والمعنى: يعاقب الله تعالى المجاهر بسوء القول، أي بذكر عيوب الناس وتعداد سيئاتهم لأنه يؤدي إلى إثارة العداوة، والكراهة والبغضاء، ويزرع الأحقاد، ويسيء أيضا إلى السامعين، فيجرّئهم على اقتراف المنكر، وتقليد المسيء، ويوقعهم في الإثم لأن سماع السّوء كعمل السّوء.
وكذلك الإسرار بسوء القول محرّم ومعاقب عليه أيضا كالجهر بالقبيح، إلا أن الآية نصّت على حالة الجهر لأن ضرره أشد، وفحشه أكبر، وفساده أعم وأخطر، قال الله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ (١٩)[النّور: ٢٤/ ١٩] .
ثم استثنى الله تعالى حالة يجوز فيها إعلان السوء من القول: وهي حالة الشكوى المحقة من ظلم الظالم أمام حاكم أو قاض أو غيرهما ممن يرجى منه رفع الظلامة وإغاثة المظلوم، ومساعدته في إزالة الظلم، والشكوى على الظالم أمر جائز شرعا، إذ لا يحبّ الله لعباده أن يسكتوا على الظلم، أو أن يخضعوا لصنوف الأذى والضيم، أو أن يقبلوا المهانة، ويسكتوا على مضض على الذّل والتّحقير. روى الإمام أحمد حديثا:«إن لصاحب الحق مقالا» . والشكوى حينئذ تكون من قبيل ارتكاب أخفّ الضّررين، ودفع أعظم الشّرّين.
وكل من حالتي جواز الجهر بالسوء من القول، وعدم الجواز، في ظل رقابة دقيقة من الله تعالى، فهو سبحانه سميع لكل ما يقال، مطّلع على البواعث والنّيات المؤدية للأقوال، عليم بكل ما يصدر عن المخلوقات من أفعال وتصرّفات، فيثيب الله المحق، ويعاقب المبطل، ويعين على دفع الظلم، ويجازي كل ظالم على ظلمه.
ولا مانع أيضا من العفو عن المسيء، والتّرفع عن المؤذي، بل إن العفو أفضل عند الله من الجزاء، ومرغب فيه شرعا، ليظهر ميدان الإحسان ويتعلم الناس أن من