كتبهم، وهو نبوّة محمد صلّى الله عليه وسلم، وأن الكعبة قبلة له. والحق ما كان من عند الله وحده، لا من غيره، وذلك ما أمر الله به في قرآنه، فلا تكونن من الشّاكّين في صدق ما أنت عليه، وهو ما أتاك من ربّك من الوحي. نزلت هذه الآية في مؤمني أهل الكتاب:
عبد الله بن سلام وأصحابه، كانوا يعرفون رسول الله صلّى الله عليه وسلم بنعته وصفته وبعثه في كتبهم، كما يعرف أحدهم ولده، إذا رآه مع الغلمان.
ثم أبان الله تعالى أن لكل فريق من الأمم قبلة هو موليها، فلليهود قبلة، وللنصارى قبلة، وللمسلمين قبلة، فليس هناك جهة واحدة قبلة لكل الأمم، وليست القبلة ركنا من أركان الدين، وإنما المهم هو وجود التسابق إلى الخيرات، وإعلان الإيمان بما أنزل الله، واحترامه والدفاع عنه، سواء نزل في شريعة قوم أم في شريعة أخرى، فقال الله تعالى:
ثم بيّن الله تعالى ثلاث حكم لتحويل القبلة، الحكمة الأولى: لئلا يحتج أحد على الله، فأهل الكتاب يعرفون أن النّبي المبشّر به عندهم، قبلته الكعبة، فجعل القبلة إلى البيت المقدس دائما على مدى الزمان طعن في نبوّته. وكان المشركون العرب يرون أن نبيّا من ولد إبراهيم عليه السّلام جاء لإحياء ملّته، فلا يعقل أن يتّجه إلى غير قبلته وبيت ربّه الذي بناه إبراهيم، فكان التحويل متفقا مع ما يرى كلا الفريقين: أهل الكتاب والمشركون. ثم استثنى الله سبحانه الذين ظلموا أنفسهم، فهم سفهاء لا يهتدون بكتاب، ولا يقتنعون بحجة وبرهان، وهؤلاء لا يخشاهم أحد، لأن الخشية تكون لأصحاب الحق والمنطق السليم.