لَا كَسْبَ لَهُ فِيهِ وَمَا لَا فِي قُدْرَتِهِ، أَوْ هُوَ مِنْ جِنْسِ مَقْدُورِهِ غَيْرَ أَنَّهُ لَمْ يَقَعْ بِمَقْدُورِهِ كَالْجِنَايَةِ عَلَى عُضْوٍ مِنْ أَعْضَائِهِ لَا مَثُوبَةَ فِيهِ، وَأَصْلُ ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى {وَأَنْ لَيْسَ لِلإِنْسَانِ إِلا مَا سَعَى} [النجم: ٣٩] فَحَصَرَ مَالَهُ فِيمَا هُوَ مِنْ سَعْيِهِ وَكَسْبِهِ وقَوْله تَعَالَى {إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [الطور: ١٦] فَحَصَرَ الْجَزَاءَ فِيمَا هُوَ مَعْمُولٌ لَنَا وَمَقْدُورٌ، وَثَانِيهِمَا: أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الْمُكْتَسَبُ مَأْمُورًا بِهِ فَمَا لَا أَمْرَ فِيهِ لَا ثَوَابَ فِيهِ كَالْأَفْعَالِ قَبْلَ الْبَعْثَةِ، وَكَأَفْعَالِ الْحَيَوَانَاتِ الْعَجْمَاوَاتِ مُكْتَسَبَةٌ مُرَادَةٌ لَهَا وَاقِعَةٌ بِاخْتِيَارِهَا، وَلَا ثَوَابَ لَهَا فِيهَا لِعَدَمِ الْأَمْرِ بِهَا، وَكَذَلِكَ الْمَوْتَى يَسْمَعُونَ فِي قُبُورِهِمْ الْمَوَاعِظَ وَالْقُرْآنَ وَالذِّكْرَ وَالتَّسْبِيحَ وَالتَّهْلِيلَ، وَلَا ثَوَابَ لَهُمْ فِيهِ عَلَى الصَّحِيحِ؛ لِأَنَّهُمْ غَيْرُ مَأْمُورِينَ بَعْدَ الْمَوْتِ، وَلَا مَنْهِيِّينَ فَلَا إثْمَ، وَلَا ثَوَابَ
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
لَا كَسْبَ لَهُ فِيهِ وَمَا لَا فِي قُدْرَتِهِ، أَوْ هُوَ مِنْ جِنْسِ مَقْدُورِهِ غَيْرَ أَنَّهُ لَمْ يَقَعْ بِمَقْدُورِهِ كَالْجِنَايَةِ عَلَى عُضْوٍ مِنْ أَعْضَائِهِ لَا مَثُوبَةَ فِيهِ، وَأَصْلُ ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى {وَأَنْ لَيْسَ لِلإِنْسَانِ إِلا مَا سَعَى} [النجم: ٣٩] فَحَصَرَ مَا لَهُ فِيمَا هُوَ مِنْ سَعْيِهِ وَكَسْبِهِ وقَوْله تَعَالَى {إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [الطور: ١٦] فَحَصَرَ الْجَزَاءَ فِيمَا هُوَ مَعْمُولٌ لَنَا وَمَقْدُورٌ، وَثَانِيهمَا: أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الْمُكْتَسَبُ مَأْمُورًا بِهِ فَمَا لَا أَمْرَ فِيهِ لَا ثَوَابَ فِيهِ كَالْأَفْعَالِ قَبْلَ الْبَعْثَةِ وَكَأَفْعَالِ الْحَيَوَانَاتِ الْعَجْمَاوَاتِ مُكْتَسَبَةٌ مُرَادَةٌ لَهَا وَاقِعَةٌ بِاخْتِيَارِهَا، وَلَا ثَوَابَ لَهَا فِيهَا لِعَدَمِ الْأَمْرِ بِهَا، وَكَذَلِكَ الْمَوْتَى يَسْمَعُونَ فِي قُبُورِهِمْ الْمَوَاعِظَ وَالْقُرْآنَ وَالذِّكْرَ وَالتَّسْبِيحَ وَالتَّهْلِيلَ، وَلَا ثَوَابَ لَهُمْ فِيهِ عَلَى الصَّحِيحِ؛ لِأَنَّهُمْ غَيْرُ مَأْمُورِينَ بَعْدَ الْمَوْتِ، وَلَا مَنْهِيِّينَ فَلَا إثْمَ، وَلَا ثَوَابَ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
حَدَّا الْغِيبَةِ بِأَنَّهَا ذِكْرُك أَخَاك بِمَا يَكْرَهُ وَعَلَيْهِ أَجْمَعَتْ الْأُمَّةُ، وَهَذَا كُلُّهُ يَرُدُّ مَا قَالَهُ الْقَفَّالُ. اهـ. الْمُرَادُ
