هذه الآيات الكريمة تقرر الحد الفاصل في القضية الكبرى: وهي حرية الاختيار للإنسان، التي على أساسها يكون الحساب والجزاء، والثواب والعقاب، فالله قادر على أن يجعل الناس على ملة واحدة أو دين واحد بمقتضى الفطرة والخلق، فقوله تعالى: يُضِلُّ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ معناه يخلق ذلك في القلوب، خلافا لقول المعتزلة، كما ذكر ابن عطية في تفسيره. ورتب الله تعالى على حرية الاختيار التوعّد في آخر الآية، بسؤال كل أحد يوم القيامة عن عمله، وهذا سؤال توبيخ وحساب، وليس ثمّ سؤال تفهّم، وهو المنفي في آيات.
ويقتضي الاختيار: أن يسلك الإنسان بموجب هداية الله وعقله مسلك أهل الصلاح والاستقامة في المعاملات والعلاقات الاجتماعية، فلا يصح الانحراف والخداع والمكر، لذا نهى الله عن اتخاذ الأيمان وسيلة خداع، ونهى عن نقض العهود والأيمان: أيمان البيعة على الإسلام مع النبي صلّى الله عليه وسلّم فإذا اتخذت الأيمان وسيلة مكر وخديعة، فتزلّ قدم في الضلال بعد ثبوتها على جادة الاستقامة والإيمان. وهذا مثل لمن كان على الاستقامة، فحاد عنها، وزلّ عن طريق الهدى بأيمان حانثة، مشتملة على الصدّ عن سبيل الله، ومن انحرف أو زلّ، ذاق السوء، أي تحمل العذاب السيئ الأليم، وهو القتل والأسر في الدنيا، بسبب الصدّ عن سبيل الله، وله العقاب الشديد في الآخرة، جزاء المخالفة والانخراط في سلك الأشقياء الضالين.
والمقصود من الآية: إن نقضتم العهد أيها الناس، وقعتم في مفاسد ثلاثة: ترك الاستقامة، وتحمل شقاء الدنيا وعذابها، وعقاب الآخرة وجزائها.