للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثم أبان الله تعالى أمرا اجتماعيّا مهمّا: وهو أنه مثل تولّي الجن والإنس بعضهم لبعض، نولّي الظالمين بعضهم ببعض، بأن نجعل بعضهم أنصار بعض، بمقتضى التقدير والسّنة الكونية، بسبب ما كانوا يكسبون من أعمال الظلم المشتركة بينهم، فكل فريق يتولى ويرعى شبيهه في الخلق والعمل وينصره على غيره، قال ابن عباس:

«إذا رضي الله على قوم ولّى أمرهم خيارهم، وإذا سخط على قوم ولىّ أمرهم شرارهم» . وهذا تهديد عامّ لكل ظالم ظلما اجتماعيّا عامّا أو خاصّا. والتعاون بين الفئات المتشابهة في سلوكها ظاهرة قائمة في المجتمعات، سواء فئات المؤمنين الصلحاء، كما قال تعالى: وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِناتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ [التّوبة: ٩/ ٧١] . أو فئات الكافرين الأشقياء، كما قال الله سبحانه: وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ [الأنفال: ٨/ ٧٣] أي أعوانهم ونصراؤهم.

تقريع الظّلمة على كفرهم

إن العدل الإلهي أمر مطلق شامل جميع أحوال الناس في الدنيا والآخرة، ففي الدنيا يرسل الله الإنذارات المتوالية من الكتب والرّسل لتبليغ الأحكام وشرائع الله، والتحذير من مستقبل الحساب والجزاء الأخروي. وفي الآخرة لا يجد الظّلمة مناصا من الاعتراف بتقصيرهم وامتناعهم من الإيمان واقترافهم السيئات. ويظهر العدل في الآخرة على أتم وجه وأحكم مظهر، حيث يوفّى كل إنسان بما عمل من خير أو شرّ. قال الله تعالى موضّحا أصول العدل وطرائق التزامه:

[سورة الأنعام (٦) : الآيات ١٣٠ الى ١٣٢]

يا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آياتِي وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقاءَ يَوْمِكُمْ هذا قالُوا شَهِدْنا عَلى أَنْفُسِنا وَغَرَّتْهُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا وَشَهِدُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كانُوا كافِرِينَ (١٣٠) ذلِكَ أَنْ لَمْ يَكُنْ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرى بِظُلْمٍ وَأَهْلُها غافِلُونَ (١٣١) وَلِكُلٍّ دَرَجاتٌ مِمَّا عَمِلُوا وَما رَبُّكَ بِغافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ (١٣٢)

«١»


(١) خدعتهم.

<<  <  ج: ص:  >  >>