(السَّادِسُ) : التَّعْرِيفُ بِنَحْوِ لَقَبٍ كَالْأَعْوَرِ وَالْأَعْمَشِ وَالْأَصَمِّ وَالْأَقْرَعِ فَيَجُوزُ وَإِنْ أَمْكَنَ تَعْرِيفُهُ بِغَيْرِهِ نَعَمْ إنْ سَهُلَ تَعْرِيفُهُ بِغَيْرِهِ فَهُوَ أَوْلَى، وَالشَّرْطُ أَنْ يَكُونَ ذِكْرُ نَحْوِ الْأَعْوَرِ عَلَى جِهَةِ التَّعْرِيفِ لَا التَّنْقِيصِ، وَإِلَّا حَرُمَ فَأَكْثَرُ هَذِهِ الْأَسْبَابِ السِّتَّةِ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ، وَيَدُلُّ لَهَا مِنْ السُّنَّةِ أَحَادِيثُ صَحِيحَةٌ مَشْهُورَةٌ. اهـ. أَيْ كَاَلَّذِي تَقَدَّمَ الِاسْتِدْلَال بِهَا، وَزَادَ الْأَصْلُ
(سَابِعًا) : وَهُوَ مَا إذَا كُنْت وَالْمُغْتَابَ عِنْدَهُ قَدْ سَبَقَ لَكُمَا الْعِلْمُ بِالْمُغْتَابِ بِهِ، قَالَ: فَإِنَّ ذِكْرَهُ بَعْدَ ذَلِكَ لَا يَحُطُّ قَدْرَ الْمُغْتَابِ عِنْدَهُ لِتَقَدُّمِ عِلْمِهِ بِذَلِكَ فَقَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ: لَا يَعْرَى هَذَا الْقِسْمُ عَنْ نَهْيٍ؛ لِأَنَّكُمَا إذَا تَرَكْتُمَا الْحَدِيثَ فِيهِ رُبَّمَا نُسِيَ فَاسْتَرَاحَ الرَّجُلُ الْمَغِيبُ بِذَلِكَ مِنْ ذِكْرِ حَالِهِ وَإِذَا تَعَاهَدْتُمَاهُ أَدَّى ذَلِكَ إلَى عَدَمِ نِسْيَانِهِ هَذَا مَا ذَكَرَهُ الْأَصْلُ فِي تَلْخِيصِ الْفَرْقِ بَيْنَ مَا يَحْرُمُ مِنْ الْغِيبَةِ، وَمَا لَا يَحْرُمُ مِنْهَا، وَصَحَّحَهُ ابْنُ الشَّاطِّ مَعَ زِيَادَةٍ مِنْ كِتَابِ الزَّوَاجِرِ لِابْنِ حَجَرٍ وَاَللَّهُ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - أَعْلَمُ.
(الْفَرْقُ السَّادِسُ وَالْخَمْسُونَ وَالْمِائَتَانِ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْغِيبَةِ وَقَاعِدَةِ النَّمِيمَةِ وَالْهَمْزِ وَاللَّمْزِ) ، وَهُوَ أَنَّهُ قَدْ تَقَدَّمَ تَعْرِيفُ الْغِيبَةِ بِأَنَّهَا ذِكْرُك أَخَاك بِمَا يَكْرَهُ إنْ سَمِعَهُ وَتَقَدَّمَ أَنَّهَا إنَّمَا حَرُمَتْ لِمَا فِيهَا مِنْ مَفْسَدَةِ إفْسَادِ الْعِرْضِ وَعَرَّفُوا النَّمِيمَةَ بِأَنَّهَا نَقْلُ كَلَامِ النَّاسِ بَعْضِهِمْ إلَى بَعْضٍ عَلَى وَجْهِ الْإِفْسَادِ بَيْنَهُمْ فَحَرُمَتْ لِمَا فِيهَا مِنْ مَفْسَدَةِ إلْقَاءِ الْبِغْضَةِ بَيْنَ النَّاسِ وَيُسْتَثْنَى مِنْهَا مَا كَانَ النَّقْلُ فِيهَا عَلَى جِهَةِ النَّصِيحَةِ كَأَنْ يَقُولَ لَهُ: إنَّ فُلَانًا يَقْصِدُ قَتْلَك وَنَحْوَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهَا مِنْ النَّصِيحَةِ الْوَاجِبَةِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْغِيبَةِ قَالَ فِي الْإِحْيَاءِ: وَمَا ذُكِرَ فِي تَعْرِيفِ النَّمِيمَةِ هُوَ الْأَكْثَرُ، وَلَا يَخْتَصُّ بِذَلِكَ بَلْ هِيَ كَشْفُ مَا يُكْرَهُ كَشْفُهُ سَوَاءٌ أَكَرِهَهُ الْمَنْقُولُ عَنْهُ أَوْ إلَيْهِ أَوْ ثَالِثٌ، وَسَوَاءٌ كَانَ كَشْفُهُ بِقَوْلٍ أَوْ كِتَابَةٍ أَوْ رَمْزٍ أَوْ إيمَاءٍ، وَسَوَاءٌ فِي الْمَنْقُولِ كَوْنُهُ فِعْلًا، أَوْ قَوْلًا عَيْبًا أَوْ نَقْصًا فِي الْمَنْقُولِ عَنْهُ، أَوْ غَيْرِهِ فَحَقِيقَةُ النَّمِيمَةِ إفْشَاءُ السِّرِّ، وَهَتْكُ السِّتْرِ عَمَّا يُكْرَهُ كَشْفُهُ، وَحِينَئِذٍ يَنْبَغِي السُّكُوتُ عَنْ حِكَايَةِ كُلِّ شَيْءٍ شُوهِدَ مِنْ أَحْوَالِ النَّاسِ إلَّا مَا فِي حِكَايَتِهِ نَفْعٌ لِمُسْلِمٍ أَوْ دَفْعُ ضُرٍّ كَمَا لَوْ رَأَى مَنْ يَتَنَاوَلُ مَالَ غَيْرِهِ فَعَلَيْهِ أَنْ يَشْهَدَ بِهِ بِخِلَافِ مَا لَوْ رَأَى مَنْ يُخْفِي مَالَ نَفْسِهِ فَذَكَرَهُ فَهُوَ نَمِيمَةٌ وَإِفْشَاءٌ لِلسِّرِّ.
