ولقد سهلنا القرآن وقرّبناه للحفظ عن ظهر قلب، ويسرنا إدراك معناه لمن أراده للتذكر، فهل من متعظ بمواعظه، معتبر بعبره؟! إن الله تعالى يسّر حفظ القرآن وفهم معانيه، بما فيه من حسن النظم، وشرف المعنى، فله التصاق بالقلوب مع محبة، وامتزاج بالعقول السليمة مع قناعة. وقوله تعالى في نهاية هذه القصة وبقية القصص الأربع: فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ استدعاء وحض على حفظه وتذكر مراميه، لتكون زواجره وعلومه وهداياته حاضرة في النفس. وهي تعداد نعم الله تعالى في أنه يسّر الهدى.
والحكمة من تكرار: وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (١٧) تجديد التنبيه على الاستذكار والاتعاظ، والتعرف على تعذيب الأمم السابقة، والاعتبار بحالهم.
وهكذا كان حكم تكرار آية الرحمن: فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (١٣) عند عدّ كل نعمة، وفي سورة المرسلات عند عدّ كل آية، لتكون ماثلة أمام الأذهان، محفوظة في كل أوان، وكذلك تكرار هذه القصص في القرآن بعبارات مختلفة، لتنبيه الغافل على أن كل موضع له فائدة، لا تعرف في غيره.
[قصة عاد وثمود]
تكرر بعد تكذيب قوم نوح برسولهم تكذيب قبيلتي عاد وثمود برسوليهم هود وصالح عليهما السّلام، وكان الجزاء الماحق مثل جزاء من قبلهم، وتشابهت الجرائم وتماثلت العقوبات، من أجل تحقيق غاية واحدة: هي زجر الكافرين عن كفرهم، ونقلهم من ذل الكفر والمعصية إلى عز الإيمان والطاعة. فإذا بقوا على مواقفهم لم يبق بعدئذ عذر لهم، ويكون عقابهم حقا وعدلا، وهذا ينبغي أن يكون أمثولة مستحضرة