ذم الله تعالى في هذه الآيات فريقا وامتدح فريقا آخر، ذم المتخلفين عن الجهاد مع القدرة عليه، وتوافر الثروة والغنى، فاستأذنوا الرسول صلّى الله عليه وسلّم في القعود عن الجهاد، وأما المؤمنون فهم الذين يبادرون لخوض المعارك بهمة قعساء وعزيمة مضّاء.
لقد كانت عادة المنافقين التهرب من الجهاد، فكلما أنزلت سورة أو آية فيها الأمر بالإيمان والجهاد مع الرسول صلّى الله عليه وسلّم، استأذن أولو الطول، أي أصحاب الغنى والسعة وأولو المقدرة على القتال والجهاد بالمال والنفس في التخلف بأعذار واهية، قائلين للنبي: اتركنا مع القاعدين في بيوتهم من النساء والصبيان والعجزة والضعفاء، وهذا غاية الجبن والمذلة والهوان، وطعن برجولتهم، ومساس بكرامتهم وعزتهم.
إنهم رضوا لأنفسهم بأن يكونوا مع الخوالف المتخلفة من النساء، وفي هذا تقريع شديد وتشنيع ولو واضح، إذ يأبى الرجل العزيز أن يكون مثل المرأة في مواقف الرجولة. واستحقوا بهذا أن يختم أو يطبع على قلوبهم حتى لا ينفذ إليها النور والعرفان والهداية والعلم، فأصبحوا لا يفقهون، أي لا يفهمون ما فيه صلاح لهم، فيفعلونه، ولا ما فيه مضرّة فيجتنبونه، ولا يدركون أسرار حكمة الله في الأمر بالجهاد.
ثم قارن الله تعالى وضع المنافقين الذين لم يجاهدوا بوضع المؤمنين، وهو أن الرسول وأهل الإيمان معه جاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله، وقاموا بواجبهم خير قيام، فنالوا الخيرات (أي المستحسن من كل شيء) في الدنيا كالنصر وهزيمة الكفر، وفي الآخرة بالاستمتاع في جنات الفردوس والدرجات العالية، وأولئك هم