هؤلاء النفر الثلاثة موقوفون مرجون، أي مرجؤون مؤخرون لأمر الله في شأنهم، ولا يدري الناس ما ينزل فيهم، هل يتوب الله عليهم أو لا؟ وقد نهى الرسول صلّى الله عليه وسلّم عن مجالستهم، وأمرهم باعتزال نسائهم وإرسالهن إلى أهلهن، إلى أن نزلت آية التوبة عليهم في قوله سبحانه: لَقَدْ تابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهاجِرِينَ وَالْأَنْصارِ.. إلى قوله: وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا.. أي تخلفوا عن التوبة.
وهم مرارة بن الربيع، وكعب بن مالك، وهلال بن أمية، قعدوا عن غزوة تبوك في جملة من قعد كسلا وميلا إلى الدعة والحفظ، وطيب الثمار والظلال، لا شكا ونفاقا.
وقد تردد في هذه الآية البت في شأنهم بين أمرين: التعذيب والتوبة. وترك أمرهم غامضا، لا للشك، فالله تعالى منزه عنه، وإنما ليكون أمرهم على الخوف والرجاء، وإثارة الغم والحزن في قلوبهم، ليقدموا على التوبة، ويصير أمرهم عند الناس على الرجاء، فجعل أناس يقولون: هلكوا إذا لم ينزل الله تعالى لهم عذرا، وآخرون يقولون: عسى الله أن يغفر لهم.
ومما لا شك فيه أن القوم كانوا نادمين على تأخرهم عن غزوة تبوك، فلم يحكم الحق تعالى بكونهم تائبين لأن الندم وحده لا يكون كافيا في صحة التوبة، ثم ندموا على المعصية لكونها معصية، فصحت توبتهم. والله عليم بمن يستحق العقوبة ممن يستحق العفو، وبما يصلح عباده ويربّيهم، حكيم في أفعاله وأقواله، وفيما يشرعه لهم من الأحكام المؤدية لهذا الصلاح. ومن حكمته تعالى: إرجاء النص على توبتهم.