ومهمة هذا النبي الموحى إليه هي الإنذار من الناس: أَنْ أَنْذِرِ النَّاسَ أي أوحينا إليه بأن أنذر الناس، وخوّفهم من عذاب النار يوم البعث، إذا ظلوا كافرين ضالين عاصين، والمهمة الثانية: تبشير المؤمنين الذين يعلمون الصالحات أن لهم قدم صدق عند ربهم، أي سابقة وفضلا ومنزلة رفيعة عند الله في جنات النعيم، وأجرا حسنا بما قدموا. والأعمال الصالحة: هي صلاتهم وصومهم وصدقهم في القول والفعل وتسبيحهم.
وقوله سبحانه: قالَ الْكافِرُونَ إِنَّ هذا لَساحِرٌ مُبِينٌ فيه حذف يدل الظاهر عليه تقديره: فلما أنذر وبشر، قال الكافرون كذا وكذا. أو: ومع أنا بعثنا إليهم رسولا منهم رجلا من جنسهم، بشيرا ونذيرا، قال الكفار: إن هذا القرآن سحر ظاهر بيّن، وهم الكاذبون في ذلك. ووصفوه بالسحر: لما رأوا من تأثيره القوي في القلوب.
ثم تبين لعقلاء العرب وحكمائهم أن القرآن ليس سحرا، لأنهم جربوا السحر وعرفوه، فلم يجدوه مطابقا له، وإنما هو وحي من عند الله على قلب نبيه، مشتمل على أحكام سامية عالية في التشريع والقضاء، والسياسة والاجتماع والعلوم والأخلاق والآداب، معجزة في أسلوبه ونظمه ومعانيه، يفوق قدرة البشر على محاكاته أو الإتيان بشيء مثله.
[أدلة توحيد الله وإثبات البعث]
أقام القرآن الكريم الأدلة الواضحة والبراهين القاطعة على أصلين أو ركنين من أركان الدين: وهما أولا- التوحيد الخالص لله في العبادة والدعاء، وثانيا- إثبات البعث والجزاء. وتوحيد الله يتضمن إثبات وجود إله قادر نافذ الحكم بالأمر والنهي، وإثبات البعث يقتضي إثبات حياة الآخرة بما فيها من حشر ونشر ومعاد