قومه، وفتنتهم المؤمنين وغير ذلك، وتثبيته على أذى الكفرة، وفي ذلك عبرة ووعيد لكفار قريش بتشبيه أمرهم بأمر قوم نوح، ولتأكيد ما جاء في مطلع السورة من جعل الابتلاء سنة الحياة.
وهذه آيات توجز بيان مهمة نوح عليه السّلام أطول الأنبياء عمرا، وأول رسول للبشرية، وأبي البشر الثاني بعد آدم عليه السّلام، قال الله تعالى:
إن إيراد قصص الأنبياء السابقين على هذا النحو من التأكيد والتشديد، ذو مغزى عميق ودلالة واضحة، فمغزاه العبرة والعظة، ودلالته الإنذار والتحذير لكفار قريش وأمثالهم، حين كذبوا رسولهم محمدا صلّى الله عليه وسلم بأنهم سيتعرّضون لعقاب مماثل لمن تقدّمهم من الأقوام الغابرة الذين كذّبوا رسلهم، فجاءهم عذاب الاستئصال. وتظهر صورة هذا التأكيد في العرض والبيان بقسم من الله تعالى على ما جاء في قصّة كل نبي.
وهنا يقول الله تعالى ما معناه: وتالله لقد أرسلنا نوحا عليه السّلام إلى قومه الكافرين العصاة، عبدة الأصنام، فبقي فيهم يدعوهم إلى توحيد الله ألف سنة إلا خمسين عاما، فلم يؤمن بدعوته إلا قليل من الناس كما قال تعالى: وَما آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ [هود: ١١/ ٤٠] ، وكذبوه وآذوه، وأفحشوا له القول، فصبر نوح عليه السّلام على أذاهم، ومضى زمان طويل، وهو يدعوهم إلى أن يتركوا عبادة الأصنام، ويؤمنوا بالله الواحد الأحد، وبيوم القيامة والحساب، فلم يفلح، ولم يستجيبوا لدعوته، وأمعنوا في الإعراض والاستكبار، كما جاء في آية أخرى: قالَ نُوحٌ رَبِّ إِنَّهُمْ عَصَوْنِي وَاتَّبَعُوا مَنْ لَمْ يَزِدْهُ مالُهُ وَوَلَدُهُ إِلَّا خَساراً [نوح: ٧١/ ٢١] .