وعرفان الجميل، فإذا أمنتم ونجوتم ووصلتم إلى البر والسلامة، نسيتم من دعوتموه فأنقذكم، وأعرضتم عن جانب الله الذي نجاكم، وعدتم إلى الشرك والكفران، وكان الإنسان بطبعه شديد الجحود والإنكار ونسيان نعمة الله تعالى.
وقوله سبحانه: وَكانَ الْإِنْسانُ كَفُوراً أي جنس الإنسان، فكل واحد لا يكاد يؤدي شكر الله تعالى كما يجب، وكل إنسان مهما عمل مقصر في حق الله تعالى.
أفأمنتم أيها المعرضون الناسون الشّدّة، حين صرتم إلى الرخاء والأمن، أن يخسف الله بكم مكانكم من البر وناحية من الأرض، أو يزلزل الأرض من تحتكم أو يرسل عليكم حجارة من السماء، ثم لا تجدوا بعد ذلك ناصرا تكلون إليه أموركم، وينقذكم منه لأنكم في قبضة القدرة الإلهية في البر وفي البحر. فقوله سبحانه: أَنْ يَخْسِفَ الخسف: انهيار الأرض بالشيء، وقوله تعالى أَوْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حاصِباً الحاصب: المطر العارض الرامي بالبرد والحجارة ونحو ذلك.
فهل أمنتم أيها الراكبون في البحر إذا نجاكم الله من الغرق، وأمنتم من أهوال البحار، أن يأتيكم في البر بعذاب آخر من خسف وزلزال أو تفجير بركان أو مطر مصحوب بالحصباء، أي الحجارة الصغار؟! إنها لفتة نظر شديدة التأثير، وتنبيه للعقول والأفكار أن ألوان العذاب مختلفة متنوعة، منها الإغراق في البحار، ومنها الزلازل والبراكين، ومنها الأمطار المحمّلة بالحجارة، ومنها الريح العاتية التي تدمر كل شيء، وترمي بالحصى كل إنسان.
أو هل أمنتم أيها المعرضون عن ربكم بعد ما لجأتم إلى الله للإنقاذ من الغرق في البحر أن يعيدكم إلى البحار مرة ثانية، فيرسل عليكم قاصفا من الريح، والقاصف:
الذي يكسر كل ما يلقي ويقصفه، فيغرقكم في أعماق الماء بسبب كفركم وإعراضكم عن الله تعالى، ثم لا تجدوا لكم علينا تبيعا، أي نصيرا متابعا يطلب ثأرا، أو دينا أو