الفائزون بالسعادتين: سعادة الدنيا وسعادة الآخرة، على عكس المنافقين الذين حرموا منهما تماما. والسبب واضح: وهو إيمان المؤمنين الخالص المستقر في نفوسهم، وافتقاد ذلك في قلوب المنافقين، فاستحق المؤمنون الفلاح أي إدراك البغية من الجنة، وتعرض المنافقون للخسران والهلاك.
وأدى ذلك إلى أن يهيّئ الله الجنة والنعيم وأن يظفر المؤمنون بجنان الخلد التي تجري الأنهار من تحت أشجارها، ماكثين فيها على الدوام، متمتعين بالبقاء في عالم الأبد، وذلك هو الفوز العظيم، أي المرتبة العليا التي لا مرتبة فوقها والحصول على الأمل والبغية، وهم أهل السعادة الأبدية، كما أنهم في الدنيا أهل الفلاح بالاستمتاع بالنصر والعزة، والثروة والكرامة، وانتصار الإيمان على الكفر، والهداية على الضلالة.
والتفاوت الواضح بين مرتبة المؤمنين في الدنيا والآخرة ومرتبة المنافقين الكافرين منشؤه التضحية والعمل المشرّف، وهذا حق وعدالة، فلا يعقل أن يسوى بين المجدّ والمتقاعس، وبين العامل والقاعد، ومقتضى العدل في ميزان الشرع والعقل أن يكافأ المحسنون بأفضل أنواع الإحسان، وأن يهمل المسيئون ويتعرضوا لمختلف ألوان الذل والهزيمة والتعرض للعقاب الشديد لأن بناء الأمجاد وتحقيق السيادة لا يقومان إلا على سواعد العاملين المخلصين.
[حكم أهل الأعذار في الجهاد]
ليس الجهاد فرضا إلا على القادرين على حمل السلاح، من الرجال البالغين الأشداء، أصحاب القوة البدنية والمالية، فهم المكلفون أصالة بهذا الواجب المقدس، أما أصحاب الأعذار من النساء والضعفاء والمرضى والعاجزين عن النفقة، فلا حرج عليهم بترك الجهاد، وهذا ما أبانه القرآن الكريم في قوله تعالى: