تراعوا أموالهم بالإحسان، والله سبحانه يعلم المحسن والمسيء وسيجازي كلا على عمله.
ولو شاء الله أن يضيق عليكم ويشدد بأن يوجب التجنيب أو المخالطة، لفعل ذلك، ولكنه ينظر لمصلحة اليتيم، ولا يشدد عليكم، وهو سبحانه العزيز القوي الذي لا يغالب، الحكيم في أحكامه وتصرفاته، لا يشرع إلا ما فيه الحكمة والخير، ويضع الأمور في مواضعها الصحيحة.
وكان هذا الحكم تيسيرا على الأولياء، فخلطوا طعامهم بطعام الأيتام، وشرابهم بشرابهم، والمهم في ذلك مراعاة العدل ومراقبة الله.
فليس هذا الخلط لأموال اليتامى مع أموال الأولياء إلا لفترة زمنية محددة هي حال الصغر، فإذا بلغ الأيتام، وجب إيتاء أموالهم إليهم. وحذر القرآن من أخذ الجيد من مال اليتيم وجعل الرديء من مال الولي مكانه ولا يجوز ضم أموال الأيتام نهائيا لأموال الأولياء، فمن فعل ذلك، فقد ارتكب ذنبا (حوبا) عظيما، قال الله تعالى: وَآتُوا الْيَتامى أَمْوالَهُمْ وَلا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ وَلا تَأْكُلُوا أَمْوالَهُمْ إِلى أَمْوالِكُمْ إِنَّهُ كانَ حُوباً كَبِيراً (٢)[النساء: ٤/ ٢] . أي إثما عظيما.
ولا بد قبل دفع الأموال إلى اليتامى من تدريبهم على حسن التصرف بالمال واختبارهم قبل البلوغ في دينهم وتصرفهم في أموالهم، فإن بلغوا واستكملوا سن الخامسة عشرة، ووجد الأولياء في الأيتام رشدا أي صلاحا في دينهم ومالهم، دفعت إليهم أموالهم، ولا يحل للولي أن يبادر إلى إنفاق مال اليتيم قبل بلوغه سن الرشد، ويجوز للولي الفقير أن يأكل بالمعروف بقدر أجرة عمله من مال اليتيم، وعلى الغني أن يتعفف عن مال اليتيم ويمتنع عن أكله، وإذا سلمت الأموال إلى الأيتام يندب الإشهاد على ذلك لئلا يقع اختلاف، قال الله تعالى: وَابْتَلُوا الْيَتامى حَتَّى إِذا بَلَغُوا النِّكاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُمْ وَلا تَأْكُلُوها إِسْرافاً وَبِداراً أَنْ يَكْبَرُوا وَمَنْ كانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كانَ فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ فَإِذا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ وَكَفى بِاللَّهِ حَسِيباً (٦)