فَإِنْ كَانَ مَا يَنُمُّ بِهِ نَقْصًا أَوْ عَيْبًا فِي الْمَحْكِيِّ عَنْهُ فَهُوَ غِيبَةٌ وَنَمِيمَةٌ. اهـ. قَالَ ابْنُ حَجَرٍ فِي الزَّوَاجِرِ: وَمَا ذَكَرَهُ إنْ أَرَادَ بِكَوْنِهِ نَمِيمَةً أَنَّهُ كَبِيرَةٌ فِي سَائِرِ الْأَحْوَالِ الَّتِي ذَكَرَهَا فَفِيهِ بِإِطْلَاقِهِ نَظَرٌ ظَاهِرٌ؛ لِأَنَّ مَا فَسَّرُوا بِهِ النَّمِيمَةَ لَا يَخْفَى أَنَّ وَجْهَ كَوْنِهِ كَبِيرَةً مَا فِيهِ مِنْ الْإِفْسَادِ الْمُتَرَتِّبِ عَلَيْهِ مِنْ الْمَضَارِّ وَالْمَفَاسِدِ مَا لَا يَخْفَى، وَالْحُكْمُ عَلَى مَا هُوَ كَذَلِكَ بِأَنَّهُ كَبِيرَةٌ ظَاهِرٌ جَلِيٌّ، وَلَيْسَ فِي مَعْنَاهُ بَلْ وَلَا قَرِيبًا مِنْهُ مُجَرَّدُ الْإِخْبَارِ بِشَيْءٍ عَمَّنْ يَكْرَهُ كَشْفُهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَتَرَتَّبَ عَلَيْهِ ضَرَرٌ، وَلَا هُوَ عَيْبٌ، وَلَا نَقْصٌ فَاَلَّذِي يُتَّجَهُ فِي هَذَا أَنَّهُ، وَإِنْ سُلِّمَ لِلْغَزَالِيِّ تَسْمِيَتُهُ نَمِيمَةً لَا يَكُونُ كَبِيرَةً، وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّهُ نَفْسَهُ شَرَطَ فِي كَوْنِهِ غِيبَةً كَوْنَهُ عَيْبًا وَنَقْصًا حَيْثُ قَالَ: فَإِنْ كَانَ مَا يَنُمُّ بِهِ نَقْصًا إلَخْ فَإِذَنْ لَمْ تُوجَدْ الْغِيبَةُ إلَّا مَعَ كَوْنِهِ نَقْصًا فَالنَّمِيمَةُ الْأَقْبَحُ مِنْ الْغِيبَةِ يَنْبَغِي أَنْ لَا تُوجَدَ بِوَصْفِ كَوْنِهَا كَبِيرَةً إلَّا إذَا كَانَ فِيمَا يَنُمُّ بِهِ مَفْسَدَةٌ تُقَارِبُ مَفْسَدَةَ الْإِفْسَادِ الَّتِي صَرَّحُوا بِهِ فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ فَإِنِّي لَمْ أَرَ مَنْ نَبَّهَ عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا يَنْقُلُونَ كَلَامَ الْغَزَالِيِّ، وَلَا يَتَعَرَّضُونَ لِمَا فِيهِ مِمَّا نَبَّهْت عَلَيْهِ نَعَمْ مَنْ قَالَ: إنَّ الْغِيبَةَ كَبِيرَةٌ مُطْلَقًا يَنْبَغِي أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِي النَّمِيمَةِ إلَّا أَنْ يَكُونَ فِيهَا مَفْسَدَةٌ كَمَفْسَدَةِ الْغِيبَةِ، وَإِنْ لَمْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute