أحسن إلى غيره ولم يقابله بإساءته، فهو أرفع درجة عند الله وعند خلقه، لذا ذكرت الآية الثانية: أن إبداء الخير من قول أو فعل، أو إخفاءه، أو العفو عمن أساء، يجازي الله تعالى عليه خيرا، بل يرغّب فيه، فالله تعالى يحبّ فعل الخير، ويعفو عن السّيئات، وهذا وعد كريم من الله بإثابة العافين عن الناس، والمحسنين إليهم لأن الله سبحانه قادر تمام القدرة على معاقبة المسيء في الدنيا والآخرة، لكن يظل للعفو مكانته، وما أجمل الجمع في نهاية الآية بين العفو والمقدرة في قوله سبحانه: فَإِنَّ اللَّهَ كانَ عَفُوًّا قَدِيراً وهو إرشاد إلى أن القدرة على العقاب لا تمنع العفو والمغفرة، ويكون التّخلق بأخلاق الله تعالى أمرا حسنا مرغّبا فيه، ففي العفو خير وبركة وإحسان.
[ضابط الكفر والإيمان]
الكفر والإيمان أمران متعارضان لا يجتمعان عند إنسان، فإما أن يكون الإنسان مؤمنا أو غير مؤمن لأن الإيمان لا يتجزأ، وليس هناك أنصاف حلول في قضايا الإيمان وترك الإيمان، فكل من آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وبالقدر خيره وشرّه، فهو مؤمن، وكل من كفر وجحد بأحد هذه الأركان أو العناصر السّتة، فهو كافر غير مؤمن ولا يقبل من أحد بعد هذا: الادّعاء بأنه مؤمن إذا افتقد ركنا من هذه الأركان، وعليه أن يسلم قلبه لله تعالى، فيقرّ بوجوده ووحدانيته، ويصدق بجميع الملائكة والكتب الإلهية المنزلة والرّسل والأنبياء الكرام جميعهم، ومن آمن ببعض هؤلاء وكفر بالبعض الآخر، فهو غير مؤمن في ميزان الدين الإلهي والعدل الرّباني.