِلَ مَظْلُومًا فَيَكُونُ لِوَلِيِّهِ سُلْطَانٌ الثَّانِي قَوْله تَعَالَى {النَّفْسَ بِالنَّفْسِ} [المائدة: ٤٥] وَسَائِرُ الْعُمُومَاتِ، وَالْجَوَابُ عَنْ الْأَوَّلِ وَمَا بَعْدَهُ أَنَّ مَا ذَكَرْنَا خَاصٌّ فَيُقَدَّمُ عَلَى الْعُمُومَاتِ عَلَى مَا تَقَرَّرَ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ.
(الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ) خَالَفَنَا الشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ فِي قَتْلِ الْمُمْسِكِ وَقَالَا يُقْتَلُ الْقَاتِلُ
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
خُلَاصَةُ كَلَامِ الْأَصْلِ.
وَفِي التَّبْصِرَةِ قَالَ ابْنُ الْغَرْسِ قَوْلُ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ رَوَى ابْنُ نَافِعٍ عَنْ مَالِكٍ فِي الْمَبْسُوطِ فِي الْمَرْأَةِ تُقِرُّ أَنَّهَا عَقَدَتْ زَوْجَهَا عَنْ نَفْسِهَا أَوْ عَنْ غَيْرِهَا مِنْ النِّسَاءِ أَنَّهَا تُقْتَلُ، وَلَا تُنَكَّلُ قَالَ، وَلَوْ سَحَرَ نَفْسَهُ لَمْ يُقْتَلْ بِذَلِكَ يُؤْخَذُ مِنْهُ مَعَ قَوْلِ مَالِكٍ فِيمَنْ يَعْقِدُ الرِّجَالَ عَنْ النِّسَاءِ يُعَاقَبُ، وَلَا يُقْتَلُ اهـ أَنْ لَيْسَ كُلُّ سِحْرٍ كُفْرًا، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. اهـ
بِتَصَرُّفٍ وَأَيَّدَ الْإِمَامُ أَبُو الْقَاسِمِ بْنُ الشَّاطِّ إبْقَاءَ وقَوْله تَعَالَى: {وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ} [البقرة: ١٠٢] عَلَى عُمُومِهَا، وَأَنَّ قَوْله تَعَالَى {يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ} [البقرة: ١٠٢] تَفْسِيرٌ لِقَوْلِهِ {كَفَرُوا} [البقرة: ١٠٢] وَتَسْوِيغُ الطُّرْطُوشِيِّ الْقَوْلَ بِأَنَّهُ عَلَامَةٌ عَلَى الْكُفْرِ بِوُجُوهٍ.
(الْوَجْهِ الْأَوَّلِ) أَنَّ قَاعِدَةَ أَنَّ كَوْنَ أَمْرٍ مَا كُفْرًا أَيْ أَمْرٍ كَانَ لَيْسَ مِنْ الْأُمُورِ الْعَلِيَّةِ بَلْ هُوَ مِنْ الْأُمُورِ الْوَضْعِيَّةِ الشَّرْعِيَّةِ فَإِذَا قَالَ الشَّارِعُ فِي أَمْرٍ مَا هُوَ كُفْرٌ فَهُوَ كَذَلِكَ سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ الْقَوْلُ إنْشَاءً أَمْ إخْبَارًا يَقْتَضِي صِحَّةَ قَوْلِ الطُّرْطُوشِيِّ إنَّ الشَّارِعَ لَوْ قَالَ مَنْ دَخَلَ مَوْضِعَ كَذَا فَهُوَ كَافِرٌ اعْتَقَدْنَا كُفْرَ الدَّاخِلِ، وَأَنَّ الدُّخُولَ كُفْرٌ وَيَكُونُ ذَلِكَ الْقَوْلُ إنْشَاءَ شَرِيعَةٍ أَوْ إخْبَارًا عَنْ إنْشَاءِ شَرْعٍ لَا إخْبَارًا عَنْ كُفْرِ مَنْ لَمْ يَكْفُرْ حَتَّى يَكُونَ مُحَالٌ، وَصِحَّةُ قَوْلِهِ أَنَّ مَعْنَى قَوْلِ الْأَصْحَابِ أَنَّ السِّحْرَ كُفْرٌ أَيْ دَلِيلُ الْكُفْرِ إلَى قَوْلِهِ، وَإِنْ تَكُنْ هَذِهِ الْأُمُورُ كُفْرًا فَهِيَ كَأَكْلِ الْخِنْزِيرِ وَالتَّرَدُّدِ إلَى الْكَنَائِسِ.
