الدنيا للعمل والعيش والكسب، والضوء يناسبه الحركة والانتقال وإتقان الأعمال، والظلام في الليل يناسبه هدوء الأعصاب، وراحة الجسد، ومتعة العقل والفكر. وفي تعاقب الليل والنهار ابتغاء الرزق والتمكن من التخطيط ليلا، وإنجاز العمل نهارا.
وفي دوران الليل والنهار تعريف بحساب الزمان ومرور الأيام والشهور والأعوام، والتعرف على المصالح في الدورات الزراعية، وتحديد الآجال والأعمار، والديون والمعاملات، ومعرفة حساب وقت العبادات من صلاة وصيام، وحجّ وزكاة، ولو لم يتغاير الليل والنهار لما تحققت الراحة، ولما عرف مقدار الوقت، وعاش الإنسان في عماية وجهالة، أو في تعب وعناء، لحساب الأشياء وتقدير الأزمان.
ومن كرم الله وفضله: أنه سبحانه أبان للإنسان كل شيء به حاجة في مصالح الدين والدنيا والآخرة، وعرّفه طريق الحياة، ودستور المعيشة، وأسلوب المعاملة، بتفصيل دقيق، وبيان واف.
وجعل الله عمل كل إنسان ملازما له، بخيره وشره، فيكون المراد بقوله سبحانه:
وَكُلَّ إِنسانٍ أَلْزَمْناهُ طائِرَهُ هو عمله، فالطائر: هو العمل الصادر عن الإنسان، وملازمته له كملازمة الطائر لصاحبه.
قال ابن عباس:(طائره) : ما قدّر عليه وله. وخاطب الله العرب في هذه الآية بما تعرف من عادة زجر الطير تيامنا وتشاؤما وسيخرج الله لكل إنسان يوم القيامة كتابا يراه، ويستقبله منشورا أمامه، فيه جميع أعماله خيرها وشرها. ويقال له حين تلقّي الكتاب: اقرأ كتاب عملك في الدنيا، كفى بنفسك حاسبا تحسب أعمالك وتحصيها. قال الحسن البصري: قد عدل، والله فيك، من جعلك حسيب نفسك.
وإذا كان كل واحد مختصا بعمل نفسه، فمن اهتدى إلى الحق والصواب، واتبع