حينما انهزم أهل الضّلال في النّقاش والحجاج العقلي أمام رسلهم، لجؤوا إلى التهديد والوعيد والإيذاء بالقول والفعل، وتوعّد الرّسل إما بالطّرد والإبعاد من بلادهم، وإما بالعودة إلى الوثنية الملّة الموروثة عن الآباء والأجداد، فأوحى الله لرسله قائلا لهم: لنهلكنّ الظالمين المشركين، ولنسكننكم أنتم وذرّيتكم أرضهم وديارهم من بعد هلاكهم، عقوبة لهم على تهديداتهم، ذلك الإعلان للحكم الموحى به بإهلاك الظالمين وإسكان المؤمنين ديارهم، لمن خاف موقفه بين يدي ربّه، وهاب وعيده بالعذاب والعقاب.
ثم أبان الله تعالى بقوله: وَاسْتَفْتَحُوا وَخابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ (١٥) أي إن الرّسل سألوا إنفاذ الحكم بنصرهم وتعذيب الكفرة، فأجابهم ربّهم لما طلبوا، ولم ينجح كل جبّار، أي متعظم في نفسه، لا يرى لأحد عليه حقّا، معاند للحق، منحرف عنه، فهو عنيد، أي يعاند ولا ينقاد للحق، ولا ينصاع لنداء الله بالإيمان.
وكان أمام هذا الجبار العنيد جهنم بانتظاره، بعد حذره وتحفظه، ويسقى في النار من ماء صديد، أي مما يسيل من أجساد أهل النار من قيح ودم، فهو ليس بماء في الحقيقة، وإنما ماؤه هذا الصديد المتغير الذي يخرج من الجوف. يتحسّاه جرعة بعد جرعة، ولا يكاد يبتلعه، لكراهته، وسوء طعمه ولونه وريحه، مما يدل على التّألم حين ابتلاعه، كما جاء في آية أخرى: وَسُقُوا ماءً حَمِيماً فَقَطَّعَ أَمْعاءَهُمْ [محمد: ٤٧/ ١٥] .
ويروى أن الكافر يؤتى بالشربة من شراب أهل النار، فيتكرهها، فإذا أدنيت منه، شوت وجهه، وسقطت فيها فروة رأسه، فإذا شربها قطّعت أمعاءه.