(الْوَجْهِ الثَّانِي) أَنَّ اسْتِدْلَالَ الْمَالِكِيَّةِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ} [البقرة: ١٠٢] أَيْ بِتَعْلِيمِهِ ظَاهِرٌ وَاضِحٌ لِتَعَذُّرِ حَمْلِ قَوْلِهِ {فَلا تَكْفُرْ} [البقرة: ١٠٢] عَلَى الْكُفْرِ بِغَيْرِ التَّعْلِيمِ لِعَدَمِ الْتِئَامٍ. قَوْلِهِ {فَلا تَكْفُرْ} [البقرة: ١٠٢] مَعَ مَا قَبْلَهُ عَلَى تَقْدِيرِ أَنَّ الْكُفْرَ الْمَنْهِيَّ عَنْهُ غَيْرُ التَّعَلُّمِ فَهُوَ مِنْ هَذِهِ الْجِهَةِ وَبِهَذِهِ الْقَرِينَةِ نَصٌّ فِي أَنَّ التَّعَلُّمَ هُوَ الْكُفْرُ، وَلَكِنْ يَبْقَى فِي ذَلِكَ أَنَّ الْآيَةَ إخْبَارٌ عَنْ وَاقِعٍ قَبْلَنَا وَخِطَابٌ عَنْ غَيْرِنَا فَلَا يَتِمُّ الِاسْتِدْلَال إلَّا عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ شَرْعَ مَنْ قَبْلَنَا شَرْعٌ لَنَا وَهُوَ الْمَشْهُورُ الْمَنْصُوصُ فِي الْمَذْهَبِ.
(الْوَجْهِ الثَّالِثِ) أَنْ قَوْله تَعَالَى {يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ} [البقرة: ١٠٢] لَا يَلِيقُ بِفَصَاحَةِ الشَّارِعِ أَنَّهُ إخْبَارٌ عَنْ حَالِهِمْ بَعْدَ تَقَرُّرِ كُفْرِهِمْ بِغَيْرِ السِّحْرِ بَلْ اللَّائِقُ بِهَا أَنَّهُ تَفْسِيرٌ لِقَوْلِهِ كُفْرًا، وَلَا نُسَلِّمُ بِغَيْرِ حَمْلِهِ حِينَئِذٍ عَلَى أَنَّهُ كَانَ ذَلِكَ السِّحْرُ مُشْتَمِلًا عَلَى الْكُفْرِ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ تَعْلِيمُهُ وَتَعَلُّمُهُ كُفْرًا، وَهُوَ الظَّاهِرُ الَّذِي لَا مَعْدِلَ عَنْهُ.
(الْوَجْهِ الرَّابِعِ) أَنَّ تَعَلُّمَ السِّحْرِ عَلَى وَجْهَيْنِ أَحَدِهِمَا لِيَعْرِفَ حَقِيقَتَهُ خَاصَّةً إمَّا لِتَجَنُّبٍ أَوْ لِغَيْرِ ذَلِكَ وَهَذَا لَيْسَ بِكُفْرٍ وَثَانِيهِمَا أَنْ يَتَعَلَّمَهُ قَاصِدًا بِتَعَلُّمِهِ تَحْصِيلَ أَثَرِهِ مَتَى احْتَاجَ إلَى ذَلِكَ وَهَذَا هُوَ الَّذِي اقْتَضَى ظَاهِرُ الْكِتَابِ أَنَّهُ كُفْرٌ وَحِينَئِذٍ فَقَوْلُ الشِّهَابِ لَا يُمْكِنُ التَّكْفِيرُ بِجَمْعِ الْعَقَاقِيرِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْأَفْعَالِ صَحِيحٌ إذَا كَانَ ذَلِكَ الْجَمْعُ وَسَائِرُ تِلْكَ الْأَفْعَالِ غَيْرَ مَقْصُودٍ بِهَا اجْتِلَابُ الْآثَارِ الْمَطْلُوبَةِ مِنْ ذَلِكَ.
وَأَمَّا إذَا كَانَتْ مَقْصُودًا بِهَا ذَلِكَ فَهُوَ السِّحْرُ الَّذِي هُوَ كُفْرٌ بِنَفْسِهِ لِتَضَمُّنِهِ اعْتِقَادَ تَأْثِيرِ هَذِهِ الْأُمُورِ أَوْ دَلِيلَ الْكُفْرِ عَلَى مَذْهَبِ الْمَالِكِيَّةِ وَقَوْلُ الطُّرْطُوشِيِّ لَا سِيَّمَا وَتَعَلُّمُهُ لَا يَتَأَتَّى إلَّا بِمُبَاشَرَتِهِ إلَى قَوْلِهِ أَنْ تُذَلِّلَ لِي قَلْبَ فُلَانٍ الْجَبَّارِ، يَعْنِي أَنَّ تَعَلُّمَهُ لِتَحْصِيلِ ثَمَرَتِهِ لَا لِغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْمَقَاصِدِ، وَذَلِكَ صَحِيحٌ مِنْ جِهَةِ اشْتِرَاطِ أَهْلِ السِّحْرِ ذَلِكَ بَلْ الْجَزْمُ بِحُصُولِ الْأَثَرِ عَلَى مَا ذَكَرَهُ الْفَخْرُ وَقَوْلُهُ وَاحْتَجُّوا إلَى قَوْلِهِ لَمْ يَأْثَمْ الْمَالِكِيَّةُ تَقُولُ بِمُوجِبِهِ، وَلَا يَلْزَمُ مَقْصُودُ الْحَنَفِيَّةِ فَإِنَّ مَا ذَكَرَهُ الْحَنَفِيَّةُ تَعَلُّمُ الْكُفْرِ لَا لِنَفْسِهِ بَلْ لِتَصْحِيحٍ يَقْتَضِيهِ وَقَوْلُ الشِّهَابِ إنَّ مَنْ قَالَ التَّعْلِيمُ وَالتَّعَلُّمُ مُطْلَقًا كُفْرٌ فَهُوَ خِلَافُ الْقَوَاعِدِ