تضمنت هذه الآيات لآدم عليه السلام أمورا ثلاثة: الرجوع به من حال المعصية إلى حال الندم، وهدايته لصالح الأقوال والأعمال، وإمضاء عقوبته عز وجل في إهباطه من الجنة إلى عالم الدنيا. وفي الدنيا إنذار لآدم وذريته، فحواه أن المستقيم على أمر الله يلقى السعادة، والمعرض عن ذكر الله يتلقى ألوان المعيشة الشديدة المتعبة.
والمعنى: لقد اصطفى الله تعالى آدم عليه السلام وقرّبه إليه، بعد أن تاب من المعصية (وهي الأكل من الشجرة التي نهاه الله عنها) وطلب المغفرة من ربه، وأقر بأنه قد ظلم نفسه، فتاب الله عليه من غلطته، وهداه إلى التوبة وإلى سواء السبيل.
ثم قال الله تعالى لآدم وزوجه حواء: انزلا من الجنة إلى الأرض معا، بعضكم يا معشر البشر في الدنيا عدو لبعض، في شأن المعاش وتنافس الدنيا وأطماعها، مما يؤدي إلى وقوع الخصام والاقتتال.
فإن يأتكم أيها البشر مني هدى، بوساطة الأنبياء والرسل، وإنزال الكتب المنذرة والمبشرة، فمن اتبع هدى ربه وآمن به، فإنه لا يضل في الدنيا، ولا يشقى في الآخرة.
ومن أعرض عن ذكر الله وكفر به، فإن له معيشة ضنكا، أي معيشة نكدة شاقة في المنازل، أو في الحروب ونحوها، ووقت هذه المعيشة في عالم الدنيا قبل يوم القيامة.
والمعنى: أن المعرض عن ذكر الله وهو الكافر، وإن كان متسع الحال والمال، فمعه من ألوان الحرص والقلق والهموم والتعذيب النفسي في أمور الدنيا أو في البرزخ في القبر، ما يصيّر معيشته ضنكا وشدة، فتكون العبرة بسعادة النفس وراحة البال والاطمئنان. ثم نحشره ونبعثه في الآخرة أعمى البصر والبصيرة، تائه الدرب، متخبطا في ألوان العذاب يوم القيامة.