هذه الآيات تقريع للظالمين، وتهديد شديد للكافرين من الجنّ والإنس، وبيان حالهم يوم القيامة، حيث يسألهم ربّهم، وهو أعلم بما فعلوا، قائلا: هل بلّغتكم الرّسل رسالات الله؟ يخبرونكم بآيات الإيمان والأحكام والآداب، وينذرونكم لقاء يوم الحشر الرهيب، وما فيه من الحساب والجزاء لمن يكفر بها ويجحدها؟! فأجابوا عن السؤال، وقالوا يوم القيامة: أقررنا بأن الرّسل قد بلّغونا رسالاتك، وأنذرونا لقاءك، وأن هذا اليوم يوم القيامة كائن لا محالة، ونظير هذه الآية: قالُوا بَلى قَدْ جاءَنا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنا وَقُلْنا ما نَزَّلَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلالٍ كَبِيرٍ (٩)[الملك:
٦٧/ ٩] . وهذا إقرار منهم بالكفر والتقصير.
وخدعتهم الحياة الدنيا بزينتها ومتاعها من الشهوات والأموال والأولاد وحبّ السلطة ورفعة الجاه، ففرّطوا في حياتهم الدنيا، وهلكوا بتكذيبهم الرّسل، وإنكار المعجزات، كبرا وعنادا.
وشهدوا على أنفسهم يوم القيامة أنهم كانوا كافرين في الدنيا، بما جاءتهم به الرّسل عليهم السّلام.
ذلك الإرسال للرّسل وإنذارهم الناس سلفا، وإنزال الكتب الإلهية في عالم الحياة الحاضرة، بسبب أن من سنّة الله ألا يؤاخذ أحد بظلمه إذا لم تبلغه الدعوة الإلهية من طريق صحيح، وألا تهلك الأمم والشعوب بعذاب الاستئصال وهم غافلون عما يجب عليهم، بل لا بدّ من إرسال الرّسل إليهم، كما قال الله تعالى: وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلا فِيها نَذِيرٌ [فاطر: ٣٥/ ٢٤] ، وقال سبحانه: وَما كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا [الإسراء: ١٧/ ١٥] ، فالله لا يظلم أحدا من خلقه، ولكن الناس أنفسهم يظلمون، فمن