أكّد القرآن الكريم مضمون الوحي الإلهي الواحد لجميع الأنبياء، وإعلامه أنه ما أرسل رسولا قط إلا أوحي إليه أن الله تعالى فرد صمد، إله واحد، لا رب غيره، ولا معبود سواه، فكان لزاما على البشر أن يعبدوا الله مخلصين له العبادة، وأن يتجهوا إليه وحده في جميع مطالبهم وتوسلاتهم، دون وسيط ولا شريك، كما جاء في آية أخرى: وَلَقَدْ بَعَثْنا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ [النحل: ١٦/ ٣٦] . أي ابتعدوا عن كل ما عبد من غير الله. وهذا تنزيه مطلق لله تعالى عن الشركاء.
ثم ضم الله تعالى إلى هذا التنزيه نفي اتخاذ الولد، فلقد كان العرب في الجاهلية مع اتخاذهم آلهة، يقرون بأن الله تعالى هو الخالق الرازق، إلا أن بعضهم قال: اتخذ الله الملائكة بنات، وبعض الناس اتخذوا نبيهم أو وليهم الصالح ابنا لله، فردّ الله تعالى على جميعهم: بأن الله لم يتخذ ولدا، وأنه منزه عن مقالة الكفرة، فليس الملائكة بنات الله، بل هم عباد مخلوقون لله، مقربون لديه، والعبودية تنافي الولادة وتتعارض معها، فعبيد الله ليسوا أولادا له، كل ما في الأمر أن الملائكة مفضلون على سائر العباد، لتميزهم بالخصائص الآتية:
١- لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ أي لا يتكلمون إلا بما يأمرهم به ربهم، ولا يخالفونه فيما أمرهم به، بل يبادرون إلى فعله، وهذا دليل على حسن طاعتهم وعبادتهم ومراعاتهم لامتثال الأمر.
٢- يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ أي إن الله تعالى يعلم علما تاما وشاملا كل ما تقدم من أفعال الملائكة وأعمالهم، سواء المتقدم منها والمتأخر، والظاهر منها والباطن.
٣- وَلا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضى أي إن الله أخبر أن الملائكة لا يجرءون أن